ثقافة المسؤولية
بسم الله الرحمن الرحيم، ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (الحجر، 92 – 93).
حديثنا بعون الله تحت عنوان: ثقافة المسؤولية، وفيه بحثان:
البحث الأول: الواقع المعاش ومسؤولية الثقافة.
البحث الثاني: ثقافة التبرير وثقافة المسؤولية .
البحث الأول: الواقع المعاش ومسؤولية الثقافة.
لا تكاد تجد أحداً من أبناء مجتمعاتنا العربية والإسلامية في مختلف البلدان والبقاع ومختلف الشرائع والتوجهات، لا تكاد تجد أحدا منهم راضٍ عن الواقع الذي يعيشه وتعيشه الأمة، فمن خلال الإعلام وعبر التقارير الرسمية، وفي الندوات والمؤتمرات،واللقاءات وحتى على مستوى القياداِت والزعامات الرسمية فضلا عن الأوساط الشعبية، هناك إجماع على أن الواقع الذي تعيشه الأمة واقع غير سار وغير مقبول، الكل يشكو ويتذمر الكل ينتقد، من مختلف الشرائح والمستويات وعلى مختلف الأصعدة:في الجانب السياسي هناك تدمر... في الجانب الاقتصادي...في الجانب الاجتماعي... في مختلف الجوانب ترى أن هناك تدمراً عاماً وشكوى عامة سائدة في جميع الأوساط.
إن الواقع الذي نعيشه ليس واقعاً سليما أو مقبولا، ولكن ما هو الموقف تجاه هذا الواقع؟ كيف نحلل الواقع المعاش؟ كيف نفهمه؟ كيف نتعامل معه؟ !
هذه الثقافة ثقافة تحليل الواقع والتعامل مع الواقع المعاش لها دور كبير في تكريس هذا أو تغييره، قد تكون الثقافة التي تسيطر على أذهاننا وأفكارنا تساعد على بقاء هذا الواقع وتكرسه ،وقد تكون الثقافة دافعة للتغيير والتطوير وواضح أن واقع الإنسان يتأثر بثقافته، يتأثر بوعيه في مختلف المجالات واقعك الصحي واقعك الاجتماعي ...
الاقتصادي كفرد وكمجتمع يتأثر بالثقافه لأنها هي التي تؤثر وتملي على الإنسان سلوكه وممارساته ومواقفه . فإذا كانت الثقافة سليمة دفعته إلى سلوك سليم وإلى مواقف سليمة، وإذا كانت الثقافة عليلة خاطئة بالتأكيد ستكون النتائج تابعة لأسوأ المقدمات من هنا لا بد أن نتأمل في ثقافتنا و واقعنا، كيف نفهم واقعنا وكيف نتعامل مع هذا الواقع ؟ وهنا أن نشير إلى معنى الثقافة .
الثقافة لغة : من (ثَقِفَ الشيء) أي فهمه وأدركه (غلام ثَقِفٌ) أي غلام حاذق يدرك الأشياء ويصيبها ،والقرآن الكريم استخدم هذه الكلمة أيضا بهذا المعنى اللغوي قال تعالى: ﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ (الأنفال، 57) . ﴿تَثْقَفَنَّهُمْ﴾ أي تدركنهم .
فالثقافة لغة: من الفهم والإدراك و الإصابة .
الثقافة اصطلاحا:هناك أكثر من مئة تعريف للثقافة ،أشهرها تعريف (تايلر) العالم البريطاني المشهور عرفها بأنها : الكل المركب من معتقد الإنسان وعاداته وتقاليده، والفنون والأعراف التي يكسبها من مجتمعه باعتباره عضوا في ذلك المجتمع ، أي المجموع الكلي لمعارف الإنسان أعم من الأفكار والعادات والتقاليد والفنون ، وهذه الثقافة بهذا المعنى لها تأثير واضح على سلوك الإنسان وممارساته .
البحث الثاني : ثقافة التبرير ثقافة المسؤولية.
