هجـر القـرآن
﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً ﴾(الفرقان:30)الهجر في اللغة : هو ترك ما من شأنه أن يوصل .
فأي جهة كان ينبغي أن تكون على صلة معها ثم تتركها يقال لك بأنك هجرتها، ولا يقال لمن لم تعرفه أنك هجرته.
وفي هذه الآية يشكو الرسول إلى الله تعالى من هجر قومه للقرآن العظيم ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ (سورة الفرقان آية 30) وقوم محمد هم أمته وأتباعه ﴿ اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً﴾ وإنما قال سبحانه ﴿ اتخذوا ﴾ ولم يقل (هجروا) ليدلل على أن الهجر صار ديدنهم ومنهجهم وطريقتهم في التعاطي مع القرآن العظيم.
وقد اختلف المفسرون في المدلول الزمني لهذه الآية ،فهل حدثت هذه الشكوى في زمن النبي أم أنه سيرفعها الى الله في يوم القيامة؟
فبعض المفسرين قالوا بأنها حصلت عندما كان الرسول يقرأ على قومه القرآن وهم يستنكفون عن الاستماع إليه ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ (سورة فصلت آية26)
ولكن عدداً من المفسرين يرجحون أن تكون هذه الشكوى يوم القيامة، وأن الفعل ( وقال ) فعل ماض لكنه يدل على تحقق ما سيقع في المستقبل إنزالاً لمنزلة ما سيقع حتماً بمنزلة ما وقع فعلاً ، وهذا ما يستفاد من السياق العام للآية إذ يقول سبحانه ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُللانًا خَلِيلا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلانسَانِ خَذُولا * وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ ( سورة الفرقان آية28 – 30 )
والروايات تؤكد على مثل ذلك أيضاً ، وتندد بأولئك الذين يهجرون القرآن..
فقد ورد عن الفضل بن شاذان أنه سمع الإمام الرضا يقول مرة بعد مرة « فإن قال: فلم أمروا بالقراءة في فالصلاة؟ قيل: لئلا يكون القرآن مهجوراً مضيعاً وليكون محفوظاً فلا يضمحل ولا يُجهل ».[1]
وعن الإمام الباقر : «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : أَنَا أَوَّلُ وَافِدٍ عَلَى الْعَزِيزِ الْجَبَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ كِتَابُهُ وَ أَهْلُ بَيْتِي ثُمَّ أُمَّتِي ثُمَّ أَسْأَلُهُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَ بِأَهْلِ بَيْتِي».[2]
وعن الإمام الصادق أنه قال : « السُّورَةُ تَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ قَدْ قَرَأَهَا ثُمَّ تَرَكَهَا فَتَأْتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ وَ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ مَنْ أَنْتِ فَتَقُولُ أَنَا سُورَةُ كَذَا وَ كَذَا فَلَوْ أَنَّكَ تَمَسَّكْتَ بِي وَ أَخَذْتَ بِي لَأَنْزَلْتُكَ هَذِهِ الدَّرَجَةَ » [3]
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ : «قَالَ الْقُرْآنُ عَهْدُ اللَّهِ إِلَى خَلْقِهِ فَقَدْ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَنْظُرَ فِي عَهْدِهِ وَ أَنْ يَقْرَأَ مِنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسِينَ آيَةً » [4]
وهجر القرآن يقابله الاهتمام بالقرآن ، ويمكن ملاحظ الأمر في اتجاهين
هجر التلاوة والحفظ
هناك فئة من الناس تقبل على القرآن باحترام شديد فتقرأه على كل حين وتحاول حفظه ونشره بين الناس ... وهذا مصداق واضح على الاهتمام بالقرآن ، على العكس تماماً من ذلك الذي لا يحترم القرآن ولا يقرؤه ولا ينظر فيه ولا يحفظ منه شيئاً وعلى هذا ينبغي أن يكون لدى المسلم برنامج يومي لمطالعة القرآن الكريم، وهذا ماكان عليه آباؤنا وما ينبغي أن نربي عليه أولادنا، وفي الرواية عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ « قَالَ مَا يَمْنَعُ التَّاجِرَ مِنْكُمُ الْمَشْغُولَ فِي سُوقِهِ إِذَا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ أَنْ لا يَنَامَ حَتَّى يَقْرَأَ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ فَتُكْتَبَ لَهُ مَكَانَ كُلِّ آيَةٍ يَقْرَؤُهَا عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَ يُمْحَى عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ . » [5] وهكذا ينام الإنسان وهو مشغول بذكر الله،كما أن وآياته تساعده على فهم وتدبر ما عاشه اليوم وما يرجوه غداً، والإنسان الذي يمر عليه اليوم والأسبوع دون أن يفتح القرآن أو يستمع له يعتبر هاجراً للقرآن، والنبي يقف في وجهه يوم القيامة قائلا، لماذا رتبت أولوياتك اليومية من نوم وغذاء وجلسات ومشاهدة ومشاهدة وسماع .. ولم تخصص للقرآن حصة من وقتك! لماذا لم تقرأ !!لم تسمع !!
على أن بعض الناس يدعي أن القراءة دون التدبر لاتفيد شيئاً، فبإمكان هؤلاء أن تكون لهم قراءتان للقرآن قراءة طولية وقراءة معمقة ويستحق القران ان نقرأه لأكثر من هدف..
الهجر المعنوي
يحمل القرآن في طياته القيم والمفاهيم والبرامج التي يحتاجها الإنسان في حياته، والقرآن مشروع تحرير
وتنوير « يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ » (سورة لأعراف آية157)
وعلى الرغم من أننا نقرأ هذه الآية وأمثالها ولكنها لاتحرك فينا ساكناً ، ذلك لأننا نعيش حالة الهجر مع القرآن ، كالولد الذي يسمع كلمات أبيه دون أن يعمل على تطبيقها استهانة واستخفافاً
إن أمتنا الإسلامية تمتلك أفضل البرامج وأفضل القيم لإدارة حياتها؛ وأول برنامج يراه القرآن الحكيم هو العلم والتعلم ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (سورة العلق آية1) فماهي مدى استجابتنا للقراءة والمطالعة وهي أول آية ينزل بها كتابنا ؟
وأين نحن من الشورى أين التعاون والوحدة أين النظام أين وصلنا بمستوانا السياسي والاجتماعي والديني المعاش.. إن تخلفنا في كل ذلك مؤشر واضح على داء الهجر الذي انتابنا فصار القرآن لايتجاوز تراقينا
ينبغي لنا أن نراجع أنفسنا (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا) على الصعيدين الظاهري والعملي ، ماذا تركنا وماذا ينبغي علينا أن نصل وماذا نترك حتى يصدق علينا أننا متمسكون بالقرآن بعيدين ممن يقف الرسول الأعظم في قبالهم وهو ينادي ﴿ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً ﴾.