طعم العيد عندهم
الحمد لله العلي القدير أن وفقنا وإياكم لصيام شهره الكريم، شهر الرحمة والرضوان وسلَّمنا فيه بالعمل الصالح والقلب الطاهر إن شاء الله، لنصل إلى أول شهر شوال فرحين غانمين، سعداء مستأنسين، لقد كانت الفرحة في أعياد نبي هذه الأمة محمد «صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم» لا يزينها ولا يجليها إلا بذكر الله سبحانه، حيث ورد أنه كان يخرج في العيدين رافعاً صوته بالتهليل والتكبير، وكان يحث الناس ويقول لهم (زينوا أعيادكم بالتكبير).
بذكر الله يتزين العيد في نفوسنا وتحلو أجواؤه الإيمانية في أوساطنا، ليكون طعم العيد محبباً للنفس قريباً من القلب والحمد لله دائماً وأبداً على أفضاله ومننه ونعمه.
أردت في فرحة العيد أن أسأل نفسي وأهلي وأبناء مجتمعي الحبيب، هل طعم العيد عندنا كمواطنين واحد؟ هل مذاقه حلو عند الجميع؟ ألا يوجد بيننا من يؤلمه مجرد تذكر العيد؟ أليس بيننا من عيدهم مكدّر منغّص متعب؟
إذا كان معيل الأسرة وكفيلها يقضي أياماً وشهوراً وافرة من حياته في السجن بسبب أخطائه وتهوره، أو بسبب ظلم حل عليه، فان المجتمع برمته وابتداء بالعائلة التي ينحدر منها السجين تكون أمام مسؤولية التعامل مع ما تركه هذا السجين من أولاد وبنات وزوجات، خصوصاً في مناسبات الفرح والأعياد.
أعتقد أن أحسن وأجمل هدية تقدم لهم هو عمل جميع أسرهم وأصدقائهم وأحبابهم على إطلاق سراح كفيلهم والتكفل بما عليه من تبعات مالية على وجه الخصوص، وإذا لم تساعدنا الظروف على ذلك، فان ديننا وأخلاقنا وسجايانا لا تسمح لنا بأن نفكر في فرحة أولادنا وملابسهم وزينتهم وإسعادهم بعيدا عن أولئك الصغار والأطفال الذين سيشهدون لعب الأطفال، ويلحظون جديد لباسهم، ويرون البسمة ترتسم على أفواههم، ترى كيف هو طعم العيد عندهم؟ وما مذاقه في نفوسهم؟
فارقهم آباؤهم دون عودة، فحرموا حنانهم ورعايتهم، وأصبحوا أمانة في رقابنا، ومع أننا لن نستطيع أن نعوضهم الأبوة التي اختطفها الموت مهما بذلنا واجتهدنا، إلا أن القليل من العناية بهم قد يسهم في سعادتهم وراحة نفوسهم. ولعل مناسبات الأعياد من أرقى المقاطع الزمنية التي يمكننا فيها أن نؤدي بعض الواجب تجاههم عسى أن يجتازوا عيدهم والفرحة تغمر قلوبهم، ليركضوا و يلعبوا ويأنسوا تماماً كما يصنع أولادنا.
نقلت جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 5 نوفمبر 2002م ( أن 90 بالمائة من نزلاء دور المسنين في السعودية لا يجدون من يرعاهم غير الحكومة) أين تعبهم في تربية أولادهم إذن؟ أين عطاؤهم القديم لمجتمعهم؟ أين أمضوا زهرة أعمارهم وشبابهم ؟ ولماذا تقول الجريدة المذكورة ( ان إحدى المسنات تركها ابنها في حالة يرثى لها أمام الدار ووضع معها خطاباً يبدي فيه رغبته في إدخالها إلى الدار، وبعد البحث تبين أن لها (6) من الأبناء الذكور رفضوا جميعهم استمرار بقاء والدتهم معهم في منازلهم بالرغم من أن حالتهم المادية ميسورة).
لن أنزع فرحتكم بالعيد أيها القراء، لكننا في العيد أمام فرصة التصحيح لمثل هذا الخلل، لنصلهم ونزورهم ونكسر الروتين الذي عندهم فأغلب هؤلاء في شوق لرؤية أبنائهم وبناتهم وأحفادهم.
في أغلب المنازل هناك خادمة وهناك سائق، يمر العيد على هؤلاء الخدم وهم بعيدون عن أهلهم وأسرهم وأجوائهم المألوفة لديهم، لا يشك أحد في أن لكل واحد من هؤلاء عاداته الخاصة به وبمجتمعه، وطبائعه التي يتفاعل بها مع أبناء جلدته، كل ذلك صحيح ولكن يمكن أن يشركوا في فرحتنا العامة وأن يتداخلوا مع بعض تفاصيلها مع مراعاة كل العادات والتقاليد الدينية والاجتماعية التي لدينا، لأن ذلك خير من أن يبقوا حبيسي الدور والغرف المغلقة، والأعمال الروتينية اليومية.
لنفكر في عيدنا هذا أن نغَلّب إنسانيتنا على تفاصيل حياتنا كي نسعد ويسعد من حولنا.