الإصلاح والمعاصرة في خطاب الشيخ الوائلي
بمناسبة رحيل عميد المنبر الحسيني، الدكتور الشيخ أحمد الوائلي، وتكريماً لدوره الريادي، أقامت ممثلية آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي حفظه الله، والحوزة العلمية الزينبية، احتفالاً تأبينياً مساء يوم السبت ليلة الأحد 20 جمادى الأول 1424هـ الموافق 20/7/2003م، حضره جمع كبير من أساتذة الحوزة العلمية وطلابها، ومن الجماهير المؤمنة، وكان خطيب الاحتفال سماحة الشيخ حسن الصفار، والذي تحدث عن الإصلاح والمعاصرة في خطاب الشيخ الوائلي وركز على النقاط التالية:
• أهمية الدور الريادي الذي قام به الفقيد الراحل، في تطوير خطاب المنبر الحسيني، حيث نقله من المستوى التقليدي، الذي يقتصر على طرح السيرة الحسينية، والقصص التاريخية، والوعظ الإنشائي المكرر، إلى منهجية الطرح العلمي الموضوعي، فدخل المنبر الحسيني عهداً جديداً، أصبح له فرسانه من الخطباء المجددين المبدعين، الذين استلهموا تجربة الشيخ الوائلي، وأضاف بعضهم إليها لمساته التطويرية.
• كان الشيخ الوائلي يتخاطب مع النخبة المثقفة، ويقدم الجديد حتى للأوساط العلمية، في الوقت الذي كان فيه خطابه توعوياً وتنويرياً لجمهور الناس.
وتلك ميزة هامة يفتقدها كثير من العلماء والأكاديميين المتحدثين، الذين يصعب عليهم تقديم المعرفة بأسلوب جماهيري واضح، وكذلك الخطباء الذين يستقطبون الجمهور، لكن الشريحة المثقفة لا تجد في خطاباتهم ما يبرر صرف الوقت في استماعها. أما الشيخ الوائلي فكان يفيد الجمهور بوضوحه الرزين، ويرضي الوسط العلمي والشريحة المثقفة بجديده المعرفي وطرحه المنهجي.
• التزم الشيخ الوائلي في خطاباته بلغة الإصلاح، حيث يناقش المفاهيم والأفكار، ويكرّس القيم وأخلاقيات التسامح والتعايش، دون أن يقع في منزلق الخلافات والصراعات التي كانت تملأ سماء المنطقة، من نزاعات طائفية أو مرجعية أو فئوية.
لقد حرص على حفظ استقلال المنبر الحسيني، وعدم توظيفه في أي خلاف أو صراع، ليحتضن كل أبناء الحسين بمختلف توجهاتهم، وليستقطب الراغبين والعاشقين للمعرفة ولمواقف التضحية والفداء من شتى المذاهب والتيارات.
• لقد مكنته دراسته الأكاديمية، وإطلاعه الثقافي الواسع، وقراءته للتيارات والمدارس الفكرية المختلفة، من إنتاج خطاب ديني معاصر في شكله ومضمونه، فارتقى بالمنبر إلى مستوى الاهتمامات المعاصرة، بدل الاستغراق في حرفيات نصوص التراث، وقضايا التاريخ الغابر. كان يستلهم من التراث أصالته، ومن التاريخ عبره وتجاربه، ليسلط الأضواء على قضايا الواقع المعاش، وليخاطب المستمعين بلغة عصرهم.
• وأكد سماحة الشيخ الصفار في نهاية حديثه على ضرورة توجيه أبناء الشعب العراقي في هذه المرحلة الحساسة إلى أمرين مهمين:
1. تفجير طاقاتهم وكفاءاتهم في مجال البناء وإعمار العراق، وصنع نهضة علمية صناعية تكنولوجية، ليصبح العراق «يابان» المنطقة بالفعل. حيث تتوفر في العراق كل إمكانات التقدم والنهوض، من خيرات وثروات، وحيث يتمتع الإنسان العراقي بذكاء وقّاد، وإمكانات ذهنية ونفسية هائلة، ومع توفّر أجواء الحرية بعد زوال الطغيان.
2. نشر قيم التسامح والتعددية واحترام الرأي الآخر، لمعالجة آثار الحقبة السابقة، التي سادت فيها روح الاستبداد والكراهية، وإثارة الأحقاد والأضغان، لدى كل جهة ضد الأخرى.
يكفي الشعب العراقي ما عاناه من مرارات قاسية، وحان الوقت لكي يسود التعقل والاعتدال والاحترام المتبادل بين الجميع للآراء والحقوق.
وإنه لجريمة بحق مستقبل العراقي، إثارة العواطف والانفعالات والمشاعر العدائية تجاه بعضهم بعضا. إن ذلك يخدم مصالح أعداء العراق وأعداء المنطقة، الذين لا يريدون لها الاستقرار والتقدم.
فلنتق الله جميعاً، وليكن خطابنا الديني دعوة جادّة إلى التسامح والتعايش والمشاركة في بناء المصير والمستقبل المشترك.
تغمد الله الفقيد الراحل الشيخ الوائلي بواسع رحمته، وحشره مع النبي محمد وآله الطاهرين.