سماحة الشيخ يُناقش مراجعة التراث في منتدى الثلاثاء
في حضور نوعي ومكثف، استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطف في اسبوعيته المعتادة مساء الثلاثاء الماضي الموافق 4/11/1423هـ سماحة الشيخ حسن موسى الصفار الذي حاضر حول مراجعة التراث، وهو الموضوع الذي يشغل حاليا العديد من المثقفين والعلماء وخاصة في الظروف الحالية التي تمر بها المجتمعات الإسلامية. تحدث مدير الندوة في البداية الأستاذ ذاكر احبيل عضو هيئة تحرير مجلة الكلمة حول أبعاد موضوع مراجعة التراث وقدم المحاضر الذي افتتح حديثه بتحديد مفهوم مراجعة التراث وتعريفه وانتقل بعد ذلك للحديث حول دواعي ومبررات البحث في موضوع مراجعة التراث وحددها بالباعث العقلي، وعلاقة التراث بواقع الأمة، والمسئولية الدينية التي تحث على الاجتهاد والتجديد، وأخيرا المواجهة الفعلية مع الحضارة الغربية.ثم عرج على الحديث حول مناطق المراجعة وأولوياتها ولخصها في أربع جوانب وهي:
قضايا حقوق الإنسان التي غيبت بسبب سيادة ثقافة التسلط من ناحية والخضوع من ناحية أخرى التي نشأت بسبب العلاقة غير المتوازنة بين القوى الفاعلة في المجتمع كعلاقة السياسي بالديني وعلاقة الرجل بالمرأة مما أفرز حالة من اللاتوازن في هذه العلاقات.
وقضايا العلاقة مع الآخر التي نتجت بسبب التعبأة ضد أصحاب المعتقد والدين الآخر وكذلك في التعبئة الداخلية بين طوائف المسلمين أنفسهم.
وقضايا التوازن في دور الإنسان الدنيوي والأخروي حيث إن هنالك جهدا ثقافيا محموما يدفع باتجاه التنطع والاتجاه للآخرة على حساب الدور المطلوب من الإنسان المسلم في شهادته على عصره.
وعالج الشيخ الصفار في حديثه أيضا منهجية مراجعة التراث من خلال غربلة النصوص الدينية وتحقيقها ضمن منهجية جريئة ومتزنة عبر تدقيق النصوص المنقولة بهدف إثبات النص تماما كما فعل المحققون السابقون في العصور الإسلامية الذين مارسوا التجميع والتحقيق واستعرض تجربتي البخاري عند السنة والكليني عند الشيعة اللذان قاما بجمع النصوص الدينية وتصحيح ما اعتقدا به من نصوص مثبتة، ودعا إلى استمرارية هذه الحالة في مختلف العصور.
كما أوضح كذلك أهمية فهم النص الديني وتفسيره بما يتلاءم مع مقاصد الشريعة وأهداف الرسالة الإلهية، وأشار أيضا إلى ضرورة تحديد الاولويات وتزاحمها في الواقع المعاش وتأثير ذلك في استلهام المعاني السامية للنصوص الدينية. وتحدث أخيرا حول آليات مراجعة التراث فحدده في ضرورة وجود جهود علمية متخصصة تستلزمها إمكانيات مناسبة، وإشاعة أجواء حرية الفكر والرأي لإتاحة الفرصة للتجديد والتغيير.
وأكد في نهاية حديثه على أهمية وجود العناصر الجريئة التي يمكن أن تساهم في فتح الباب أمام المراجعة الموضوعية للتراث.
مشاركات الجمهور
تطرق المشاركون في الندوة بعد ذلك إلى العديد من القضايا والتعقيبات حول محاور المحاضرة ومن أبرزها إن إشاعة أجواء الحرية الفكرية تعتبر ضرورة لفسح المجال أمام مراجعة التراث وتطويره بما يتلاءم مع حاجات المجتمع الثقافية والسياسية، وان الثقافة السائدة بما تحتويه من مضامين تراثية تعزز حالة التقوقع والتطرف بدلا من الانفتاح والتطوير وسببها يعود إلى أن التاريخ كتب من قبل الأقوياء والمنتصرين الذين تمصلحوا من سيادة مثل هذه الأفكار وقاوموا محاولات المراجعة والتجديد لكتابة التاريخ والتراث.
وتحدث احد المعقبين عن نتائج حالة الخلط بين الحدث التاريخي والنص الديني وانعكاس ذلك على تداخل المفاهيم وتعارضها فالنقاش التاريخي يتحول إلى تشكيك في المعتقد، ودعا إلى قيام علماء الدين بدورهم المهم في نشر الوعي وسط الناس وكذلك في السعي إلى ممارسة التجديد والاجتهاد.
كما دعا احد المعلقين أيضا إلى ضرورة بلورة رؤية ونظرية متكاملة للتعامل مع التراث انطلاقا من أن الخلل ليس في ذات التراث بمقدار ما هو في فهم الناس له وتعلقهم به. وأشار معقب آخر إلى أن المناداة بتجديد التراث قد تكون تعبيرا عن حالة القلق التي يعيشها البعض، واستشهد بغياب المناصرين عند حدوث ردات أفعال من قبل المعارضين لذلك. وأكد احد المعقبين على أن الإقصاء السياسي والفكري كان ولا يزال قائما في تاريخنا الإسلامي، ودعا إلى التمييز بين ما هو نص وما هو تراث أو معرفة دينية عبر إعادة قراءة التراث بصورة موضوعية وضمن منهجية معرفية وذلك باعتبار التاريخ وأحداثه احد المكونات الرئيسة للتراث والثقافة.
وطالب احد المعقبين بالدعوة إلى إخراج نص المعصوم من التراث بصفته نصا خالدا متعاليا على الزمان والمكان، أما التراث فلا خلود له، وأشار إلى ضرورة عدم اعتبار التراث عبئا على المجتمع فهنالك تزامن تاريخي بين أزمة الواقع ومراجعة التراث بحثا عن حل لهذه الأزمات.
هذا وقد شارك في اللقاء الأسبوعي الذي يستضيفه الأستاذ جعفر الشايب مجموعة رجال دين ومثقفون وكتاب متعددون، ويعقد هذا اللقاء الثقافي بصورة أسبوعية منتظمة ويحاضر فيه مفكرون وكتاب ورجال دين وجامعيون حول مختلف القضايا الاجتماعية والفكرية والثقافية.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمدٍ وآله الطاهرين.