إذا تأملنا ألوان الثقافات الموجودة في مجتمعاتنا من خلال وسائل الإعلام، أو من خلال الخطاب الديني في مجتمعاتنا الإسلامية بشكل عام (سنة وشيعة)، أومن خلال تربية عوائلنا، أومن خلال المنتديات واللقاءات والجلسات واللقاءات الشعبية، إذا تأملنا هذه الألوان نجد أن أمامنا ألوان مختلفة من الثقافات فيما يتعلق بفهم الواقع والتعامل معه. نحن لا نتكلم عن الثقافة بشكل مطلق نتكلم عن ألوان الثقافة ضمن هذا المنظار فهم الواقع المعاش والتعامل معه وكيف نتعامل معه؟.
هناك ألوان متعددة من الثقافات، نستعرضها باختصار:
اللون الأول: ثقافة الاستسلام.
الثقافة التي تقول للإنسان إنك لا تستطيع أن تؤثر في الواقع المعاش، هذا الواقع الموجود وأنت يجب عليك أن تخضع له وأن تقبله وأن تستسلم له، وليست هناك إمكانية لتغييره أو تبديله، (ليس في الإمكان أبدع من ما كان) في بعض الأحيان يلخصها البعض بمصطلحات دينية حسب فهمهم لها (قضاء وقدر) هذا الواقع الذي تعيشه أمتنا ومجتمعنا ، هذا الذي قدره الله علينا ،لا يمكن تغييره ولا تبديله، لكن هل هذا الكلام صحيح وسليم ،الواقع الذي نعيشه فيه ظلم وفساد،فهل أن الله سبحانه وتعالى يُقَِّدر لعباده الظلم ؟ يقول تعالى: ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ﴾ (غافر، 31)، هل الله يقدر علينا الظلم ؟! بالطبع لا .
القرآن الكريم في أكثر من آية يلفت الإنسان إلى أن واقعه نتيجة عمله قال تعالى : ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوعَنْ كَثِيرٍ﴾ (الشورى، 30) . ليس قضاء وقدرا ، لكن بمعنى أن هناك سننا لله تعالى في الكون والحياة وليس بمعنى أن الله تعالى فرض عليك هذا الواقع السيئ دون إرادة ودخل واختيار منك لا .
آيات كثيرة تؤكد وتركز على هذا الأمر قال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ (الروم، 41)، ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد، 11). فهذه الثقافة التي تريد أن توحي لنا بالفهم الخاطئ عبر بعض النصوص من خلال قصائد وأشعار وتقول لنا : (هذه إرادة الله)، هذه مصطلحات خاطئة ، البعض يتصور-خاصة في مجتمعات الشيعة- عاشوا مظلومين مضطهدين ويجعلها شعار للمظلومية والإضطهاد وهناك نص يتناقل أن النبي قال لأهل بيته: ((أنتم المستضعفون من بعدي))، إذن شيعة الأئمة مكتوب عليهم أن يعيشوا مستضعفين إلى يوم القيامة وبالتالي الظلم والمجازر والمقابر الجماعية والتشريد والفقر والتخلف كتبه الله علينا!!. هذه الثقافة تخالف ثقافة القرآن، نحن لو قرأنا التأريخ لوجدنا أن الشيعة في بعض الفترات كانت لهم دول حاكمة ، الفاطميون كانوا من الشيعة ، والبويهيون والحمدانيون والصفويون أيضا . أحد العلماء يقول: (أحصيت مئة دولة شيعية في التأريخ) كانت لهم دول وكانت لهم سلطة وكان لهم نفوذ بغض النظر عن مناقشة سياستهم ومواقفهم، وأيضا أئمتنا عليهم السلام واجهوا في حياتهم مآسي وآلاماً ولكن في المقابل، حققوا إنجازات كبيرة وعظيمة،نحن نركز على الجانب المأساوي ونترك جانب الإنجازات حتى نقنع أنفسنا بأن واقعنا المأساوي حالة طبيعية نعيشها وهذا خطأ .
