أمن المجتمع في خطر
جاء عن الإمام جعفر بن محمد الصادق بروايته عن جده رسول الله أنه قال: «إن الله عزّ وجلّ ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له، فقيل: وما المؤمن الضعيف الذي لا دين له؟ قال : الذي لا ينهى عن المنكر»[1] .المنكر هو كل شيء ينكره الناس ويكرهونه، فكل ما يرفضه الناس الأسوياء فإنه منكر.
والمنكرات يمكن تقسيمها إلى قسمين: منكرات يرفضها كل أبناء البشر بما هم عقلاء، ومنكرات ترفضها بعض المجتمعات لمنافاتها لدينها أو تقاليدها.
فمثلاً نحن المسلمين نرفض بعض الممارسات لأنها تتنافى مع ديننا، لكن في مجتمعات أخرى لا تدين بديننا لا تعتبرها منكرات، فالأكل جهاراً في نهار شهر رمضان أمر مستنكر في مجتمع المسلمين، لكنه ليس مستنكرًا في مجتمع المسيحيين أو اليهود أو سائر المجتمعات الأخرى، وإنما نستنكره لأنه يتنافى مع تعاليم ديننا، بينما هم لا يدينون بهذا الدين.
وفي بعض الأحيان قد يكون هناك منكر لخصوصية مذهبية، ففي المجتمع الشيعي مثلاً نحترم ليالي المناسبات الدينية، الذي تصادف ذكرى استشهاد أحد الأئمة ، فلو أن إنسانًا أقام في إحدى ليالي هذه المناسبات كليلة وفاة الزهراء أو وفاة الإمام علي حفلة زواج فهذا يعتبر في مجتمعنا منكرًا، لأنه يتنافى مع شعيرة أو حالة دينية، أما في المجتمعات الأخرى ممن لا يرون مثل هذا الرأي لا يعتبر ذلك في مجتمعهم منكرًا، لذلك يوجد تفاوت في مسألة المنكرات من مجتمع لآخر بسبب الاعتبارات الدينية والتقاليد الاجتماعية.
العدوان من أبرز المنكرات:
وهناك منكرات يتفق أبناء البشر بمختلف أديانهم ومذاهبهم وأعرافهم على إنكارها ورفضها بما هم عقلاء، ومن أبرزها العدوان على الأموال والأعراض، وهذا أمر ينكره كل البشر بالإضافة إلى تحريم الأديان له، لأن ذلك أمر ترفضه الفطرة الإنسانية والعقل السليم، ويتنافى مع مصلحة أمن الناس واستقرارهم.
وفي الشريعة الإسلامية فريضتان مهمتان تحدّان من انتشار المنكرات، وعلى رأسها العدوان على الآخرين بكافّة أشكاله، هما فريضتا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد ورد عن إمامنا الباقر أنه قال: «إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء، ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتحل المكاسب، وتردّ المظالم، و تعمر الأرض، وينتصف من الأعداء، ويستقيم الأمر»[2] أي أن لهما دورًا محوريًّا، فهما فريضتان واجبتان كوجوب الصلاة والصوم والحج وسائر العبادات والفرائض، لكنهما يقومان بدور الحماية والحصانة لبقية الفرائض والواجبات.
وقد جاء في القرآن الكريم وورد في السنّة الشريفة آيات وأحاديث تشدّد على هاتين الفريضتين، وأن المجتمع المسلم ينبغي أن توجد فيه حالة عامّة لرفض المنكر وللدفع باتجاه المعروف، يقول تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾[3] . حيث توضّح هذه الآية أن مصدر الخيرية في الأمة الإسلامية هو قيامها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو مما تتميّز به عن سائر الأمم.
وفي آية أخرى يقول تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[4] .
النصوص الداعية للقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة، منها ما روي أن رجلاً جاء إلى رسول الله وهو على المنبر، فقال الرجل: «يا رسول الله مَنْ خير الناس؟» فقال : «آمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر واتقاهم لله وأرضاهم»[5] .
ومنها ما جاء عن الإمام علي بن أبي طالب أنه قال:« وما أعمال البرّ كلها والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كنفثة في بحر لجّي»[6] .
