سنّ الزواج
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين
1- ليس للزواج سنّ معين في الشريعة الاسلامية، فيصح إجراء عقد الزواج حتى للرضيع أو الرضيعة، كما يصح بالنسبة للمسنّ مهما تقدم به العمر رجلاً كان أو امرأة.
2- واذا كان يصح تزويج الصغيرة لكن وطأها لا يجوز قبل ان تكمل التاسعة من عمرها أما سائر الاستمتاعات غير الوطء فهي جائزة. كما ورد في صحيحة الحلبي عن الإمام جعفر الصادق قال: «اذا تزوج الرجل الجارية وهي صغيرة فلا يدخل بها حتى يأتي لها تسع سنين»[1] .
وهذا ما اجمع عليه علماء الشيعة، لكن بعض فقهاء السنة، اعتبروا قدرة البنت على تحمّل الممارسة الجنسية هي المدار وليس سناً معيناً، قال في المغني: (وامكان الوطئ في الصغيرة معتبر بحالها واحتمالها لذلك قاله القاضي، وذكر أنهن يختلفن فقد تكون صغيرة السن تصلح وكبيرة لا تصلح، وحده أحمد (ابن حنبل) بتسع سنين، فقال في رواية أبي الحارث في الصغيرة يطلبها زوجها: فإن أتى عليها تسع سنين دفعت اليه، ليس لهم أن يحبسوها بعد التسع، وذهب في ذلك الى أن النبي بنى بعائشة وهي ابنة تسع، قال القاضي (أبو يعلى): وهذا عندي ليس على طريق التحديد، وانما ذكره لأن الغالب ان ابنة تسع يتمكن من الاستمتاع بها فمتى كانت لا تصلح للوطء لم يجب على أهلها تسليمها إليه)[2] .
الإضرار بالصغيرة:
3- اذا مارس الجنس مع زوجته التي لم تكمل تسع سنين، فإن لم يصبها ضرر فهو مأثوم فقط لمخالفته النهي الشرعي.
وأما اذا سبب لها ضرر (الإفضاء) بأن تمزق الحاجز بين مسلك البول والحيض أو الغائط فإن ذلك يعتبر اعتداءً تترتب عليه آثار عديدة.
أ/ يجب عليه ان يدفع لها دية كاملة أي دية قتل المرأة عمداً. هذا اذا طلقها، اما اذا لم يطلقها فقد ذهب علماؤنا وخاصة الفقهاء المعاصرون الى عدم وجوب الدية عليه إلا على نحو الاحتياط وذهب الى وجوب الدية كاملة في الإفضاء الحنفية والشافعية وابن القاسم من المالكية، وفي قول آخر للمالكية في الافضاء حكومة عدل وقال الحنابلة في الافضاء ثلث الدية[3] .
ب/ يتحمل مسؤلية الانفاق عليها مادام حيّاً حتى لو طلقها، بل ولو تزوجت غيره.
ج/ ذهب بعض علمائنا السابقين كالشيخ الطوسي وابن ادريس والعلامة الحلي وغيرهم الى أنه يحرم عليه وطؤها مؤبداً وان بقيت على ذمته، اما الفقهاء المعاصرون فأكثرهم لا يرون انها تحرم عليه.
تزويج الصغير:
4- قبل البلوغ ليست للصغير ذكراً أو أنثى أهلية التعاقد، فمن الذي يتخذ قرار الزواج؟
أ/ أعطت الشريعة الاسلامية صلاحية تزويج الصغير والصغيرة للأب والجد للأب، فلا ولاية للام ولا للجد من طرف الأم، فضلاً عن الأخوان وغيرهم.
ب/ عند وجود الأب والجد للأب يستقل كل منهما بالولاية وله صلاحية تزويج الصغير أو الصغيرة واذا مات أحدهما انفرد الآخر بالولاية، وأيهما (الأب والجد للأب) سبق في إجراء عقد الزواج نفذ عقده، والغي العقد المتأخر. ولو اجريا العقد في وقت واحد قدم عقد الجد على الأب.