هذه ثقافة خاطئة وفهم خاطئ (القتل، السبي، الضرب) منسوب إلينا. ثقافة الاستسلام تربينا على أن نقبل الواقع كما هو وهي ثقافة خاطئة.
اللون الثاني: ثقافة التواكل.
إذن المسؤولية على الحكومات، يجب أن تغير هذا الواقع ، أو على العلماء .لماذا الصمت والسكون.أو على السياسيين والحركات الأخرى والأحزاب أين هم فقط كلام أو التجار أو...أو...أو...، بالتالي كل فرد يرمى المسؤولية على الآخرين، إذا جلست في أوساط العلماء يتحدثون عن الواقع السيئ، يقولون: على التجار أن يتحركوا،الناس لا يطيعون كلام العلماء، وفي أوساط التجار تراهم يلقون باللائمة على العلماء، ليس لديهم مبادرة ولا مشاريع ولا خطط،وفي أوساط الشعب تجدهم يتحدثون عن الحكومة. تجلس مع المسؤولين الحكوميين تجدهم يتحدثون عن الشعب وهكذا كل منا يودع المسؤولية على الآخرين! من المسؤول هو، هما، هم، هن، لكن (أنا) لا، ضمير المتكلم لا يأتي هنا لست أنا المسؤول، المسؤولية على الآخرين!! هذه ثقافة التواكل صحيح أن حجم المسؤولية يختلف من جهة إلى أخرى، الحكومات حجم مسؤوليتها أكبر، العلماء حجم مسؤولياتهم أكبر، لكن كل واحد من أفراد المجتمع يتحمل المسؤولية بقدره،ولذلك تأكد النصوص على هذه الحقيقة، الحديث المروي عن النبي (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) الحاكم مسؤول، الشعب مسؤول، العالم مسؤول، التاجر مسؤول. والآيات أيضا تتحدث على أن الجميع مسؤولون أمام الله . قال تعالى: ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ (92، الحجر)، ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾ (24، الصافات)، وقال : ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان))، (من رأى) الخطاب للجميع . ((من سمع مناديا ينادي بالمسلمين فلم يجب فليس مسلم))، فثقافة التواكل، إلقاء اللوم على الآخرين ثقافة خاطئة، ليس صحيحا أن نجلس في مجالسنا ونوزع اللوم والمسؤوليات على الآخرين،مع الاعتراف أن حجم المسؤولية يختلف من شخص لآخر ومن موقع لآخر .
اللون الثالث: ثقافة المؤامرة.
البعض يعتقد أن هناك جهات للتخطيط والتنفيذ والعالم كله كأحجار شطرنج بين يديها، كالحدث يحدث فهو مؤامرة، وكما كان يقال سابقا في الهند إذا تصارعت حيتان البحر ففتش عن الإنجليز، بسبب الإنجليز تحدث حرب أهلية بين الأسماك ، لا شك أن الأعداء يخططون حين يكون هناك معركة على المصالح والمطامع من أجل الهيمنة ، الأعداء يفكرون ويخططون،لكن يجب أن نكون موضوعيين،يجب أن نعرف أن العالم أوسع وأكبر منا ، أمريكا وأوروبا يخططون لكل مصيبة تحدث لنا هذا تهويل وقلب الحقائق ، نحن أمة كبرى،لدينا كفاءات وقدرات وإرادة . انظر إلى مواقع الانترنت، وأقرأ كل شيء مؤامرة، (أنور السادات قتل) هذه مؤامرة أمريكا، (حرب أكتوبر) مؤامرة، أمريكا تحاول تحريك الوضع في الشرق الأوسط وتم الترتيب وحصلت حرب أكتوبر. في الأيام الأخيرة بعض الجهات الدينية المتزمتة من السلفيين-مع الأسف- أتوا يتحدثون عن الانتصار الأخير الذي حققه حزب الله في لبنان (تبادل الأسرى، تحرير الأرض، تحرير الإنسان) العالم يعرف ويعلم أنه ناتج لشجاعة وبطولة وجهاد وحكمة القيادة الموجودة في حزب الله وفي المقاومة الإسلامية في لبنان؛ ولكن أحد المواقع السلفية المتزمتة (قد لا يكون كل السلفيين هكذا)، يضع هذا الانتصار في دائرة المؤامرة، الأمريكيون يريدون أن يخططوا لمؤامرة متفقة مع إيران، كل شي يفسر على أنه مؤامرة، حتى أبسط الأشياء مؤامرة.
