قاضي: الشيخ الصفار كان له السبق في معالجة مسألة التعايش والسلم الاجتماعي داخل الوطن
التعايش والسلم الاجتماعي
لا بد وان يقف الإنسان وهو يتدبر القرآن عند الآية الكريمة(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم) تسمعها دائماً في المؤتمرات والحوارات والندوات ولكن في ميدان التطبيق نبعد عنها بمسافة وكأننا لم نعرف مضامينها العميقة.
في مؤتمر المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة الذي انعقد في الرياض قبل سنوات عديدة، التقطت من معرض الكتاب المقام على هامش المؤتمر كتاباً بعنوان(مفهوم التعايش في الإسلام) للدكتور عباس الجراري وهو من مطبوعات المنظمة التي استهدفت بطباعته تعريف شعوب العالم بالثقافة الإسلامية وبهدف التقريب بين الثقافات وهي ضمن سلسلة إصداراتها في إطار برنامج تصحيح المعلومات الخاطئة التي تنتشر عن الإسلام والمسلمين لا سيما وان الإسلام يتعرض دوماً لمحاولات تشويه صورته المشرقة في محافل عديدة وبأساليب متعددة.
ولقد فاتني أن اذكر أن المؤلف أستاذ بجامعة محمد الخامس في الرباط ولست بصدد الخوض في محتويات الكتاب والموضوعات فيه بقدر ما أردت الثناء على المنظمة لاختيارها موضوع الكتاب الذي خلص إلى الدعوة إلى الحوار لتحقيق المزيد من التفاهم المفضي إلى التعايش.
في العام التالي للمؤتمر، كنت وبعض الزملاء في زيارة لماليزيا والتقينا بداتو د. عبدالحميد عثمان وزير الدولة للشؤون الإسلامية آنذاك وأراد أن يدعونا لحفل مسابقة القرآن وكان قد جرى حديث بيننا عن مسألة التقارب والتعايش بين الثقافات مع المسلمين أنفسهم أو مع غير المسلمين وكان يشيد بالرسالة التي وجهها السيد محاضير محمد رئيس الوزراء آنذاك في مركز اكسفورد بالمملكة المتحدة في ابريل 1996م بعنوان (الإسلام الذي أسيء فهمه) والمحاضرة جديرة بالاطلاع عليها وفيها ما يؤكد أهمية إيجاد حل حقيقي لمعضلة تصحيح المفاهيم المغلوطة للإسلام التي يعتنقها ويتبناها البعض ويتمنى استبعادها نهائياً عن تفكيرهم ويحملهم مسؤولية الجمود والنمطية بسبب هذا الفكر الذي جعلوه هكذا وأنهم مالوا لأن يكونوا قساة متعصبين بدون تسامح عند تفسيرهم للآيات أبان عنفوان الإمبراطورية الإسلامية.
إذا ًلا عجب أن يفرح غير المسلمين بالمشاكل التي تواجه المسلمين في محاولاتهم للتواؤم مع المتغيرات الحديثة او في القدرة على التعايش مع الآخرين. والسيد محاضير محمد يؤكد حقيقة واحدة مهمة وهي أن العالم سيكون مكاناً أفضل للتعايش إذا استطعنا أن نزيل هذه المفاهيم المغلوطة.
ونظرا إلى أن هذه المحاضرة كانت مقدمة أساساً إلى غير المسلمين في انجلترا فكان من الطبيعي جدا أن يغفل موضوع أهمية التعايش بين المسلمين أنفسهم بل بين بعض الأطياف الدينية والثقافية داخل الوطن الواحد، وفي هذا السياق يجدر الإشارة إلى أن فضيلة الشيخ حسن الصفار كان له فضل السبق في المساهمة في معالجة مسألة التعايش والسلم الاجتماعي داخل الوطن، من خلال مؤلفه التنوع والتعايش( بحث في تأصيل الوحدة الاجتماعية والوطنية) صدر عام 1999م عن دار الساقي، إلا أن كتابه الذي صدر عام 2002م بعنوان السلم الاجتماعي (مقوماته وحمايته) كان يعالج نفس الذي طرحه في الأساس أمام ندوة الدكتور راشد المبارك في الرياض وتضمن مداخلات وتعقيبات كل من الدكتور عبدالله الحامد والدكتور راشد المبارك وعدد من أصحاب الفكر الذين أكدوا على قدرة الشيخ حسن الصفار لوضع الملامح الأساسية لنزع فتائل الخلاف والكراهية التي تؤثر على ثقافتنا وان هذه المهمة لا يضطلع بها إلا المثقف، والمثقف الديني بصفة خاصة.
ولعل أكثر ما لفت نظري في هذا الصدد التساؤلات التي أثارها فضيلة الشيخ الصفار وكيف أن بعض الشعوب تنعم بالاستقرار والسلم والاجتماعي وتركز على بناء أوطانها بينما تعاني شعوب أخرى أهوال الاحتراب الداخلي والصراعات مما ينعكس سلباً ويزيد من سوء واقعها المعيشي. وكيف أن هذه الأمور لا تحدث صدفة في هذا الكون القائم على النظام والدقة من قبل الخالق الحكيم (ولنا وقفة أخرى)[1] .