المحرّمات بالنسب
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين
من الناحية البيولوجية - وظائف أعضاء الجسم - يمكن الاتصال جنسياً بين كل ذكر وأنثى، لكن الإنسان ليس كائناً مادياً فقط، بل له أبعاد معنوية، تحدّد وترشّد حركته الجسمية، لذلك نجد أنظمة للزواج وللعلاقات الجنسية في كل المجتمعات البشرية على امتداد التاريخ، بل يشير العالم المؤرخ (وِل ديورانت) في قصة الحضارة إلى أن الزواج -كضوابط وقوانين - أعمق في التاريخ من بني الإنسان، فبعض الحيوانات فيما يظهر يعيش معيشة الأزواج التي تنسل في رباط بين الزوجين لا يعرف الطلاق، وبين الغورلا والاورانجوتان يدوم اتصال الوالدين حتى نهاية فصل الإنسال، ولاتصالها هذا علامات كثيرة تشبه فيه بني الإنسان، وكل محاولة تحاولها الأنثى في اتصالها بذكر آخر، يعاقبها عليها عشيرها عقاباً صارماً، ويؤكد (ديورانت) أن المجتمعات التي تخلو من الزواج نادرة، كما هو حال بعض المجتمعات البدائية المتخلفة[1] .
ومن قوانين الزواج المتداولة بين البشر، حظر التزاوج بين بعض الذكور وبعض الإناث، حيث لا توجد حضارات تعطي الحرية المطلقة للفرد في اختيار الشريكة أو الشريك، فهناك القيود الاجتماعية التي تجعل الاختيار ضمن ضوابط يتلافى المناطق المحظورة.
ويأتي تحريم الزواج وتجنب الاتصال الجنسي بالأقارب خصوصاً أقارب الدرجة الأولى في طليعة تلك القوانين السائدة بين المجتمعات البشرية، مع تفاوت في حدود رقعة دائرة الأقارب الذين يحظر التزاوج بينهم.
وتشدد الأديان السماوية على هذا التحريم، حيث يعتبر الزواج من أقارب الدرجة الأولى محرماً في اليهودية والمسيحية والإسلام.
(وحتى المجوس الذين كانوا يجوزون هذا النوع من النكاح في مصادرهم الأصلية، ينكرونه ويشجبونه اليوم، وإن حاول البعض أن يرد هذه المبغوضية إلى العادة والتقليد القديم ولكن عمومية هذا القانون، وشيوعه لدى جميع أفراد البشر وطوائفه، وفي جميع القرون والاعصار، تحكي - عادة - عن فطرية هذا القانون، لأن التقليد والعادة لا يمكن أن يكون أمراً عاماً ودائماً)[2] .
ولعل من حكمة ذلك أن تبقى علاقة الإنسان مع أرحامه من الدرجة الأولى، في مستوى الاحترام والوقار، يقول الشيخ ابن عاشور:
واعلم أن شريعة الإسلام قد نوّهت ببيان القرابة القريبة، فغرست لها في النفوس وقاراً ينزّه عن شوائب الاستعمال في اللهو والرَفث، إذ الزواج وإن كان غرضاً صالحاً باعتبار غايته، إلا أنه لا يفارق الخاطر الأول الباعث عليه، وهو خاطر اللهو والتلذذ، فوقار الولادة أصلاً وفرعاً، مانع من محاولة اللهو بالوالدة أو المولودة، ولذلك اتفقت الشرائع على تحريمه، ثم تلاحق ذلك في بنات الأخوة وبنات الأخوات، وكيف يسري الوقار إلى فرع الأخوات ولا يثبت للأصل، وكذلك سرى وقار الآباء إلى أخوات الآباء، وهن العّمات، ووقار الأمهات إلى أخواتهن وهنّ الخالات، فمرجع تحريم هؤلاء المحرمات إلى قاعدة المروءة، التابعة لكلية حفظ العرض، من قسم المناسب الضروري، وذلك من أوائل مظاهر الرقي البشري[3] .
طبقات المحارم:
نصّ القرآن الكريم على طبقات المحارم بالنسب في قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ﴾ [4] .
فهذه أصناف سبعة:
1.الأم وتشمل الجدات مهما علون لأب كن أو لأم، فتحرم المرأة على ابنها، وأبنائه وأحفاده، وعلى ابن بنتها وأبنائه وأحفاده.. وبالجملة تحرم على كل ذكر ينتمي إليها بالولادة، سواء أكان بلا واسطة أم بواسطة أو وسائط، وسواء كانت الوسائط ذكوراً أم إناثاً أم بالاختلاف.
