حضور المسجد والمشاركة الاجتماعية للمرأة
قضية حقوق المرأة وتكافؤ الفرص بينها وبين الرجل، والاعتراف بدورها في الحياة الاجتماعية العامة، أصبحت من التحديات الرئيسة التي تواجه المجتمعات الإسلامية، فالمرأة في معظم هذه المجتمعات لا تتاح لها فرص الحركة والمشاركة في الشأن السياسي والاجتماعي العام، ولا تحظى بكثير من الامتيازات والأدوار التي ينالها الرجل، وتعاني في الغالب من الحيف وهضم الحقوق، ويُتهم الإسلام بأنه وراء التمييز ضد المرأة وتهميش دورها في الحياة، لتنحصر في الوظائف المنزلية والخدمة العائلية. في الوقت الذي تفتح المجتمعات الأخرى مجال المشاركة أمام المرأة في مختلف المواقع والمسئوليات، وقد تمكنت المرأة بالفعل من الوصول إلى رئاسة الدولة في أكثر من بلد، فضلاً عن مواقع الوزارة والسفارة والإدارة، واقتحمت ميادين العلم والعمل، وأثبتت جدارتها وكفاءتها في التصدي لمختلف الوظائف والمهام.ونتيجة لهذا الواقع تستعر الحرب الثقافية الإعلامية ضد الإسلام، وضد تقاليد المجتمعات الإسلامية، كما تشتد الضغوط الدولية وخاصة من المؤسسات الحقوقية العالمية على البلدان الإسلامية، لتحسين واقع المرأة وتعزيز فرص مشاركتها الاجتماعية.
ومن الطبيعي أن تجد هذه المواقف والضغوط صدى في أوساط المرأة في المجتمعات الإسلامية، فتندفع للتجاوب مع هذه الدعوات، وللمطالبة بحقوقها ومعالجة أوضاعها، مما يجعلها عرضة للتأثر بألوان الثقافات وأنماط السلوك الوافدة من المجتمعات الأخرى، على حساب القيم والتعاليم الإسلامية.
من هنا ينبغي النظر إلى المسائل المرتبطة بقضايا المرأة بأفق أوسع، يأخذ بعين الاعتبار مختلف الزوايا لشخصيتها الإنسانية، وللظروف الاجتماعية المحيطة.
ومشاركة المرأة في صلاة الجماعة واحدة من هذه المسائل، التي تحتاج إلى إعادة نظر، فرعاية الستر أمر مطلوب، لكنه لا يستلزم حرمانها من فرص كسب الثواب، والفوائد المختلفة التي يمكن تحصيلها من المشاركة في الحضور للمسجد وصلاة الجماعة.
إن مشاركة المرأة في صلاة الجماعة مظهر من مظاهر الاعتراف بحضورها الديني والاجتماعي، كما تعني تكافؤ الفرصة بينها وبين الرجل على هذا الصعيد، وعكس ذلك يعني حالة من التمييز.
وبالنظر إلى طوفان الإغراءات المادية الجارفة التي تريد تمييع الأخلاق والقيم في مجتمعاتنا، وتستهدف الوسط النسائي بشكل أساس، فإن مشاركة المرأة في البرامج الدينية كحضور المسجد وصلاة الجماعة، يعزز ارتباطها بالحالة الدينية، ويتيح لها فرصة كسب المعارف الإسلامية، والاستفادة من المواعظ والتوجيه الأخلاقي والديني.
مناقشة التحفِّظات:
حينما ندرس الرأي الفقهي الذي يرى أفضلية صلاة المرأة في بيتها على صلاتها في المسجد، فإننا سنجده معتمداً على الأدلة التالية:
1.وجود روايات تدل على ذلك.
2.أهمية رعاية الستر.
3.الإجماع ورأي الأصحاب.
أما الروايات الواردة فقد ذكرها في (وسائل الشيعة) وهي خمس روايات برقم 6431 إلى رقم 6435 وهذا نصها:
1.محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في الدار».
2.قال: وقال الصادق : «خير مساجد نسائكم البيوت».
3.قال: وروي أن« خير مساجد النساء البيوت».
4.محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن يعقوب بن يزيد، عن زياد بن مروان، عن يونس بن ظبيان قال: قال أبو عبد الله : «خير مساجد نسائكم البيوت».
5.في مكارم الأخلاق قال: قال النبي : «صلاة المرأة وحدها في بيتها كفضل صلاتها في الجمع خمساً وعشرين درجة».
وواضح أن ثلاث روايات هي (2-3-5) مرسلة.