نحن ماذا؟ نحن موجودات وهمية ليست لها إرادة ؟! قبل فترة قرأت مقالة جميلة لأحد الكتاب والمفكرين في البحرين(الدكتور محمد جابر الأنصاري) يقول: هذه العقلية، عقلية المؤامرة التي تنسب كل حدث في ساحتنا إلى تآمر الآخرين هل تريد أن تقول أننا مخلوقات وهمية لا إرادة ولا دور لنا . ثم يستمر يقول:إن هذه النظرية ليست جديدة حتى في تأريخنا الإسلامي فمثلا قضية عبد الله بن سبأ سواء أكان موجوداً أو غير ذلك، فإن إعطائه هذا الدور،جاء وغير مسيرة الأمة وعمل صرخة عظيمة. الصحابة كانوا موجودات وهمية!! بحيث أن يأتي رجل يهودي ويلعب بعقولهم ويحرك كل وضعهم وواقعهم، هذا نوع من التبرير .
كان أحد العلماء يقول: أتعلمون لماذا اخترع الغربيين الإنترنت ؟ من أجل كشف واقع المسلمين فقط ليروا ماذا نقول!! ما هذا الكلام؟! تسعة ملايين عربي يستخدمون الإنترنت في مقابل أربعمائة مليون. التلفزيون والراديو أيضا ضد المسلمين . الناس لديهم مصالح على مستوى العالم كله أنا لا أنكر أننا مستهدفون كأمة، أن عندنا ثروات ومواقع إستراتيجية يفكر الأعداء بالهيمنة عليها للاستفادة منها ، لكن نحن أيضا أصحاب إرادة، نحن لنا وجود وسكوتنا وتقاعسنا وطريقة حياتنا هي التي تعطي فرصة للآخرين في كثير من الأحيان،الآخرون لا يعرفون كيف يستعمروننا نحن ندلهم على الطريقة وليس ذكاءً منهم . إذن هذه ثقافة المؤامرة وأن ينسب كل شي للأعداء نحن عندنا نوازع ومصالح ومشاكل وتخلف في بعض الآراء، وتخلف في بعض ثقافتنا، وموروثات غير سليمة في ثقافتنا، وآراءنا لها تأثيرات على واقعنا ، وليس فقط المؤامرة هي موجودة ولكن بحدودها.
اللون الرابع: ثقافة النقد السلبي.
هناك من يحمل هم المجتمع ويقوم بأنشطة على الصعيد السياسي أو الثقافي أو الديني ، وفي المقابل هناك من يحترف النقد، النقد البناء مطلوب، نحن لا نقول: إن كل عالم يجب أن يقدس ، وكل حركة يجب أن تمجد في كل موقع ، مجال النقد مفتوح،الناس لديهم عقول وكل إنسان يعمل في الشأن العام ينبغي أن يتسع صدره للنقد ، بما أنى أعمل في الشأن العام ولدي مواقف تعالج هموم مجتمعي أمتي وبلدي ، بما أن لدي دور فمن الطبيعي أن يكون للناس رأي حول تصرفي وتحركي ، منهم من يخالف ومنهم من يؤيد ومنهم من ينتقد ومنهم من يمدح هذه حالة طبيعية ، البعض من الناس لديهم نفسية حريرية لا يتحمل النقد إن انتقد يتضايق وينسحب نعم يجب عليك التحمل حتى تتبلور شخصيتك وحتى تنال الأجر والثواب من الله.
