تحريم النسب والمصاهرة من الزنا
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين
الزنا هو وطء الرجل للمرأة التي لا تحل له، أو الممارسة الجنسية مع امرأة دون تحليل شرعي. وهو حرام شرعاً ومن كبار الذنوب، حيث ذكره الله تعالى مقارناً للشرك والقتل، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾[1] .
وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً﴾ [2] .
(والزنى) بالقصر لغة أهل الحجاز. وبالمد (زناء) لغة بني تميم[3] .
وهو اعتداء على نظام حماية الأعراض والأنساب في المجتمع، وخروج عن منظومة القيم الأخلاقية الاجتماعية.
ومن الآثار المترتبة على الزنا أن ارتكابه يسبب تحريم التزاوج ضمن دائرة معينة، تناول الفقهاء تفاصيل مسائلها، ومن أهمها ما يلي:
نسب غير شرعي:
المتولد من الزنا ذكراً كان أو أنثى لا يعتبر منتسباً من الناحية الشرعية إلى من تولد منهم، ولا تنطبق عليه أحكام التوارث وغيرها مما هو بين ذوي النسب الشرعي، باستثناء محرمات النكاح من النسب والمصاهرة والرضاع.
فلا يجوز للرجل أن يتزوج بنته من الزنا، وأخته، ولا بنت ابنه، ولا بنت بنته، ولا بنت أخيه، أو أخته، لأنها وإن تكن من الزنا، فإنها مِنْ ماء مَنْ تولدت منه حقيقة وواقعاً.
ولو زنا بامرأة فولدت منه ذكراً وأنثى حرمت المزاوجة بينهما، وكذا بين كل منهما وبين أولاد الزاني والزانية، الحاصلين بالنكاح الصحيح، وكذا حرمت الزانية وأمها وأم الزاني وأختها على الذكر، وحرمت الأنثى على الزاني وأبيه وأجداده وإخوته وأعمامه. ولو زنا بامرأتين مثلاً فولد من إحداهما ذكراً ومن الأخرى أنثى فهما أخ وأخت من أب واحد، لا يجوز الازدواج بينهما.
لأن مدار حرمة النسبيات السبع (الأم، البنت، الأخت، بنت الأخ، بنت الأخت، العمة، الخالة) على اللغة، ولا ريب في الصدق اللغوي لو تحققت بالزنا، كصدقه لو تحققت بالوطئ الصحيح، وعليه الإجماع عند فقهاء الشيعة[4] .
وهو رأي الحنابلة والحنفية، أمّا الشافعية وبعض المالكية فأجازوا ذلك، جاء في المغني لأبن قدامة: (ويحرم على الرجل نكاح بنته من الزنا، وأخته، وبنت ابنه، وبنت بنته، وبنت أخيه، وأخته من الزنا، وهو قول عامة الفقهاء، وقال مالك والشافعي في المشهور من مذهبه: يجوز ذلك كله، لأنها أجنبية منه ولا تنتسب إليه شرعاً، ولا يجري التوارث بينهما، ولا تعتق عليه إذا ملكها، ولا تلزمه نفقتها، فلم تحرم عليه، كسائر الأجانب)[5] .
ومحور الخلاف في المسألة تمسك الذين منعوا الزواج بالنسب اللغوي والعرفي، والتزام الذين أجازوا الزواج بنفي النسب شرعاً.
الزنا والمصاهرة:
سبق الحديث في الدرس الماضي أنه يحرم بالمصاهرة أربعة أنواع: زوجة الأصل، الاب وإن علا، وزوجة الفرع، الابن وإن نزل، وأصل الزوجة، أمها وإن علت، وفرع الزوجة المدخول بها، ابنتها وإن نزلت.
هذا حينما تكون المصاهرة بعقد زواج شرعي، أمّا لو حصلت علاقة جنسية غير مشروعة ( زنا) بين رجل وامرأة، فهل يترتب على ذلك حرمة التزاوج بين الأنواع المحرمة بالمصاهرة؟ أم لا؟
يتضح الجواب في النقاط التالية:
1- إذا كان متزوجاً وقد دخل بزوجته، ثم حصل الزنا بينه وبين ام زوجته او بنتها او اختها، فإنّ الفقهاء متفقون على أن هذا الزنا الطارئ بعد الزواج والدخول لا يوجب التحريم، ولا أثر له على العلاقة الزوجية المشروعة القائمة.
