الشعب العراقي والامتحان الصعب

مكتب الشيخ حسن الصفار
في حضورٍ مكثّف ألقى سماحة الشيخ كلمةً اليوم الجمعة الموافق 9 صفر 1424هـ، وذلك بعد صلاة الجماعة بمسجد الشيخ علي المرهون بالقطيف. وقال سماحته في بداية الكلمة: غالباً ما تكون السلطة والقوة مغرية بالظلم للناس والاعتداء على حقوقهم ومصادرة حريّاتهم، ودافع ذلك غريزة أنانية شيطانية. ولكن بمراجعة الظالم عقله سيُدرك أن ظلمه واعتداءه على الناس يُدمّر سلطته وقوّته إن لم يكن عاجلاً فسيكون آجلاً. لأن هذه سنة الله منذ أن خلق البشرية.

وقال سماحته: ما أحوج كل ذي قوة أن يقرأ تاريخ الأمم السابقة والحديثة ليرى كم من أناسٍ توفرت لهم مقومات القوة، وبدل أن يُمارسوها في إشاعة العدل بين الناس وحماية حقوقهم، مارسوها في الظلم والاعتداء على حقوقهم، والنتيجة هي دمار وانهيار سلطتهم وقوتهم، يقول تعالى: ﴿ألم ترَ كيف فعل ربك بعاد؛ إرَمَ ذاتِ العماد؛ التي لم يُخلق مثلها في البلاد؛ وثمود الذين جابو الصخر بالواد؛ وفرعون ذي الأوتاد؛ الذين طغوا في البلاد؛ فأكثروا فيها الفساد؛ فصبَّ عليهم ربك سوط عذاب؛ إن ربّك لبالمرصاد.

وأشار سماحته إلى التساؤل الذي يخطر على الكثيرين وهو: أليس الله يعلم بظلم الظالمين؟ فلماذا لا يُعجّل عليهم العذاب؟ وفي الإجابة أكّد سماحة الشيخ على أن معادلات البشر لا ترتقي ولا تستوعب معادلات الباري –جلَّ وعلا- فالله تعالى يمهل ولا يهمل. وقال إن الله تعالى ينتقم من الظالمين بأساليب شتى:

1- فقد يكون الانتقام عبر الكوارث الطبيعية؛ الطوفان، الزلازل، الصواعق، وغيرها.

2- وقد يكون الانتقام بأيدي المستضعفين؛ يقول تعالى: ﴿قاتلوهم يعذّبهم الله بأيديكم.

3- وقد يكون الانتقام بأن يُسلّط الله على الظالم ظالماً مثله؛ يقول تعالى: ﴿وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون.

وانتقل سماحته بالحديث بعد ذلك عن ما يشهد العالم اليوم من انهيار النظام الطاغي البعثي في العراق الذي يترأسه الطاغية صدام حسين، والذي حكم العراق طيلة (3) عقود من الزمان.

وقال سماحته: ليس هناك نظام تفنن في أساليب البقاء على السلطة كالنظام البعثي في العراق، فقد درّب له جيوشاً لحمايته يزيد عددهم على (4) ملايين. فصنع بذلك الرعب والخوف في نفوس الناس.

وأضاف سماحته أنه ليس هناك نظام في التاريخ استخدم ضدّ شعبه أسلحة فتاكة محظورة دولياً كما صنع صدام بالشعب العراقي. فنتج عن ذلك الظلم الفظيع ملايين من العراقيين في المنفى. وبعد الانتفاضة عام 91م نتج عنها مائة ألف إنسان مفقود في جنوب العراق، ومائتي ألف مفقود في شمال العراق.

فالنظام رسّخ أقدامه بالعنف والقوة والكثيرون كانوا يُشككون في إمكانية الخلاص منه.

وفي لحظة عجيبة تسقط بغداد بطريقة غير متوقعة نهائياً.

وقال سماحة الشيخ أنه تمنى أن يكون سقوط النظام على يد المؤمنين من الشعب العراقي، لتكون الفرحة أعمق وأعظم، ولكن شاءت إرادة الله تعالى أن يحصل ما حصل، وأكد أن الشعب العراق لم يقصّر في بذل التضحيات فإنه ليس هناك شعب قدّم تضحيات كما قدّم الشعب العراقي؛ وقال سماحته: ينبغي أن يكون سقوط هذا النظام عبرة للظالمين؛ فالحكم يبقى بالكفر مع العدل؛ ويزول بالظلم مع الإسلام.

ثم وجّه سماحة الشيخ حديثه عن الوضع الخطير المتأزم الذي يشهده الشعب العراقي بعد انهيار النظام البعثي، فالشعب العراقي شعبٌ مقموع، ونفوسه مليئة بالآلام والانفعالات، فالأمر المعاش خطير وفي أي لحظة ينفجر الانفعال.

وأكد سماحته أن أمريكا تريد لهذا الانفعال الانفجار وتريد أن تزداد حالة الفوضى في الشعب، ثم يأتون ويُثبتون قدمهم في الأرض العراقية بحيث تكون ضمن رغبة الشعب الحائر.

وأعزى سماحة الشيخ أن السبب الرئيس في شياع حالة الفوضى في الشعب العراقي، والخوف من الخطر الذي يُهدد أمن العراق، سببه الثقافة التي تربى عليها الشعب، وهي ثقافة لا ترشد سلوك الإنسان، ولا تربيه على السلم الاجتماعي. وأكد سماحة الشيخ أن مصدر هذه الثقافة إحدى طريقين:

الأول: الموروث العربي؛ وهو مليء بحالة الانتقام والحروب.

الثاني: الثقافة الدينية التي شيبت بالسلبيات؛ فهي ثقافة تعبئ على الأحقاد والأضغان، وعدم قبول الرأي الآخر.

وأكد سماحة الشيخ أن الشعب العراقي بحاجة إلى زخم توعوي، وبث لثقافة التسامح والاعتراف بالرأي الآخر.

كما أكد سماحته أنه يؤمن إيماناً راسخاً بما يطرحه في كتبه وخطابته من الدعوة إلى ثقافة التسامح، والاعتراف بالرأي الآخر؛ كما أنه يؤمن بعمق أن هذه مشكلة حقيقية تعيشها المجتمعات العربية والإسلامية، وإذا لم تعالج لا يمكن أن تحقق هذه المجتمعات لها الاحترام.

وأشار سماحته في ختام كلمته إلى الحادث المؤسف والمؤلم الذي تعرض له سماحة السيد عبد المجيد الخوئي إذ توجه له أحد الطائشين برصاصة وانتقل على إثرها إلى رحمة الله شهيداً.

وأكد سماحة الشيخ أن هذا العمل هو نتيجة للثقافة السلبية التي تربى عليها الشعب، ومن المهم جداً أن تتبدل هذه الثقافة بثقافة أخرى هي ثقافة السلم والتسامح، واحترام الطرف الآخر.

ودعا سماحة الشيخ الشعب العراقي بأن يتحلوا بالوعي حتى لا يُشمتوا بهم وبالمسلمين، الأعداء.

كما دعا سماحته في نهاية كلمته المؤمنين للتضامن مع الشعب العراقي بمد يد العون له حتى يتجاوز هذه المرحلة الخطيرة.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله الطاهرين.