والرواية الأولى حول تفاضل أجزاء البيت وليس فيها ذكر لتفضيله على المسجد. أما الرواية الرابعة فهي تدل على أن البيت بالنسبة للمرأة خير من المسجد دون ربط ذلك بالصلاة فهو من قبيل قولهم: الكتاب محراب العالم، فيكون ذلك تحريضاً لها في ملازمة البيت، كما احتمل السيد الشيرازي.
وحول رعاية الستر وهو المستند الثاني لهذا الرأي كما أشار إليه الشهيد الأول في (ذكرى الشيعة) بقوله: الأقرب شرعية إتيان المساجد للنساء، وقد رووه في صحاحهم. نعم الأقرب أن البيت أفضل لهن، لما فيه من الاستتار وعدم التعرض للفتنة[1] .
فإن الدقة والموضوعية تقتضي التقييد بالظرف الخارجي، فإذا توفرت رعاية الستر، ولم تكن هناك عرضة للفتنة، فإن إطلاق أدلة فضل الصلاة في المسجد، وفضل صلاة الجماعة يشمل الرجل والمرأة.
وهذا ما لاحظه السيد السيستاني في تعليقته على ما ذكره السيد اليزدي في العروة الوثقى، من أن الأفضل للنساء الصلاة في بيوتهن. فعلق السيد السيستاني بقوله: بل الأفضل لهن اختيار المكان الأستر ويختلف حسب اختلاف الموارد.
أما الاستدلال بالإجماع كما أشار السيد السبزواري في (مهذب الأحكام) فغير متحقق، وقد نقلنا ما ذكره السيد الطباطبائي في رياض المسائل من قوله: ولم أقف على مفت بها من الأصحاب عدا قليل.
كما أشار صاحب الجواهر إلى أن بعض الأصحاب أطلق، أي لم يخصص أفضلية الصلاة في المسجد بالرجال، وقال إنه هو مقتضى أصالة الاشتراك في الأحكام.
آراء لفقهاء معاصرين:
يرى السيد السيستاني أنه (إذا كان سترها في المسجد كسترها في البيت فالمسجد أفضل، وكذلك الأماكن المقدسة وأجرها كأجر الرجل)[2] .
وفي جواب له على سؤال: ما الأفضل للمرأة في الصلاة في المسجد، أم في بيتها؟
أجاب سماحة السيد السيستاني: يستحب اشتراك المرأة في جماعة المسلمين في المسجد، وقد جرت على ذلك سيرة المسلمات في عصر النبي الأعظم ، ففي المروي في الصحيح عن أمير المؤمنين قال: (كنّ النساء يصلين مع النبي ، وكنّ يؤمرن أن لا يرفعنّ رؤسهنّ قبل الرجال لضيق الأزر).
نعم ورد في بعض النصوص المعتبرة أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، والذي استظهرناه بملاحظة مجموعة تلك النصوص هوان الأفضل للمرأة أن تختار للصلاة المكان الذي تكون فيه أبعد عن مرئى ومنظر الرجال الأجانب فإن تهيأ لها مثل هذا المكان في المسجد فلا تفضّل الصلاة في البيت عن الصلاة في المسجد حينئذ[3] .
وسئل السيد الخامنئي: هل صلاة النساء في المساجد أفضل أم في البيوت؟ فأجاب سماحته: (فضيلة الصلاة في المسجد ليست مختصة بالرجال)[4] .
وقال الشيخ المنتظري: (الأفضل للمرأة أن تؤدي صلاتها في بيتها، بل في الغرفة التي في مؤخرة بيتها. ولكن إذا استطاعت أن تحفظ نفسها من غير المحارم بشكل كامل فالأفضل لها أن تصلي في المسجد)[5] .
ورداً على سؤال: هل ثمة كراهة في مشاركة النساء في صلوات الجماعة اليومية وصلاة الجمعة؟ أجاب الشيخ ناصر مكارم الشيرازي بما يلي: (إن مشاركتهن في الظروف الحالية أفضل وأحياناً تكون واجبة)[6] .