يقال أن أحد الأنبياء حين بعثه الله تعالى: يا رب أنا أبلغ رسالتك ولكن لدي طلب واحد أطلبه منك قال الله تعالى تفضل نبيي ماذا تريد قال : أريد أن تكف عني ألسن الناس ، فأجابه الله : خصلة لم أجعلها لنفسي كيف أجعلها لك . خالق الناس رازق الناس هناك من يكفرون ويشركون به، وهناك من يتهم عدله ، ولذلك على من يعمل في الشأن العام أن يستعد لكلام الناس، ما دمت تعمل يجب أن تتحمل، وتتقبل، وتستفيد من نقد الناس وآرائهم،لكن في المقابل هناك من الناس من يحترف النقد ويبحثون عن الثغرات والعيوب ليس لديه سوى ذلك، وهؤلاء يشيعون الحالة السلبية في أوساط الأمة ، نحن نريد أن نجد من يعمل ويوصل صوت المجتمع يدافع عن حقوق الناس ويعمل من أجل الناس ، في المقابل علينا أن نشجعه ورد في الحديث: ((من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق))، ينبغي أن نشكر المخلوق المحسن ،ينبغي أن يقال للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت ، بعض الشرائح من الناس حرمَّ على نفسه أن يقول للمحسن أحسنت ! ينتظرون منه الأخطاء للنقد. هذه الثقافة نقدية وهي ضارة، أنت إذا لديك نقد لشخص يعمل إذا كنت مخلصاً في نفسك وتريد الخير أوصل نقدك إلى الجهة المعنية للشخص نفسه، لا أن تكون أمامه بالاحترام ومن خلفه بالنقد،لماذا؟! لعدم وجود الإخلاص؟ هذه ثقافة سلبية تعيشها مجتمعاتنا،ولذلك ورد في النصوص والآيات التخدير من الغيبة وأنها طعام (إدام) أهل النار وأسوء من الزنا ...، فهي تنشر ثقافة سلبية في المجتمع تثبط العزائم.
اللون الخامس: ثقافة الهروب من الواقع.
هناك جماعة من الناس بدل الانشغال بفهم الواقع المعاش والتعامل مع وتوجيه الأمة التوجيه الصحيح ، يشغلون الأمة خارج الواقع ، يفتعلون لهم قضايا تاريخية فلسفية عقدية ويشغلون الناس فيها ، ويبقى الناس يعيشون الواقع السيئ وهم مهمومون بهذه القضية الجزئية ، مثلما حصل في أواخر الدولة العباسية (قضية خلق القرآن) هل القرآن قديم أم حادث مخلوق؟ وطرحت هذه المسألة ، أحدهم يقول: إن القرآن قديم لأنه كلام الله تعالى والله قديم ، والآخر يقول: إن القرآن حادث لأن كل ما سوى الله فهو مخلوق وهو حادث فه وليس قديم ، وانقسم المسلمون قسمين يأتي أحد الحكام ينتصر لمن يقول القرآن قديم ويعذب وينكل بمن يقول إن القرآن مخلوق ، يأتي خليفة آخر على العكس من ذلك .