هذه النصوص وأمثالها يجب أن تكون حاضرة في ذهن كل مسلم ونصب عينيه، ويجب أن يرفض جميع أشكال المنكرات، وبشكل خاص أسوأها، وهو ما يرتبط بالعدوان على الناس، فهناك بعض المنكرات قد يكون أثرها شخصيًّا ولا يتعداه للآخرين، من قبيل أن يستمع أحدهم إلى الغناء، أو ألاّ يؤدي فريضة الصوم، فهذه المنكرات وأمثالها لا يستهين المسلم بانتشارها، لكن أثرها غالبًا ما يكون على الشخص نفسه، أما الاعتداء على أمن المجتمع وعلى أعراض الناس وأموالهم، فهذه منكرات عظيمة وكبيرة جدًّا، وهي المصداق الأبرز لعنوان الإفساد في الأرض: يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[7] .
اختلال الأمن الاجتماعي:
في السنوات الأخيرة أصبحنا نعيش ظاهرة مرعبة، هي تفشّي الاعتداء على النفوس والأموال والأعراض.
وهذا أمر طارئ على مجتمعنا، حيث كنّا نفتخر بأننا مجتمع يسوده الأمن والاستقرار، فمجتمعنا محافظ، والناس فيه ملتزمون بالأحكام والأخلاق الإسلامية، وهناك مؤسسات رسمية ترعى هذا الجانب الأمني، وعندما نسمع أخبارًا عن المجتمعات الأخرى وما يحصل فيها من حالات العدوان والسرقة والقتل والخطف نتّجه إلى الله سبحانه بالحمد والشكر لأننا نعيش في مجتمع آمن ولا تتفشّى فيه مثل تلك الظواهر المرعبة.
ولكن يبدو أننا بدأنا نفقد هذه الميزة أخيرًا، فقد أصبحتْ بعض مناطقنا وشوارعنا وأسواقنا التجارية وحتّى أحياؤنا السكنية عرضة لحالات الاعتداء السافر والواضح على الأموال والأعراض. ومن المؤلم أن يكون مصدر هذه الحالة هم بعض العناصر من أبنائنا وشبابنا، حيث تكونت مجاميع وعصابات يسرقون وينهبون ويعتدون على الأعراض في واضحة النهار، وفي شكل سافر. فيعتدون على أصحاب المحلاّت التجارية في بعض الأحيان، ويشهرون عليهم السلاح وينهبون ما تمتدّ إليه أيديهم، خصوصًا عندما يكون العامل في المحل أجنبيًّا.
والصحف تطالعنا بين فترة وأخرى بأخبار بعض الجرائم من هذا النوع، ومن الطبيعي أن الصحف لا تنشر كل ما يجري، بل ما يقع تحت يديها من معلومات.
إن حالات الاعتداء واستخدام العنف كانت نادرة في مجتمعنا، ولكنها أصبحت اليوم منتشرة وكثيرة.
فقد حدثني أحد العاملين في المحكمة الشرعية الكبرى بالقطيف أنه في السابق كان يمرّ العام ولا تحصل في محافظة القطيف إلا حادثة أو حادثتين من حوادث القتل أو العنف، بينما في السنة الماضية وحدها وصلت المحكمة أكثر من 26 حالة قتل وعنف، ولأسباب تافهة.
وربما قرأتم ما حصل عصر يوم الأربعاء الماضي (29 صفر 1427هـ) في مدينة سيهات حيث أقدم رجل في الثلاثينيات من عمره على اطلاق النار من مسدسه باتجاه رأس مطلقته لنزاع بينهما على حضانة طفلتهما الرضيعة، ذات السبعة أشهر، حيث انتزعها ولاذ بالفرار تاركاً أمها تسبح في بركة من دمائها.
كيف وصلنا إلى هذا الحدّ وهذا المستوى؟!
لقد أصبح كثير من العمّال الأجانب يخافون أن يسيروا في الليل وحدهم، وقد رأيت بنفسي كيف أن أحد العاملين جاءني والدم ينزف من أنحاء متفرّقة من جسمه لأن بعض الأولاد رموه بالحجارة، لأجل التسلية والضحك ولمجرّد العبث!!
الاعتداء على الأعراض:
كنّا في الماضي نعيش حالة من الغيرة الاجتماعية بحيث أن كل شاب ورجل في البلد يشعر بالغيرة على كل نساء وبنات المجتمع، ومستعدّ لأن يذود عن شرف مجتمعه، فيرى كل بنت تمشي في الطريق أخته أو أمه أو ابنته، فيدافع عنها ويحميها ويحترمها.