رأي السيد الشيرازي:
وقد ناقش السيد الشيرازي المسألة في موسوعته (الفقه) مؤكداً أفضلية وأهمية صلاة المرأة في المسجد، مفنداً أدلة الرأي الآخر، وفيما يلي مقتطفات من كلامه:
((والأفضل للنساء الصلاة في بيوتهن، وأفضل البيوت بيت المخدع، أي بيت الخزانة في البيت، هذا ما ذكره جمع من العلماء، بل بعضهم ادعى الشهرة عليه، بل عن العلامة في التذكرة ادعاء كراهة إتيانهن المساجد، لكن عن الدروس والذكرى: أنه يستحب للنساء الاختلاف إلى المساجد كالرجال، وإن كان البيت أفضل خلافاً لإطلاق الغالب من الفقهاء حيث لم يخصص فضيلة المسجد بالرجال، كما لم يخصصوا فضيلة الجماعة وزيارة المشاهد والحج والعمرة بهم. بل هذا هو الذي يقتضيه إطلاق دليل الاشتراك. ولقد اغرب في الجواهر حيث قال: لا نعرف خلافاً بينهم بل ظاهرهم الاتفاق عليه في فضيلة صلاتها في المنزل من صلاتها في المساجد الخ، بعد أن ذكر هو أن بعض الأصحاب أطلق وأنه هو مقتضى أصالة الاشتراك في الأحكام فتأمل.
وكيف كان فقد استدل للإطلاق باطلاقات الأدلة، وبأنه كان المتبع من زمان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، حيث أنهن كن يحضرن المساجد والمشاهد في الصلوات والزيارات، من غير إنكار من الرسول أو من الأئمة عليهم السلام، بل تقرير منهم لهن، بل هو سيرة المتدينات والمتدينين الذين يأذنون لهن إلى هذا اليوم، ولذا ترى المشاهد والمساجد يعج بالنساء كما يعج بالرجال، واستدل لما ذكره المصنف تبعاً للجواهر وغيره بأن المطلقات مقيدات، بجملة من الروايات...
هذا ولكن شيئاً من هذه الروايات لا تصلح مقيدة للمطلقات البالغة أكبر قدر من التواتر، هذا مع إن غالب هذه الروايات مراسيل فلا تقاوم المسانيد القطعية المطلقة، ولو قيل بالتسامح فمع المطلقات لا مع هذه الروايات، بالإضافة إلى معارضتها بما رواه العوالي، عن رسول الله صلى الله علية وآله وسلم، قال: إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها.
وإلى معارضتها بتقرير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي عليه السلام، حيث كن النساء يحضرن المسجد للجماعة في طول الأيام، ولم يصدر من الرسول والإمام منع أو تنبيه على المنع، والسيرة القطعية مؤيدة لذلك، ثم هل يقال مثل الكلام في المساجد بالنسبة إلى المشاهد المشرفة والحج والعمرة، إذ القول بذلك في المسجد يستلزم القول به في المشهد للتلازم العرفي بين الأمرين؟ والمسألة حسب ما وجدت من ما تعرض لها قلة من الفقهاء المتأخرين كالعلامة والشهيد ومن تبعهما، كما أني لم أجد عبارة ( مسجد المرأة بيتها) في الروايات ولعله من عبارة الشهيد كما تنسب إليه، فالقول بمساواتهن للرجال في فضيلة المساجد والمشاهد أقرب)[7] .
رأي السيد فضل الله:
وفي ذات الاتجاه كان رأي السيد محمد حسين فضل الله حيث قال في (فقه الشريعة) ما نصه:
(لا فرق في استحباب الصلاة في المسجد بين الرجال والنساء، وأما ما ورد من استحباب صلاة المرأة في بيتها، فالظاهر أن الملحوظ فيه جانب الستر، فقد جاء في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في الدار)
وأما كون الصلاة في البيت أفضل من الصلاة في المسجد فلم أجده إلا بسند ضعيف، وقد يستفاد من بعض الأحاديث الضعيفة، مثل الوارد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (صلاة المرأة وحدها في بيتها كفضل صلاتها في الجمع خمساً وعشرين درجة)، قد يستفاد منه أن الله تعالى يعطيها ثواب ذلك رعاية لها وملاحظة للخصوصيات الناتجة عن ارتباطها الغالب بأمور البيت وشؤونه. ولو فرض ثبوت هذا الحديث وصحته، فإن الذي نستقر به بضميمة أمور أخرى، أن فضل الصلاة في البيت ليس مطلقاً، وذلك بملاحظة أن صلاة المرأة في المسجد جماعة، أو للحصول على الحالة الروحية في مجالس الدعاء، أو للاستماع لأحاديث الوعظ والإرشاد، أو نحو ذلك مما لا يتسنى لها في بيتها تجعل صلاتها وحضورها في المسجد أفضل من الصلاة في البيت، لا سيما مع مراعاة الستر، بل قد يكون واجباً متعيناً عليها قي بعض الحالات، إذ لا تخفى حاجة المرأة إلى هذه الأمور كحاجة الرجل إليها، كما أن كتب السيرة قد تحدثت عن صلاة النساء جماعة مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد)[8] .