شرط عدم الضرر:
5- لا يصح ان يزوج الأب أو الجد للأب الصغير أو الصغيرة، في حال كون ذلك الزواج يسبب ضرراً للصغير أو الصغيرة. و لهما الفسخ بعد البلوغ إن رأيا فيه مفسدة و مضرة لهما.
بل ينبغي مراعاة المصلحة فيه، ومقياس الضرر أو المصلحة هو حسب نظر العقلاء.
6- ومع ان الاسلام أعطى الوليّ هذه الصلاحية، وضمن الشرط المذكور، إلا أنه ورد ما يشير الى كراهة تزويج الصغار، فقد جاء في الكافي عن ابن أبى عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبى عبد الله الصادق او ابي الحسن الكاظم قال: قيل له:« انا نزوج صبياننا وهم صغار. فقال : اذا زوجوا وهم صغار لم يكادوا يتألفوا»[4] .
فمن أهم الأشياء في الزواج توفر أجواء وأسباب الانسجام والرضا المتبادل بين الزوجين والتزويج في الصغر يكون ضمن رغبة واختيار الولي، وقد لا يكون متطابقا مع رغبة طرفي الزواج بعد بلوغهما ورشدهما، كما أن اختيار الولي وقراره ضمن ظرف معين وقد يطرأ تغير على ذلك الظرف فلا يعود قرار الزواج هو الأنسب لهما، وهذا ما يستشف من الحديث: «لم يكادوا يتآلفوا».
حق الخيار:
7- اذا زوج الولي الصغير أو الصغيرة مع مراعاة عدم الإضرار بهما، فهو وان كان صحيحاً ولكن يحتمل معه ثبوت الخيار للمعقود عليه بعد البلوغ والرشد، فان أمضى العقد لزم والا فينبغي الاحتياط بتجديد العقد أو الطلاق.
فهناك رواية صحيحة تثبت حق الخيار للصغير والصغيرة بعد البلوغ وهي (صحيحة محمد بن مسلم قال: (سألت ابا جعفر الباقر عن الصبي يُزوج الصبية؟ قال : «ان كان ابواهما اللذان زوجاهما فنعم جائز ولكن لهما الخيار اذا ادركا») وهي كما ترى واضحة الدلالة، بل صريحة الدلالة، في عدم لزوم العقد الصادر من الولي، وثبوت الخيار لهما بعد البلوغ)[5] .
لكن بسبب وجود روايات أخرى صحيحة أيضا تلغي حق الخيار، ولأن مشهور العلماء اخذوا بتلك الروايات واعرضوا عن هذه، أوجب ذلك مراعاة الاحتياط بالطلاق عند عدم الرضا بالعقد بعد البلوغ.
أما رأي فقهاء السنة فقد قال النووي في شرحه على مسلم: وأجمع المسلمون على جواز تزويج الأب بنته البكر الصغيرة لهذا الحديث( حديث زواج السيدة عائشة) وإذا بلغت فلا خيار لها في فسخه عند مالك والشافعي وسائر فقهاء الحجاز، وقال أهل العراق: لها الخيار إذا بلغت[6] .
8- مع فقد الأب والجد للأب، هل للوصي من قبل أحدهما الولاية على تزويج الصغير والصغيرة، خاصة مع نص الموصي على ذلك أو كون الوصية شاملة مطلقة؟
هنا لا يصح التزويج من قبل الوصي الا اذا كانت هناك ضرورة تستدعيه ووافقه على ذلك الحاكم الشرعي.
9- وكذلك ليس للحاكم الشرعي ولاية لتزويج الصغير والصغيرة مع فقد الولي، الا اذا كانت هناك ضرورة للتزويج فيتصرف بمقدار الضرورة.
وقال المالكية والحنابلة:
ليس لغير الأب أو وصية أو الحاكم تزويج الصغار. وقال الحنفية: يجوز للاب والجد ولغيرهما من العصبات تزويج الصغير والصغيرة.
وقال الشافعية: ليس لغير الأب والجد تزويج الصغير والصغيرة[7] .