وذلك للإجماع ولما ورد في جملة من النصوص من أنّ الحرام لا يفسد الحلال، كالحديث المروي عن زرارة عن أبي جعفر الباقر أنه قال في رجل زنى بأم امرأته أو بنتها، أو بأختها، فقال: « لا يحرّم ذلك عليه امرأته، ثم قال: ما حرم حرام حلالاً قط »[6] .
2- إذا حصل الزنا بعد العقد وقبل الدخول بالزوجة، فالمشهور والمعروف بين فقهاء الشيعة أيضاً عدم التحريم. فلو تزوج امرأة ثم زنا بأمها أو أختها أو بنتها لم تحرم عليه امرأته، وكذا لو زنا الأب بامرأة الابن لم تحرم على الابن، وكذا لو زنا الابن بامرأة الأب، لا تحرم على أبيه[7] .
وذهب بعض الفقهاء كالشيخ يوسف البحراني، إلى أنّ الزنا بأصل الزوجة أو فرعها قبل الدخول بالزوجة يوجب التحريم، مستدلاً بروايات اعتبرها الفقهاء ضعيفة السند.
3- إذا كان الزنا بالعمة أو الخالة، لم يجز له بعد ذلك أن يتزوج من بناتهما وذلك بإجماع فقهاء الشيعة، معتمدين على روايات صحيحة، كحديث محمد بن مسلم قال:سأل رجل أبا عبد الله وأنا جالس عن رجل نال من خالته في شبابه ثم ارتدع، يتزوج ابنتها؟ قال: لا[8] .
4- أمّا الزنا بغير العمة والخالة قبل الزواج، فإن المشهور بين قدامى الفقهاء أنه لا يوجب تحريماً، لورود أحاديث صحيحة بذلك، كما عن الإمام جعفر الصادق أنه سئل عن الرجل يأتي المرأة حراماً، أيتزوجها؟ قال: نعم، وأمها وابنتها[9] .
لكن المتأخرين من العلماء اشتهر بينهم القول بالتحريم، اعتماداً على روايات صحيحة أيضاً كما روي عن محمد بن مسلم عن أحدهما (الباقر أو الصادق) (عليهما السلام) أنه سئل عن الرجل يفجر بامرأة أيتزوج بابنتها؟ قال: «لا»[10] .
ويرجح الفقهاء المعاصرون رأي القدماء بالقول بالجواز لأن الروايات متعارضة، مع تكافئها، فالترجيح للموافق لكتاب الله تعالى وهو الجواز بنص الآية الكريمة ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ﴾ (سورة النساء الآية24)[11] .
لكنهم يرون أن الأحوط والأولى استحباباً الاجتناب.
رأي فقهاء السنة:
ذهب مالك في قوله الراجح، والشافعي إلى أنّ الزنا لا تثبت به حرمة المصاهرة، فلا تحرم بالزنا عندهما أصول المزني بها ولا فروعها على من زنا بها، كما لا تحرم المزني بها على أصول الزاني، ولا على فروعه، فلو زنا رجل بأم زوجته أو ابنتها لا تحرم عليه زوجته[12] .
ويرى الحنابلة أنه يثبت بالزنا تحريم المصاهرة قبل الزواج أو بعده، فإذا زنا بامرأة حرمت على أبيه وابنه، وحرمت عليه أمها وابنتها كما لو وطئها بشبهة أو حلالاً. ولو وطأ أم امرأته أو بنتها حرمت عليه امرأته[13] .
وكذلك هو رأي الحنفية والذين لا يقتصرون على الزنا في تحريم المصاهرة قبل الزواج أو بعده، بل يرون أن مقدمات الزنا أيضاً توجب التحريم فمن زنى بامرأة أو لمسها، أو قبلها بشهوة أو نظر إلى فرجها بشهوة حرم عليه أصولها وفروعها، لقولـه (صلى اللَّه عليه وآله وصحبه وسلم): ( من نظر إلى فرج امرأة لم تحل له أمها ولا بنتها) وتحرم المرأة على أصوله وفروعه، لأن حرمة المصاهرة تثبت بالزنا ومقدماته، ولا تحرم أصولها ولا فروعها على ابن الزاني وأبيه.
بل قال الحنفية: لو أيقظ الزوج زوجته ليجامعها، فوصلت يده إلى ابنة منها، فقرصها بشهوة، وهي ممن تُشتهى يظن أنها أمها، حرمت عليه الأم حرمة مؤبدة[14] .