رأي علماء السنة:
مع أن كتب الحديث والسيرة النبوية عند أهل السنة، قد إحتوت على عدد كبير من الأحاديث والنصوص، أكثر من المصادر الشيعية، حول مشاركة المرأة في الحضور إلى المساجد، وإقامة صلاة الجماعة، وبأحاديث في صحاحهم تنهى عن منع النساء من الحضور إلى المساجد، إلا أن المبالغة في الحرص على الستر والعفاف واجتناب الفتنة، دفع أكثر فقهائهم كما هو الحال عند الشيعة، للقول بكراهة خروج المرأة إلى المسجد، وأفضلية صلاتها في المنزل، استناداً إلى أحاديث وروايات واردة.
جاء في الموسوعة الفقهية:
(ذهب الفقهاء إلى أنه يستحب للنساء أن تكون صلاتهن في بيوتهن، فذلك لهن أفضل من صلاتهن في المسجد، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن)، فإن أرادت المرأة حضور المسجد مع الرجال: فإن كانت شابة أو كبيرةُ يشتهى مثلها كره لها الحضور، وإن كانت عجوزاً لا تُشتهى لم يكره لها، لما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (والذي لا إله غيره ما صلّت امرأة صلاة قط خير لها من صلاتها في بيتها، إلا أن يكون المسجد الحرام أو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عجوزاً في منقلها)، وذلك حيث تقل الرغبة فيها، ولذا يجوز لها حضور المساجد كما في العيد.
وإن كانت شابة غير فارهة في الجمال والشباب جاز لها الخروج لتصلي في المسجد، بشرط عدم الطيب، وأن لا يخشى منها الفتنة، وأن تخرج في رديء ثيابها، وأن لا تزاحم الرجال، وأن تكون الطريق مأمونة من توقع المفسدة، فإن لم تتحقق فيها تلك الشروط كره لها الصلاة فيه، فقد كانت النساء يباح لهن الخروج إلى الصلوات، ثم لما صار سبباً للوقوع في الفتنة منعن عن ذلك)[9] .
ونقل الدكتور وهبة الزحيلي عن فقهاء المالكية تقسيماً للنساء في حكم الخروج إلى المسجد، إلى أربعة أقسام:
عجوز انقطعت حاجة الرجال منها، ومتجالة لم تنقطع حاجة الرجال منها بالجملة، وشابة غير فارهة في الشباب والنجابة، وشابة فارهة في الشباب والنجابة...
كما نقل عن فقهاء الشافعية والحنابلة التفريق بين حكم المرأة الحسناء وغير الحسناء في الخروج إلى المسجد[10] .
إن مثل هذه العبارات المستخدمة من قبل هؤلاء الفقهاء، تعطي انطباعاً سيئاً عن نظرة فقهاء الإسلام للمرأة، من حيث التركيز على البعد الجنسي وجانب الشهوة الغريزية.
لكن علماء آخرين من أهل السنة عارضوا هذا التحفّظ ورأوا فيه تشدداً غير مبرر.
قال الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي:
حتى المساجد منعوها من الذهاب إليها لحضور صلاة أو موعظة، مع علمهم بأن النساء في العصر النبوي كن يشهدن الجماعة، حتى في العشاء والفجر، وأن النبي صلى الله وسلم قال بصريح العبارة: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) رواه مسلم.
والعجيب أن بعض النساء إلى اليوم محرومات من هذا الحق الذي تمارسه كل من تنتسب إلى دين آخر غير الإسلام، فاليهودية تذهب إلى البيعة، والنصرانية تذهب إلى الكنيسة، والبوذية أو الهندوسية تذهب إلى المعبد، والمسلمة وحدها هي المحرومة من الذهاب إلى المسجد[11] .
وقال الشيخ ابن دقيق العيد في شرحه لحديث (صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً...) قال: أما وصف الرجولية فحيث يندب للمرأة الخروج إلى المسجد ينبغي أن تتساوى مع الرجل لأن وصف الرجولية بالنسبة إلى ثواب الأعمال غير معتبر شرعاً[12] .
وجاء في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن)[13] .
وفي صحيح مسلم أن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنّكم إليها). قال فقال بلال بن عبد الله بن عمر: والله لنمنعهن، قال فأقبل عليه عبد الله فسبّه سباًّ سيئاً ما سمعته سبّه مثله قط وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: والله لنمنعهن[14] .