نعم، كانت هناك بعض الحالات الشاذّة، فنحن لسنا مجتمعًا ملائكيًّا، ولكنها كانت قليلة، وفي حدود ضيقة.
بينما الآن يمرّ بعض شبابنا على الفتاة فيرونها تتأبّط حقيبة، فيعتدون عليها ويغصبونها حقيبتها، وقد تتعرّض للاعتداء أو تسقط جرّاء سحب الحقيبة، ويفرّ هؤلاء وكأنهم لم يفعلوا شيئًا!!
فقبل أيام ـ فقط ـ نشرت الصحف أن باصًا يُقلّ مجموعة من طالبات الثانوية إلى منازلهنّ اعترضه أربعة من الشباب بسياراتهم وحاصروه، إلى أن اضطر السائق إلى التوقّف، وأرادوا الهجوم والدخول على البنات في داخل الباص، فأغلقه السائق، فقاموا بكسر نوافذه لاقتحامه.
إلى أي حالة وصل الأمر بمجتمعنا؟!!
إنني هنا لا أريد أن أرسم صورة سوداء قاتمة، ولا أريد أن أدعي بأن هذا يحصل في كل شارع وفي كل حي ومن قبل كل شاب وعلى كل فتاة، ولكن هذه الظاهرة أصبحت موجودة وبين ظهرانينا، وإن لم تكن هناك وقفة صارمة تجاهها فهي ستزداد بدليل أن هذه الحالة قبل سنة أو سنتين لم تكن بهذا الحجم والانتشار، ولكنها الآن أصبحت هكذا، وإذا لم يكن هناك معالجة سيكون الوضع أسوأ وأخطر، لذلك يجب أن ندقّ جرس الإنذار، ونعلن حالة الطوارئ الاجتماعية والأخلاقية في مجتمعنا.
إننا لكي نواجه هذه الظاهرة لا يمكننا أن نكتفي بالجلوس في المجالس ونُظهر تألمنا وحسرتنا، فهذا لا يجدي ولا يحل المشكلة، بل بالعكس، فإن ذلك ينشر الرعب أكثر في النفوس، وهذا الرعب هو الذي يمكّن هؤلاء أكثر ويوسع هذه الظاهرة، إن علينا أن نفكّر ونتعاون ونجتهد في استيعاب هذه الظاهرة الخطيرة.
دور الأجهزة الأمنية:
تتحمل الأجهزة الأمنية المسؤولية الأكبر في معالجة هذه الظواهر، حيث ينبغي أن تضاعف جهدها ودورها، ففي الماضي كان دور الأجهزة الأمنية واضحًا ومشهودًا، كانت هناك حالة من الردع والرقابة، التصرّف الفوري تجاه أي اعتداء.
ولكننا في الآونة الأخيرة افتقدنا ذلك المستوى الذي تعوّدنا عليه من الاهتمام من قبل بعض الأجهزة الرسمية، لماذا؟ هل لأن قدرات وإمكانيات هذه الأجهزة ما عادت قادرة على مواكبة توسّع هذه المشاكل والقضايا؟
لاشكّ أن كل جهاز يحتاج إلى رفد بالإمكانيات كلما دعت الحاجة، هل هناك نقص في القدرات والإمكانيات عند الأجهزة الأمنية؟!
إن ما نعلمه أن حكومتنا تجعل الأمن في رأس الأولويات، فإذا كان هناك نقص فلا أعتقد أن الحكومة ستبخل على هذه الأجهزة في تقديم ما تحتاجه من الدعم والإمكانيات.
أم أن اشتغال أجهزة الدولة بمواجهة الإرهاب شغلها عن حفظ أمن المجتمع؟ وعن مواجهة الجرائم؟
لاشكّ أن الإرهاب خطر كبير على البلد، ولاشكّ أن مواجهته تستلزم جهودًا كبيرة، وأجهزة البلد الأمنية بحمد الله تقوم بدور فعّال على هذا الصعيد، وقد رأينا كيف أحبطت هذه الأجهزة ما كان الإرهابيون ينوون فعله تجاه المنشآت النفطية في بقيق، وهو أمر يثلج قلب كل مواطن، لأن هذه ثروة البلد وإمكاناته وأمنه.
وسمعنا أيضًا كيف أن الأجهزة الأمنية ألقت القبض على مجموعة من المطلوبين ومن المرتبطين بالجهات الإرهابية قبل أيام في مناطق مختلفة من البلاد.
