استحباب الزواج
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين
1- ناقش الفقهاء مسألة استحباب الزواج وأنه هل هو ثابت الاستحباب لكل قادر عليه، أو أن الاستحباب خاص بمن تاقت نفسه واشتاقت للزواج، والمقصود بذلك من كانت له رغبة جنسية دافعة، فيستحب له التزوج، وأما من لا يجد في نفسه تلك الرغبة والاندفاع الجنسي، فالزواج مباح فقط بالنسبة له، وليس مستحبا يترتب عليه الأجر والثواب، ويمكن أن يقصد التقرب به إلى الله تعالى.
قال العلامة الحلي في شرائع الإسلام: (النكاح مستحب لمن تاقت نفسه، من الرجال والنساء، ومن لم تتق فيه خلاف، المشهور استحبابه).
ويبدو أن عددا قليلا جدا من الفقهاء يذهب إلى اختصاص الاستحباب بمن تاقت نفسه فقط[1] . أما مشهور الفقهاء فهو عموم الاستحباب وإطلاقه.
فالرغبة الجنسية ليست هي الغرض الوحيد من الزواج، بل هناك أغراض ومنافع أخرى يكفي أي واحد منها للإقبال على الزواج، ولجعله في موضع الندب والاستحباب الشرعي.
منافع الزواج :
أ- في الزواج سكون واطمئنان نفسي، حيث يشعر كل من الزوج والزوجة بوجود من يشاركه هموم الحياة، ويعينه على مشاكلها، ويمكنه الانفتاح عليه وبثه آلامه وآماله. وبدون الزواج غالبا ما يعيش الإنسان رجلا أو امرأة الوحدة والوحشة، لأن وجود الأقرباء معه سيكون ضمن حدود، وليس بشكل دائم وبلا حواجز كما هو الحال بين الزوجين. لذلك يصف الله تعالى الزوج بأنه سكن للإنسان، فالرجل سكن لامرأته وهي سكن له أي يتوفر بكل واحد للآخر سكون النفس واطمئنانها، يقول تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾ [2] .
ويقول تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾[3] . و الخطاب موجه للرجال و النساء.
وعن رسول الله أنه قال: «ما استفاد امرؤ فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسره إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمرها وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله»[4] .
ب- انتظام الحياة المعيشية للإنسان، فالرجل يكفي المرأة شؤون نفقاتها واحتياجاتها، ومن دون الرجل قد تبقى المرأة عالة على أهلها أو المجتمع، إن لم يكن في الجانب المالي ففي جانب تسيير شؤونها، وخاصة في مجتمعاتنا لوجود محددات لحركة المرأة. كما أن المرأة تساعد الرجل في ترتيب شؤون المنـزل وقضايا حياته المعيشية.
ج- تشجيع وتكريس نمط الحياة العائلية الأسرية كنظام اجتماعي، يعزز تماسك المجتمع وانسجامه، والتكافل الداخلي بين أفراده.
د- والزواج دافع للنشاط والفاعلية، حيث يشعر كل من الزوجين بوظيفته تجاه الآخر، وتجاه كيانهما العائلي، فيكون ذلك دافعا للحركة والعمل. وبذلك يظهر جانب من معاني الآيات والأحاديث الشريفة التي تشجع على الزواج، وتعتبره سببا للغناء وسعة الرزق، فإنه بالإضافة إلى توفيق الله تعالى ومنحه البركة لمن يتزوج ويتحمل تبعات تكوين العائلة، فإن الشعور بالمسؤولية له دور في دفع الإنسان للعمل والإنتاج.
يقول تعالى: ﴿ وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [5] .
و روي عنه أنه قال: «اتخذوا الأهل فإنه أرزق لكم»[6] .
وعن الإمام جعفـر الصـادق قال: «جـاء رجـل إلى النبي فشكا إليه الحاجـة، فقال : تزوج، فتزوج فوسـع الله عليه»[7] .
و عن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله - جعفر الصادق : الحـديث الذي يرويه الناس حـق أن رجـلا أتى الـنبي فشكا إليه الحاجة، فأمره بالتزويج ففعل، ثم أتاه فشكا إليه الحاجة، فأمره بالتزويج، حتى أمره ثلاث مرات؟ فقال أبو عبد الله :« نعم هو حق». ثم قال: «الرزق مع النساء والعيال»)[8] .
هـ- وإثارة الرغبة الجنسية من خلال الزواج أمر إيجابي، لأن ممارسة هذه الغريزة لنشاطها الطبيعي ينعكس إيجابيا على صحة الإنسان الجسدية والنفسية، ويعطيه فرصة التمتع والتلذذ، ويكون ذلك سببا للتناسل والتكاثر. ورد عن رسول الله أنه قال:« ما يمنع المؤمن أن يتخـذ أهـلا؟ لعل الله يرزقـه نسمـة تثقـل بلا إله إلا الله» [9] .
الاستحباب عموم و إطلاق:
2- النصوص الشرعية الواردة في الحث على الزواج مطلقة عامة كقولـه تعالى: ﴿وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾ [10] . وقوله فيما رواه الفريقان: «النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني» [11] . وما ورد عن الإمام الصادق : «ركعتان يصليهما متزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب» [12] . وسائر الأحاديث الكثيرة الواردة فإنها مطلقة غير مقيدة بمن تاقت نفسه بل تشمل الجميع.
3- من يفقد القدرة الجنسية لعيب خلقي أو لمرض أو كبر سنّ، فإن استحباب الزواج وارد في حقه أيضا، لتحصيل سائر الفوائد والمنافع، لكن عليه أن يُعلم الزوجة بذلك، والمرأة عليها أن تُعلم الزوج بحالها قبل الزواج، وإلا كان هناك تدليس وغرر يثبت به حق الفسخ للطرف الآخر.
ظاهرة سلبية:
4- ما يلحظ في المجتمع من بقاء بعض الرجال بعد فقد زوجاتهن دون زواج أمر خاطئ ومشمول بحكم كراهة العزوبة، وأغلبهم يعاني صعوبات حياتية ونفسية، ويعيش حالة من الانكفاء والوحدة والوحشة، وقد يشعر بأنه أصبح عالة وثقلا على ذويه، وبعضهم يضطر للتعاطي مع خدّامة أجنبية مما يوقعه في محاذير شرعية.
والأفضل هو الزواج من امرأة مناسبة تتقبل حاله ووضعه.
- كما أن هناك نساءً يبقين بعد طلاقهن أو فقد أزواجهن دون زواج، ويرفضن الزواج، إما بعذر الحياء والخجل من الأبناء، أو خوفا من كلام الناس، أو استثقالا من الالتزام بحقوق حياة زوجية. وهذه ظاهرة غير سليمة، وتكون مشمولة بكراهة العزوبة، فالطلاق أو وفاة الزوج لا ينبغي أن ينهي دور المرأة العائلي ويجمّد رغباتها الطبيعية، ويحرمها من فرص الإنجاب إن كانت قادرة عليه، وقد تعاني كالرجل من الوحدة والوحشة، وتشعر بأنها أصبحت عالة وثقلا على الآخرين، بينما ينقذها الزواج من كل ذلك.
والبعض قد تفضّل العيش بإعانات الضمان الاجتماعي والجمعيات الخيرية على الزواج الذي يؤمن لها حياة أعز وأسعد.
فينبغي معالجة مثل هذه الظواهر اجتماعيا بنشر تعاليم الإسلام والثقافة السليمة التي تأخذ بعين الاعتبار مختلف المصالح للفرد والمجتمع.