لقد سجن الكثير من الناس ومن ضمنهم علماء وفقهاء عذبوا أو نكل بهم!! لا تكاد تدخل مجلساً إلا وفيه بحث حول القرآن قديم أو مخلوق ، والمتوكل على الله يلعب بأوضاع الأمة،وانشغلت الأمة بهذه المسألة ، ولذلك أئمة أهل البيت عليهم السلام رفضوا الدخول في هذه المسألة، وجهت الأسئلة للأئمة ماذا تقولون في ذلك؟ ورأي الإسلام واضح عند الإمام ، ولكن في بعض الأحيان إبداء رأي الإسلام يكون مشاركة في الفتنة . البعض من الناس يقول يجب أن ننصر العقيدة والدين وإظهار الرأي الصحيح ، ولكن إذا كان الرأي الصحيح يعمق فتنة الأمة ، الأئمة كانوا يسألون وكانوا يرفضون الإجابة ، يقولون القرآن هو كتاب الله . إلى أن هدأت هذه المسألة في عهد الإمام علي الهادي فكتب إلى شيعته في بغداد: ((أما بعد فإن الحديث حول القرآن وخلقه وأنه قديم أو حادث فتنة تكلف فيها السائل ما ليس له، وأفتى المجيب بما ليس عليه ، ولم نجب آن ذاك حتى لا ندخل في هذه الفتنة أما الآن فنعلمكم أن القرآن مخلوق وأن كل ما سوى الله مخلوق))، أما وقت الفتنة لم يذكر الموضوع لأنها فتنة تشغل الناس . ويذكر في التأريخ حول فتح القسطنطينية حينما حاصرها الجيش الإسلامي وقد تحير الجيش الإسلامي في الاقتحام ، لاحتمال وجود مقاومة عنيفة في داخل الحصن .
أحد المسلمين قال أدخل خلسة وأرى كيف الوضع في الداخل، بالفعل وتسلل إلى الداخل فوجد تجمعاً ساحة ضخمة وخطيب يخطب والناس في لغط، اقترب ليسمع ماذا يحصل، وجد أنه يتكلم عن المسيح حينما صلب حسب عقيدة المسيحيين:هل صلب بالجسم الناسوتي أم بالجسم اللاهوتي (البشري أم النوراني المعنوي الإلهي)؟! المدينة محاصرة والجيش يريد الاقتحام وهم مشغولون (المسيح صلب بالجسم الناسوتي أو اللاهوتي) عندها خرج للجيش الإسلامي وقال لهم: ادخلوا فالناس مشغولون عنكم بصلب المسيح. بعض الأحيان تفتعل قضايا في أوساط الناس كان الأئمة عليهم السلام حكماء في التعامل مع الواقع فمثلا في حياة الإمام الكاظم جاء شخص يسأل الإمام : الشرك أقدم أم الكفر؟!الإمام ينظر ما هذا (بداية فتنة) البعض يقول كفر والبعض يقول شرك والآخر يؤلف كتاب وهذا يحضر فتوى والآخر يلقي خطاباً فتكون قضية دفاع عن العقيدة قال له الإمام: (وما أنت وذاك) في بعض الأحيان تطرح بعض القضايا، المقصود منها تلهية الناس وانشغالهم في قضايا جانبية تأخذ لها شعارات وعناوين دفاع عن الدين والعقيدة،ولكن الشخص الواعي يجب أن يدرك عمق المسألة وهذه ثقافة الهروب والانشغال عن الواقع بقضايا أخرى فكرية فلسفية وتاريخية مختلفة ننشغل بها عن واقعنا المعاش كما يقول الشاعر:
وما زلنا يجادل بعضنا بعضا
عن المصروف والممنوع من صرف
وجيش الغادر المحتل
ممنوع من الصرف
اللون السادس: ثقافة المسؤولية.
هذه ألوان من الثقافات الخاطئة: ثقافة الاستسلام، والتواكل، وثقافة المؤامرة، والنقد السلبي، والهروب؛ نجدها موجودة في خطاباتنا الدينية والأدبية والإعلامية والثقافة الاجتماعية لكن الثقافة التي نحتاجها في هذه المرحلة وفي كل مرحلة (في الواقع) (ثقافة المسؤولية) التي تجعل الإنسان يتحمل مسؤوليته. أيها الإنسان أنت مسؤول تتحمل قسطا من المسؤولية بحسب وعيك بحسب إدراكك بحسب إمكانياتك كل حسب ما لدية من إمكانيات، في دعاء الافتتاح نحن نقرأ: ((اللهم ما عرفتنا من الحق فحملناه وما قصرنا عنه فبلغناه)) كل إنسان بمقدار ما يعي بمقدار ما يدرك بمقدار ما يتمكن هو مسؤول . حاجات كبيرة لمجتمعاتنا ،لأمتنا كل واحد منا عليه التفكير ( ماذا أعمل ؟ ) كل منا عليه أن يطرح على نفسه هذا السؤال. مشكلتنا في عالمنا العربي والإسلامي عبارة عن جلسات طويلة نتحدث فيها حول المشاكل والآلام ولكن لا يوجد التفكير لحل هذه المشاكل يقول الإمام على : ((ما رام امرئ شي إلا وصل إليه أو دونه)).