2.البنت، وتشمل الحفيدة ولو بواسطة أو وسائط، فتحرم على أبيها بما في ذلك الجد لأب كان أو لأم، فتحرم على الرجل بنته، وبنت ابنه، وبنت ابن ابنه، وبنت بنته، وبنت بنت بنته، وبنت ابن بنته، وبنت بنت ابنه وهكذا، وبالجملة كل أنثى تنتمي إليه بالولادة بلا واسطة أم بواسطة أو وسائط، ذكوراً كانوا أو إناثاً أو بالاختلاف.
3.الأخت، لأب كانت أو لأم أو لهما. ولا تحرم أخت الأخ أو الأخت ما لم تكن له أختاً فلو كان لك أخ أو أخت من أبيك، وكانت له أو لها أخ أو أخت من الأم من زوج آخر غير أبيك فلا تحرم عليك.
4.العمة، وهي أخت الأب لأب أو لأم أو لهما، وتشمل العاليات أي عمة الأب، وعمة الأم، وعمة الجد للأب والجد للأم، والجدة كذلك. فمراتب العمات هي مراتب الآباء، فهي كل أنثى تكون أختاً لأب الشخص أو لذكر ينتمي إليه بالولادة من طرف أبيه أو أمه أو كليهما.
5.الخالة: وهي أخت الأم لأبيها أو أمها أو لكليهما، وتشمل العاليات أي خالة أبيه وخالة أمه، وخالة جده وجدته وهكذا.
ولا تحرم عمة العمة ولا خالة الخالة ما لم تدخلا في عنواني العمة والخالة ولو بالواسطة.
6.بنت الأخ، سواء كان لأب أو أم لهما، وهي كل امرأة تنتمي بالولادة إلى أخيه بلا واسطة أو معها وإن كثرت، سواء أكان الانتماء إليها بالآباء أم بالأمهات أم بالاختلاف، فتحرم عليه بنت أخيه، وبنت ابنه، وبنت ابن ابنه، وبنت بنته، وبنت بنت بنته، وبنت ابن بنته وهكذا.
7.بنت الأخت، وهي كل أنثى تنتمي إلى أخته بالولادة على النحو الذي ذكر في بنت الأخ.
أنواع النسب:
والنسب الذي يسبب الحرمة بين الأقرباء المذكورين على قسمين:
1.النسب الشرعي: وهو ما حصل بنكاح شرعي، ولا تؤثر عليه الحرمة العارضة كوطء الزوجة في الحيض أو الاعتكاف أو الإحرام.
ويلحق به ما نتج عن وطء شبهة، وهو الوطء الذي ليس بمستحق شرعاً، لكنه حدث عن جهل بالحكم، كمن تزوج امرأة في عدتها، للجهل بالحرمة، أو عن جهل بالموضوع كمن دخل بامرأة أجنبية على أنها زوجته، فهذا الوطء يطلق عليه وطء شبهة، وتترتب على القرابة التي ينشئها أحكام النسب الشرعي.
2.النسب غير الشرعي: وهو ما حصل بسبب الزنا والسفاح، فإن القرابة التي تحصل بسبب الزنا تترتب عليها آثار التحريم الشرعي للتزاوج بين الأقرباء المذكورين، فلو زنى بامرأة فولدت منه ذكراً أو أنثى لم يجز النكاح بينهما، وكذا بين كل منهما وبين أولاد الزاني والزانية، وكذا تحرم الزانية وأمها وأم الزاني وأختها وأخته على الذكر، وتحرم الأنثى على الزاني وأبيه وإخوانه وأجداده وأخواله وأعمامه.
وأجمع الفقهاء الشيعة على أن الوطء غير الشرعي يسبب الحرمة، فمن تولدت من الزنا تكون بنتاً لأنها خلقت من مائه وهذه حقيقة لا تختلف بالحل والحرمة واستثناؤها من الإرث والنفقة خرج بالدليل لكن الحرمة باقية. ووافقهم على ذلك الحنابلة والحنفية، لكن مالك والشافعي في المشهور من مذهبه أجازا زواج الزاني من بنته التي تولدت من الزنا وكذلك أخته وسائر القرابات من الزنا. قال ابن قدامة: ويحرم على الرجل نكاح بنته من الزنا، وأخته، وبنت ابنه، وبنت بنته، وبنت أخيه، وأخته من الزنا. وهو قول عامة الفقهاء. وقال مالك والشافعي في المشهور من مذهبه: يجوز ذلك كله، لأنها أجنبية منه ولا تنتسب إليه شرعاً ولا يجري التوارث بينهما، ولا تعتق عليه إذا ملكها، ولا تلزمه نفقتها، فلم تحرم عليه، كسائر الأجانب[5] .