سنّة إلى جانب الشيعة في صلاة القطيف
حضور وفد من إخواننا السنّة للصلاة في القطيف بالمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية يعد خطوة لا تقل أهمية عن المبادرات التي سبقتها من جانب المواطنين الواعين في مملكتنا الحبيبة.
لقد خرجتْ هذه المبادرة عن سياق النظريات والأفكار الوحدوية المجردة التي تحكى في المجالس الخاصة والغرف المغلقة، ثم تضاف لها خلطة كنتاكي السرية، بأنّ كلّ شيء يجب أن يتدرج، وأنّ العجلة تضر ولا تنفع، وأنّ الزمن القادم سيشهد تطورات تكون خيراً وصلاحاً لكلّ الأطياف.
منذ أكثر من عقد ونحن نسمع هذا الطرح الذي لم نتأخر في قراءته بشكل واضح، كنّا نفهم المغزى ونعي أنّ علينا التسلى بالكلام الجميل، الذي يطيب خواطرنا ويمتصّ بعض عتبنا، ويحمّلنا مسئولية الانقطاع عن الآخر وعدم التواصل معه، باعتبارنا نحن المشكلة كلّ المشكلة أو 99 في المئة منها.
بدأ إمام الجماعة الذي صلّى خلفه الوفد السني الكريم يوم الجمعة الماضي (فضيلة الشيخ حسن الصفار) سعياً حثيثاً استمر لسنوات طويلة، وهو يتواصل مع هذا ويطرق باب ذاك، متحدّثاً عن ضرورة التداخل والتواصل بين مكونات هذا المجتمع من أجل قوّته وحصانته ومنعته وقدرته على مواجهة أعدائه في الداخل والخارج.
لا بدّ من القول إنّ هناك استجابة نسبية، آخذة في التصاعد والتوسّع، لكنها لا تشبع طموح مجتمع يُقاوم الفتنة والتمزق والانفلات للمجهول، خصوصاً في ظروف جوار فالت من عقاله، عوّدته أيامه على تذوق دم أهله وسحق شركائه، واستباحة كراماتهم ومقدّساتهم، فكيف إذا أضيف لها الداخل بكم كبير من الخطابات المتطرفة وبيانات الشحن الطائفي.
لكننا وجدنا أنفسنا في بعض الحالات أمام مَنْ يخشى ويخاف مجرد الإعلان عن زيارته للشيخ الصفار، وقد فوجئنا ببعض الطيبين يتصلّون بنا هاتفياً للتنسيق الصريح بحثاً عن مكان وزمان لا يكون فيه أحد، ولا أثر فيه لإعلام أو لآلات تصوير أو ما شاكل حتى لا ترصد عليهم مخالفة تسهيل السبل في الانفتاح على الشيعة.
لن يُترك الوفدُ الذي جاء لأداء الصلاة بالقطيف في حال سبيله، بل ستنتظره الكثير من الضغوط المحترفة ليعلم الذنب الذي اقترفته يداه بصلاته مع الشيعة، ستتحرك جهات دينية تروّج لثقافة الفتنة، وسيسمع صداها في بعض المساجد، وهي تصرخ وتحذر من الشيعة الذين هم أشد خطراً من «إسرائيل» كما دأبت وتصرخ دائماً.
وستتحرك جهات تستغل مواقعها ومناصبها الرسمية شر استغلال، مخالفة كلّ جهود المملكة وعلى رأسها مبادرات خادم الحرمين الشريفين في الحوار والانفتاح على المذاهب والأديان الأخرى؛ لترسل لهؤلاء رسائل عتب ولوم على استعجالهم وتسرعهم، وهذه الرسائل قد تحمّل أحياناً بفركات إذن، لا يحتاج من ترسل إليه إلى كثير دراية بطريقة رسائل المتمكنين.
لستُ أدري بأيّ مقدار يجب أنْ نستبشر بهذه الخطوة التي أقدم عليها الوفد بحضوره للصلاة، ونكثر الحديث عنها، وهي بلا شك مهمّة وكبيرة في معناها على قلوبنا وهي محل الحديث في أغلب مجالسنا وديوانياتنا، فالتجارب عوّدتنا أنْ ننتظر قليلاً محتفظين بالفرحة في قلوبنا كي لا نشعر بالانكسار، ويشعر أهلنا من حولنا بالإحباط.
ليس هذا تشكيكاً في وفاء هؤلاء الإخوة الكرام، ولا في صلابتهم ورجولتهم ووعيهم بالمعادلة في بلادنا (حاشا لله) فخطوتهم مُباركة، وجهودهم مشكورة، لكن تجاربنا مع آخرين سبقوا أكسبتنا رأياً مؤداه (أنّ محاولات الإجهاض والإجهاز على المبادرات متشظية الجهات ومختلطة الأوراق).
لقد تجمّدت بعض المبادرات وأهلها يعبّرون عن أسفهم، لكننا نعذرهم حينما أفادوا أنّ قسماً من مصالحهم يرتبط بالتوقف المؤقت؛ لأنّهم شعروا أن بعضها على الأقل سيعطله مَنْ يستغل موقعه الرسمي، وهم يحتاجون إلى ختمه وتوقيعه وتسهيله لأمورهم.
ختاماً لن أزيد عن القول: مرحباً بكم يا إخوتنا، ونسأل الله أنْ يحمي بلادنا بوحدتنا وتكاتفنا وشدنا على أيدي بعضنا، وإذا كان هذا يحتاج لتضحيات فالواعون من أمثالكم هم أقدر الناس على بذل الغالي والنفيس حبّاً للوطن وكرامة لإنسانه.