يقول تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى﴾ (النجم، 39) لاحظ تعبير القرآن لا يقول ما أنجز، بل (حاول). نجد في المجتمعات الأخرى حيث تجتمع مجموعة من الأشخاص في أمريكا، في أوروبا،في اليابان ويناقشون مشكلة معينة يعيشونها،مباشرة يضعون لهم مشروع خطة،بعد عدة أيام يجدون أن هذه المشكلة تحولت إلى مشروع عمل. كثير من المؤسسات والمنظمات الأهلية الموجودة في الغرب بدايتها هي اصطدام بالمشكلة معينة لدى الناس، هذه الجمعيات لمساعدة مرضى السرطان بداية الجمعية من الأعزاء والأقرباء يصاب بالمرض فيتحمس للمشكلة لماذا لا نتعاون مع أصحاب المرض؟ ويضعون لهم جمعية وتتحول المشكلة إلى مشروع علاج، ربما بعضكم قد سافر إلى مناطق أوروبا وبريطانيا، حصل في بعض المرات أنه حين يخرج التلاميذ من المدرسة السيارات تكون مسرعة وتدهس الطلاب،دار حديث في الصـحف و المجالس تكونت مجموعة من المتقاعدين عن العمل تطوعا بأن يذهبوا هم وقت بداية الدراسة ونهايتها عند كل مدرسة والوقوف عند الشوارع وبلباس معين للإشراف على الطلاب في الشوارع وأشياء كثيرة، المنظمات والمؤسسات الأهلية في تلك المجتمعات لا تعد ولا تحصى.
قرأت موضوعاً عن التطوع في أمريكا هذا المجتمع الذي نتحدث عنه بصورة سلبية لديه أشياء إيجابية ينبغي أن نستفيد منها،نحن ضد مواقف إدارتهم المنحازة لإسرائيل والعدوانية على مصالح وحقوق شعوبنا،ولكن الأشياء الإيجابية في مجتمعهم تستحق أن تدرس ويستفاد منها .
يقول التقرير:إن عدد المتطوعين في أمريكا عام (2001) وصل إلى (94) مليون و(200) ألف شخص وهم يشكلون (33%) من الأمريكيين كل واحد بمعدل ساعة أو ساعتين أسبوعيا يتطوع، مجمل الساعات للتطوع (20) بليون ساعة في السنة تساوي عمل (9) ملايين موظف تبلغ التكلفة (76) مليار دولار قيمة هذا الجهد التطوعي، البعض للنظافة والبعض للدفاع عن البيئة، لمساعدة المرضى، لمساعدة الفقراء، لمساعدة المعتقلين، لنشر العام، ومختلف ألوان التبرع والتطوع.
ونحن كمسلمين، أليس ديننا يأمرنا بعمل الخير، ((من قضى لمسلم حاجة قضى الله له يوم القيامة ألف حاجة)) لماذا لا نتطوع لماذا لا نعمل فقط الكلام عن المشاكل ، نتحدث مثلا عن النظافة وننقد، لكن دون أن نقدم أي حلول جاء مجموعة من الأخوة وكانوا منزعجين من بعض الشباب على الكورنيش بالتصرفات المزعجة لكنهم ينتقون دون أي عمل،لماذا لا يبادروا بالحلول.