إن مواجهة الإرهاب تستنزف جهودًا كبيرة من الأجهزة الأمنية، ولكننا نتساءل: هل سبب ما نشهده من التراخي تجاه هذه الجرائم في المجتمع هو انشغال هذه الأجهزة الأمنية بمواجهة الإرهاب؟
إنه من المهم مواجهة الإرهاب، فهو أمر مطلوب، ولكنّ أمن المجتمع الداخلي هو الآخر لا يمكن التساهل تجاهه، ولا التفريط فيه.
ونتمنى أن تكون أجهزتنا الأمنية قادرة على القيام بالدورين معًا، وبتعاون المواطنين معها.
ونتساءل ثالثًا: هل هذا التساهل الذي نجده بسبب تراخٍ عند بعض الموظفين؟ إذا كان كذلك فإنه لا يصحّ السكوت أمام هذا التساهل، وعلينا جميعًا أن نتوجه إلى أجهزة الدولة، فهي المعنية بحفظ أمن المجتمع، فلا يصحّ لنا أن نسكت، لأن المستويات العليا من المسؤولين قد لا يعرفون بكل هذه التفاصيل، وقد لا يكون هناك وضوح بمستوى تفشي هذه الظاهرة، ولذلك على المواطنين أن يتواصلوا مع المسؤولين ويوصلوا إليهم ما يجري، وأن يكون هناك تعاون بين المواطنين ومختلف أجهزة الدولة لمواجهة هذه الظاهرة.
فنحن لا نشكك في دور الأجهزة الأمنية ولا نقلّل من تأثيرها وفاعليتها، ولا نشكّ في اهتمام المسؤولين في أمن البلد والمجتمع، لكننا نقول: إن المواطن يجب أن يتحمّل المسؤولية في إيصال الأمر إلى المسؤولين والحديث معهم على مختلف المستويات، لكي تأخذ هذه الظاهرة حقها من المعالجة والاهتمام.
دور الأسرة:
من يرتكب هذه الجرائم ومن يقف وراءها هم من أبنائنا وشبابنا، فأين هو دورنا؟ فالدولة ـ مهما أوتيت من قوّة ـ لن تستطيع أن تضع حارسًا لكل بيت ومحلّ وفتاة لحمايتهم من أي اعتداء، ولا أن تجعل على رأس كل شاب شرطياً يمنعه من أي انحراف، فالأسرة يجب أن تتحمّل مسؤوليتها، فهؤلاء الذين يمتطون الدراجات النارية ويرتكبون كثيرًا من الاعتداءات على المحلاّت والفتيات والأجانب، مَنْ الذي أعطاهم ثمن هذه الدراجات النارية؟ أليس آباؤهم ومن يعولهم؟!
هل يعرف آباؤهم عنهم شيئًا؟ هل يتفقدونهم؟ هل يسعون لضبطهم؟
في بعض الحالات يفقد الأب السيطرة على أبنائه، ولكن الوقاية مطلوبة، والاهتمام والمحاسبة، وللأسف إن ما يحصل هو العكس، فحينما يضبط أحد الأبناء يأتي أبوه لطلب الوساطة للإفراج عن ابنه، مدعيًّا أنه اتّهم باطلاً ولم يفعل شيئًا.
إننا في هذا الوقت نحتاج إلى الحزم في مثل هذه الأمور وأن لا نخضع للعاطفة، فعندما نرى تفشيًّا لظاهرة القتل يجب أن نحزم في عدم العفو ليرتدع المجرمون، فالقرآن الكريم يقول: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[8] .
إن العفو مطلوب والشفاعة من أجل الخير مطلوبة، ولكن ليس في كل الأحيان، ففي أحيان أخرى نأخذ بقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾[9] .
فنحن نحتاج إلى الردع، أما إذا وجد الشباب الطائشون والمجرمون بأن القضية ليست سوى أيام قلائل ويخرجون من السجن، فهذا يشجّع على الاعتداء والاستمرار في العدوان، فالأسرة مسؤولة عن أبنائها، بحيث تهتم بهم أكثر، وكذلك بناتها، فالخروج من غير داعٍ والتمشي في الأسواق واصطحاب الحقيبة دائمًا بشكل ظاهر مع معرفة ما يجري الآن في المجتمع قد يشكّل خطرًا على الفتاة، وقد تنزلق بسببها في مهاوٍ خطرة.
