عاشوراء رؤية وموقف
موسم محرم الحرام لعام 1424هـ، ليلة الخميس العاشر من الشهر الحرام، في حسينية العوامي بالقطيف، تحت عنوان: عاشوراء رؤية وموقف.وقد بدأ سماحته المحاضرة بتقديم التعازي لمقام رسول الله وأهل بيته الأطهار وبالخصوص صاحب العصر والزمان، ثم عزى الحضور بهذه الفاجعة الأليمة ذكر استشهاد الإمام الحسين .
ثم تحدث عن حوادث التاريخ والأثر الذي تتركه في الأجيال من بعدها، وأكد أنه لا يُوجد حادثة في التاريخ تركت أثراً وتفاعلاً إنسانياً عميقاً بمقدار ما تركته حادثة كربلاء التي سطّر أحداثها الخالدة الإمام الحسين بن علي . واستعرض بعدها جوانب من الفروقات بين هذه الحادثة وأي حادثةٍ يهتم بها أي قسمٍ من أبناء البشر، كميلاد السيد المسيح ، أو الاحتفال بميلاد الرسول الأعظم ، أو المناسبات الوطنية، وما شاكلها. ومن أبرز الفروقات:
أولاً- التفاعل مع قضية عاشوراْ هو تفاعلٌ عام لجميع أتباع أهل البيت ويقدرون بـ (400) مليون إنسان في مختلف أنحاء العالم، بينما باقي المناسبات فهي محدودة المكان والعدد.
ثانياً- الاحتفاء بمناسبة عاشوراً ليس احتفاءً نخبوياً وإنما هو احتفاءٌ عام يُشارك فيه كل طبقات المجتمع.
ثالثاً- الاحتفاء بهذه المناسبة ليس حالة رسمية حكومية بل هو نشاط أهلي يستمر لعشرة أيام أو أكثر.
رابعاً- المضمون الذي يحتويه الاحتفاء ليس مجرد طقوس وظواهر اعتيادية وإنما هو احتفاءٌ فكري ثقافي يتمثل في المحاضرات، وفيها بعد روحي وعاطفي يتمثل في تأكيد الولاء لأهل البيت .
بعد ذلك تساء سماحة الشيخ: ما سر هذا الاحتفاء المميز؟
وقبل أن يُجيب سماحته على هذا التساؤل المهم، تعرض لما يقوله البعض من أن هذا الاحتفاء بدعة، ويُصدرون على ذلك فتاوى، وأكد سماحته أن البقاء على هذه الحالة تجعل الأمة تتأخر، وأكد أنه لكل مذهب منظومته الثقافية ومرجعيته الدينية، وليس من حق أحد أن يتهم الآخرين في دينهم، كما أكد أن الاستمرار على هذه الحالة ليس في صالح وحدة الأمة، وليس في صالح تراص الصفوف.
ثم أجاب سماحته على التساؤل المطروح، وأشار في ذلك لعدة أمور:
أولاً- اللطف الإلهي.
هناك لطفٌ إلهيٌ بقضية الإمام الحسين ، يقول تعالى: ﴿إن الله لا يُضيع أجر المحسنين.﴾
ثانياً- الجذور الدينية.
هناك جذور دينية لهذه القضية، فرسول الله قد اهتم بهذه القضية قبل حدوثها بأكثر من نصف قرن، ومصادر المسلمين تشهد بذلك، وذكر شواهد من كتاب سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني، ومن المستدرك للحاكم النيسابوري، ومن مسند أحمد بن حنبل وغيرها. حتى أنه ورد عن ابن عباس قوله: ما كنا نشك وأهل البيت متوافرون أن الحسين يُقتل بأرض الطف.
وأكد سماحته أن هذه الأحاديث ليست طبيعية، ولا تدل إلا على أهمية الحادثة، وأن لها شأناً عظيماً.
ثالثاً- فرادة الحادثة.
فرادة الحادثة في أحداثها وما تُمثلها من مواقف، بدئاً من منطلقات الثورة، وأحداثها، والشخصيات التي شاركت في هذه الحادثة.