كسب للحالة الدينية:
في الوقت الذي تسعى فيه مختلف الاتجاهات المادية، والتيارات الثقافية، للتأثير على أوساط مجتمعاتنا، وتبذل جهوداً خارقة للتبشير بأنماط السلوك وألوان الثقافات الوافدة، مستهدفة الوسط النسائي بشكل مركّز، لسعة رقعة هذا الوسط وعظيم تأثيره، عبر مختلف البرامج الإعلامية والثقافية والاجتماعية.
وفي الوقت الذي نلحظ فيه مدى التأثير والتغيير الذي تركته هذه الاتجاهات والتيارات على واقع مجتمعاتنا، فإن ذلك يجب أن يدفعنا لتحصين ساحة مجتمعاتنا، وتعزيز الانتماء الديني في صفوفها، واستقطاب مختلف شرائح المجتمع نحو الالتزام بالمبادئ والقيم الأخلاقية والتعاليم الإسلامية، وخاصة شريحة النساء المستهدفة من قبل الاتجاهات الأخرى.
وحضور المرأة إلى المسجد هو كسب كبير للحالة الدينية، بما يعنيه هذا الحضور من تأييد والتفاف حول الاتجاه الديني، واستعداد للتفاعل مع أطروحاته وبرامجه، ويجب أن يأخذ المسجد دوره في الوسط النسائي، كمدرسة تربوية لتنمية الأخلاق والقيم، وكمنبر إعلامي للدعوة إلى الفضيلة والعفاف، وكساحة لقاء وتواصل بين المؤمنات للتعاون على البر والتقوى.
من هنا يجب أن تحتضن المساجد نساءنا وبناتنا، وأن يكون لهن في كل مسجد جانب خاص لحضورهن واجتماعهن، وأن تتاح لهن الفرصة للمشاركة في مختلف البرامج الدينية والاجتماعية، مع مراعاة كل ضوابط الستر والعفاف.
لا مبرر للتشدد:
وإذا كان البحث في الأدلة الشرعية والنظر في أقوال الفقهاء، والقراءة للظروف الخارجية الاجتماعية، يقودنا إلى ترجيح الرأي القائل بأفضلية صلاة المرأة في المسجد، ويدفعنا إلى التشجيع على حضورها ومشاركتها في صلاة الجماعة، مع الالتزام برعاية الستر والعفاف. فإننا يجب أن نحترم الرأي الآخر باعتباره اجتهاداً له أدلته وقناعاته.
لكننا لا نجد مبرراً لمواقف التشدد التي يمارسها بعض أتباع أهل هذا الرأي، حيث يبالغون في الإنكار على حضور المرأة للمسجد، ومشاركتها في صلاة الجماعة، وكأنه خطر عظيم، ومعصيته كبيرة، ويسعون لمنع ذلك بمختلف ألوان الضغوط، مع أن أحداً من الفقهاء لم يقل بحرمته، وغاية ما يقال فيه أنه مفضول، وأن صلاة المرأة في المنزل أفضل من صلاتها في المسجد، وأنه يكره لها ذلك بمعنى أن ثواب صلاتها في المسجد أقل من ثواب صلاتها في البيت.
وما دام ليس حراماً، بل إن فيه فضلاً وثواباً، وإن كان هناك ما هو أفضل وأثوب –على رأيهم-، فما الذي يبرر الإنكار والمواجهة.
ثم إن من يعمل وفق الرأي الآخر القائل بأفضلية صلاة المرأة في المسجد، باجتهاد أو تقليد لمن يراه، فإنه ليس في موقع المؤاخذة ولا يصح الإنكار عليه.
وإذا كان تشدد هؤلاء انطلاقاً من حرصهم على ستر المرأة وتجنيبها موارد الفتنة، فإن الطريق الأفضل لخدمة هذا الهدف النبيل، هو المساعدة على توفير الأجواء الصالحة ومعالجة الثغرات، ليكون حضور المرأة إلى المسجد وفق الضوابط الشرعية والأخلاقية المطلوبة.
وما يجب الالتفات إليه: أن حضور المرأة إلى المسجد في هذا الزمان ليس على حساب بقائها في منزلها، فهي حسب العرف والعادة تخرج إلى مختلف الأماكن، من المدرسة ومكان العمل والأسواق والزيارات والمناسبات الاجتماعية والأسفار الترويحية، فلماذا تتجه معارضة هؤلاء لخروجها إلى المسجد؟
إن ذلك يكشف عن ضيق أفق، وعن تشدد وتزّمت يضر بالحالة الدينية، ويشغل الساحة بصراعات مفتعلة لا مبرر لها.
والحمد لله رب العالمين