دور المجتمع:
المجتمع بكل فئاته: العلماء والخطباء والوجهاء والأثرياء، ومن لهم حضورهم بين شريحة الشباب أمثال المعلمين مطالبون بلعب دور بارز للحفاظ على مجتمعنا من هذه الظواهر السلبية، على هذه الجهات أن تتوجه لمحاربة هذه الظواهر السلبية، ينبغي ألا ينحصر دورهم في خطاب وعظي مستهلك، بل عليهم أن يؤسسوا لجاناً لتطويق هذه الظواهر، نحن بحاجة إلى لجان تنشأ في المجتمع لحماية الأخلاق، تنسّق مع أجهزة الدولة، فلماذا نسكت على تسلل وانتشار المخدرات بين شبابنا وأبنائنا؟!
في تاريخ (20 محرم 1427هـ الموافق 19 فبراير 2006م) نشرت جريدة الوطن مقابلة مع مدير مستشفى الأمل بالدمام ذكر فيها أنه يراجع المستشفى يوميًّا 160 مدمناً على المخدرات، وهنا لنا الحق أن نتساءل: هؤلاء أبناء مَنْ؟ وينتمون لأي مجتمع؟ أليس هؤلاء أبناؤنا؟
ينبغي أن تكون عندنا لجان لمكافحة المخدرات، لنرصد هذه الظاهرة ونتحدّث مع المتورطين فيها والمبتلين بها، لنوعي ونثقف ونحاول السيطرة على هذه الظاهرة.
وكذلك لجان لتطويق ظاهرة التفحيط، ألا نعرف من يمارسها؟ ألا نعرف عوائلهم؟ لماذا نسكت إذًا؟
من المفترض أن تتكون لجان لهذه المشاكل الاجتماعية، وعلينا في هذه النقطة أن نبذل ما نستطيع.
فالمجتمع مطلوب منه أن يؤدي دوره في حل هذه القضايا والمشاكل، وأتوجه إلى المعلمين ـ وبالخصوص من هم في المرحلتين المتوسطة والثانوية ـ وأطالبهم بالقيام بدورهم في التربية والتوجيه والإرشاد، فعلى المعلم أن يخلص في أداء دوره وعمله كما على العالم الديني أن يؤدي دوره، ويشاركهم في ذلك الوجهاء والأثرياء، وجميع الجهات المؤثرة في المجتمع.
دعم مشاريع التوعية:
في ليلة ذكرى وفاة الرسول (28 صفر 1427هـ) أقامت لجنة الإمام الحسن بالقطيف برنامجًا لإحياء المناسبة، ومن فقرات البرنامج عرض فيلم من إنتاج شباب المنطقة حول كربلاء، بعنوان (حلم الرمال) لمدة 90 دقيقة، وكان هناك توجّه كبير لمشاهدة الفيلم، بحيث طُلِب عرضه أكثر من مرّة وفي أكثر من مكان، هذه البرامج والأنشطة التوعوية التي يتجمّع فيها شبابنا يجب أن تدعم، هذه المجاميع من الشباب الذين يتوقون للعمل الاجتماعي والثقافي المثمر كثيراً ما لا يجدون من يدعمهم.
إن المجتمع مطالب بأن يدعم هذه الأنشطة الإيجابية، لأنه إذا لم يقم بذلك فإن المجال سيكون مفتوحًا أمام تلك الأنشطة المنحرفة والمشبوهة، يقول تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾[10] .
يجب علينا أن نعلن حالة طوارئ أخلاقية واجتماعية، وأن تتسع القوانين لاستيعاب هذه الأنشطة للقضاء على الظواهر السلبية في المجتمع، فمن الأنظمة القائمة والتي نفّذت في بعض المناطق «مراكز الأحياء»، حيث يؤسس في كل حي مركز بالتنسيق مع الأجهزة الرسمية، يتعاون فيه الأهالي مع أجهزة الدولة لمكافحة المخدرات ـ مثلاً ـ أو السرقات، وذلك للقيام بواجبنا جميعًا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فنحن نعيش الآن خطرًا حقيقيًا على أمننا وأخلاقنا وأعراضنا، ولا يصحّ أن نتساهل.
اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين، وأيّد حماة الدين، واجعلنا في بلادنا آمنين.
والحمد لله رب العالمين.