نحن نحتاج الثقافة العمل العطاء،هذه الثقافة نحتاجها كما نحتاج للوعي كي يدفعنا للعمل للاستعداد بالإضافة للثواب من الله له انعكاسات دنيوية،من يعمل لمساعدة الناس مكانته تتعزز، شخصيته تتبلور، قدراته تتفجر وتتطور وأيضا ثوابه كبير لدى الله ويساعد في تقدم المجتمع وتقدم هذا المجتمع يؤثر على تقدمه ونحتاج إلى روحية التعاون،فاليد الواحدة لا تصفق،تستطيع هذه اليد أن تجلب يداً ثانية ،علينا أن نتحمل مسؤوليتنا،نجد أن هذه الأعمال وهذه النجاحات التي حصلت في أمتنا وفي تاريخنا المعاصر هي سبب المبادرات وتحمل المسؤولية هذا المكان الذي نعيش فيه (الحوزة العلمية الزينبية ) كيف كان وضع هذه المنطقة قبل 30 سنة كان يأتي بعض العلماء والطلبة ولكن بدون وجود كيان يجمعهم، مؤسسة تجمعهم، رجل واحد هو الشهيد السيد حسن الشيرازي جاء فتحمل المسؤولية لماذا لا توجد حوزة؟! وتجمع الطلبة وتكوَّن مركز إشعاع في المجتمع، وذلك من بركات هذا المكان.
واجه مشاكل وعقبات، وكانت الإمكانات غير متوفرة،ولكن لأن لديه الإحساس بالمسؤولية ويحمل روحية المبادرة بالفعل صنع هذا الكيان،شق الطريق للآخرين،وأصبحت ليست فقط حوزة بل عدة حوزات وعشرات الحسينيات، والوجود القوي وكل ذلك إنشاء الله يكون له أجر وثواب كبير للسيد الشهيد وجميع المشاركين في هذا العمل والإنجاز ، وهكذا في جميع الأنشطة الشيعية في لبنان كانوا يعيشون مهمشين منبوذين محرومين وجاء الإمام السيد موسى الصدر -أعاده الله بالسلامة- ورأى الوضع ؟! إلى متى يبقى هذا الوضع، فبادر وعمل وواجه العقبات، وبالتالي أنجز، وهو مصداق للحديث الشريف: ((من سنَّ سنةً حسنة فله أجرها ومثل أجر من عمل بها)) وهكذا في كل مكان، نجد أن الشهيد المرجع السيد محمد باقر الصدر في العراق عندما رأى أن الثقافات الأخرى تعمل اتجه هو وألّف (فلسفتنا) انتصارانا ودعم الوجود لديني في العراق واهتم بالوضع العلمي وهكذا على مستوى العلماء والخطباء وعلى مستوى طبقات الناس العادية ،على مستوى الطاقات المختلفة نحن نحتاج إلى ثقافة المسؤولية خاصة الآن في العراق المجال مفتوح ، سابقا كان الناس يخافون،ثم زال النظام الفاسد، والآن المجال مفتوح فعلى المؤمنين أن يتحركوا، لا يتركوا القضية كل يتكل على الآخر بل كل فرد رجل كان أو امرأة عليه أن يبادر العراق لديها خيرات ،اقتصادية كبيرة ، في العراق ثروة بترولية كبيرة،والماء والأرض الخصبة،تاريخ حضاري كبير ،تجارب عظيمة في العراق ، الذكاء والفطنة في العراق .
ماذا يريد الإنسان العراقي أكثر من هذا؟ فقط يحتاج أن يشمر عن سواعده ليتحمل المسؤولية وأن يبدأ ويفتح المجال لثقافة المسؤولية حتى تسود في أوساط الشعب. والمشكلة هي الخوف من ألوان الثقافات، إذا انتشرت في الشعب ثقافة التبرير والنقد السلبي المؤامرة وغيرها، هذه هي التي تعوق الحركة نحن نسأل الله تعالى لأهلنا في العراق أن يكونوا نموذجا وقدوة ويغتنموا هذه الفرصة وأن يمتلكوا حريتهم واستقلالهم من المحتلين والطامعين ويبنون حكما نموذجيا في العراق إن شاء الله.