وأكد على ضرورة دراسة حادثة كربلاء دراسة واعية.
بعد ذلك أكد سماحة الشيخ على ضرورة استلاهام الدروس من واقعة كربلاء، وأن الأمة أحوج ما تحتاج إليه في وقتها المعاصر والظروف الحساسة التي تمر بها هو استلهام الدروس من حادثة كربلاء. وقال سماحة الشيخ إن كربلاء مليئةٌ بالدروس والعبر، فهي إلى جانب كونها عَبرة، هي أيضاً عِبرة لمن وعى حقيقتها. وأبرز الدروس التي يُمكن أن يستلهما الإنسان من كربلاء:
أولاً- إدراك عمق الأزمة السياسية التي تعيشها الأمة.
وقال سماحة الشيخ إن هذه الأزمة لها جذورها وعمقها التاريخي. ويقول المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري، في كتابه (العرب والسياسة، أين الخلل؟): الأمة العربية تعاني من ضعفٍ في جانبها السياسي، إذ أن أهم أزمة تعيشها الأمة هو التأزم السياسي. وهذا ما جعل الدكتور محمد عبده أن يقول: لعن الله السياسة، وسوس، وساسة، ويسوس، وكل لفظة مشتقةٍ من هذه الكلمة.
وأشار سماحة الشيخ إلى أن الكثير من شعوب العالم في أفريقيا وأوروبا تمكنوا من حل مشاكلهم السياسية، ولكن الأمة العربية لا تزال تعيش هذا التأزم السياسي.
وقال سماحته: إن على الأمة أن تتذكر من قضية الإمام الحسين أن القضية السياسية قديمة وأن التأزم الماضي هو ما قاد الأمة للحالة التي تعيشها ألآن.
وتعرض لنموذج بارزٍ اليوم، وهو العراق. وقال: إن العراق يُعتبر أسخن منطقة في العالم، وأصبح بوابة لدخول أكبر فاجعة على الأمة. كل ذلك بسبب وجود طاغية مثل صدام يدير الأمور في العراق. وقال سماحة الشيخ: إن صدام رجلٌ دموي، يتلذذ بالحرب وبسفك الدماء، فكم عانى الشعب العراقي بمختلف طبقاته من جور وطغيان صدام. والمشكلة أن أمريكا وهي مَن أمدّته بالأسلحة ليُمارس عداءه ضد إيران والكويت، الآن تريد أن تستأصل تلك الأسلحة، ليس لحميتها على شعوب المنطقة بل لأنها تريد من ذلك مفتاحاً للسيطرة على المنطقة.
كما أكد سماحة الشيخ على أن الأمة تمر بمنعطفٍ خطير، لأن أمريكا لا تريد لهذه الأمة خيراً أبداً بل إنها تُخطط من أجل تمزيق كيان الأمة وجعله دويلات صغيرة، وتريد إعادة صياغة الخارطة السياسية للمنطقة.
وهنا أكد سماحة الشيخ على ضرورة التمسك بالوحدة، ليس كشعار يُتغنى به، وإنما عن طريق المشاركة والاندماج، وعن طريق بث حالة المساواة، وإلا لن يكون هناك أي مسمى للوحدة وبالتالي سيتمكن العدو من تحقيق مآربه.
ثانياً- الحفاظ على المصلحة العامة.
إن في قضية الإمام الحسين يتجلى جانب الحفاظ على المصلحة العامة للأمة بأجلى صوره، فالإمام لم ينطلق في ثورته من منطلق شخصي أو عائلي أو فئوي وإنما انطلق من منطلق إسلامي، وهو يؤكد على ذلك بقوله: «إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي».
والإمام ما كان يُريد أن يخوض حرباً مع معسكر يزيد واتخذ مختلف الوسائل ليتلافى الحرب، وإنما تلك الفئة أبت إلا أن يكون مصيرها جهنم وبئس المصير.
ثم استعرض سماحة الشيخ أحداث واقعة عاشوراء ومقتل الإمام الحسين وسط تفاعلٍ جماهيري عاطفي كبير.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمدٍ وآله الطاهرين.