الشيخ الصفار يستضيف الدكتور النجيمي
أجاب الشيخ الدكتور محمد بن يحيى النجيمي مشكورًا دعوة سماحة الشيخ حسن الصفار لزيارته في القطيف، حيث حلّ ضيفًا على الشيخ الصفار يوم الخميس 15/6/1429ﻫ الموافق 19/6/2008م، وبرفقته عدد من الدعاة والشخصيات السلفية، منهم:
الشيخ عبداللّه بن محمد اغميجان/ مستشار في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
الدكتور سلمان بن صالح الدخيل/ أستاذ الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.
الشيخ فلاح بن حمود الدوسري/ يحضر الدكتوراه في معهد القضاء العالي.
الأستاذ إبراهيم بن محمد الشثري/ مدرس في المعهد العلمي بجامعة الإمام في الرياض.
الشيخ خميّس بن بطي المنيخر/ رجل أعمال.
الدكتور خالد الدوسري/ رجل أعمال ومستشار في الدراسات الاقتصادية والصناعية.
الدكتور محمد بن حسن بن علي الشهري/ رجل أعمال.
الدكتور بدر بن عبداللّه الغامدي/ رجل أعمال.
الشيخ تركي اللطيف/ داعية.
الأستاذ فهد بن وليد العجمي.
في الساعة الثامنة والنصف مساءً بدأ برنامج الاحتفاء بالضيوف الكرام، بتلاوة عاطرة من كتاب اللّه المجيد، رتلها الأستاذ حسين الربعان، ثم ألقى سماحة الشيخ حسن الصفار كلمة افتتاح وترحيب عرّف فيها بضيفه الدكتور النجيمي والسادة المرافقين له، وفيما يلي نص كلمته:
مرحبًا بكم جميعًا وقد جئتم لتشاركونا الحفاوة والسرور، بمقدم هذا الضيف الكريم، الذي هو في الواقع من أهل الدار، إنه يشرفنا وبمعيته عدد من العلماء والدعاة، والمثقفين، الذين جاؤوا تفعيلًا لنهج التواصل، وتحقيقًا لنهج التآخي، والحوار والتعاون على البر والتقوى إن شاء اللّه، أبدأ في تقديم ضيفنا الكريم بطرح فكرة أرجو ألا تأخذ كثيرًا من الوقت.
قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جميعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ (سورة آل عمران، الآية: 103).
لا يوجد أمة من الأمم يقدس تراثها ودينها الوحدة والتآلف كما هو الحال في الأمة الإسلامية، لأن الدين يعتبر الوحدة في سلم الأولويات، وعلى رأس القائمة، حتى قال أحد العلماء المصلحين وصحيح ما قال: قام الدين على دعامتين (كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة).
الوحدة لها موقعيتها الأساسية والإستراتيجية في الفكر والتشريعات الإسلامية، ولا نكاد نجد أمة من الأمم لها دين أو تراث يعطي للوحدة هذه المكانة والأهمية التي أعطاها الإسلام، كما أنه لا توجد أمة من الأمم بين أبنائها وشائج الترابط الروحي، والتواصل النفسي والاجتماعي، كما هو الحال في الإسلام.
هذا الدين الذي يجمع أبناءه في عقيدة واحدة، فهم يؤمنون باللّه سبحانه وتعالى ربًّا، وبمحمد نبيًّا، وباليوم الآخر معادًا ومصيرًا، ويؤمنون بكتاب واحد وهو القرآن الكريم، المكمل لكل الكتب السماوية التي سبقته، نؤمن بكل ما أنزل اللّه، كتابنا هو كتاب واحد وهو القرآن الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ونلتزم جميعًا بمرجعية واحدة، وهي الكتاب والسنة، ونصلي إلى قبلة واحدة، وبين أبناء هذه الأمة مشتركات عظيمة وكبيرة، تقوي وشائج الارتباط الروحي فيما بينهم، من أركان الإسلام وفرائضه وأخلاقه وحدوده، لا يوجد أمة من الأمم بين أبنائها من الوشائج الروحية كما هو الحال في أمة الإسلام.
لكننا يجب أن نعترف أيضًا أنه مع الأسف الشديد، فإن الأمة الإسلامية وخاصة في هذا العصر، تعاني من ضعف التواصل فيما بين شرائحها وأبنائها، بل تعاني من النزاعات في كثير من بلدانها ومجتمعاتها، الأمم الأخرى وصلت إلى مرحلة الاستقرار السياسي والاجتماعي، بل بدأت تكوين الأحلاف والتكتلات على المستوى العالمي، مع كل ما بين تلك المجتمعات والأمم من خلافات وتناقضات فكرية ودينية وسياسية ومصلحية، ولكنهم بدؤوا يتكتلون حمايةً لمصالحهم، وأبرز نموذج هو الاتحاد الأوربي، مع أن بينهم كانت حروب دامية استمرت لقرون، وآخرها الحربان العالميتان الأولى والثانية، بينما الأمة الإسلامية مع كل مقومات الوحدة، وكل ما يدعوا إلى التآلف، تعيش كثير من مجتمعاتها وبلدانها حالات من النزاع والتفرقة والخلاف.
هناك عدة أسباب لما ذكرنا لكن أهمها، كما أرى، ثلاثة أسباب:
السبب الأول: السبب التاريخي، فعندنا تاريخ وتراث من القرون السابقة، حصلت فيه اختلافات، والأجيال تتوارث تداعيات وآثار تلك الاختلافات التي حصلت في عصور سابقة.
السبب الثاني: وجود أعداء طامعين يغذون ويشجعون هذه الاختلافات داخل الأمة.
السبب الثالث: ضعف المناعة داخل الأمة، لوجود حالة التخلف، فيما يرتبط بالنظم السياسية في كثير من بلاد المسلمين، وفي نمط العلاقات الاجتماعية، هذا التخلف وهذا الضعف في المناعة الذاتية، هو الذي أعطى الفرصة للأعداء، ولكن وللّه الحمد، لا تزال هناك إرادة في عمق هذه الأمة لتجاوز هذه الحال، وهذه الإرادة تتجلى في الدعوات الصادقة المخلصة التي بادر إليها قادة سياسيون، في طليعتها مبادرة خادم الحرمين الشريفين في الحوار الوطني، وفي عقد قمة مكة الاستثنائية، وأخيرًا في الحوار الإسلامي العالمي، وفيما يطمح إليه من وجود حوار بين الأديان، خدمة للسلم والسلام العالمي.
وجود هذه المبادرات السياسية هي التي تعطي الأمل الكبير لأبناء هذه الأمة، وكذلك وجود علماء ودعاة ومفكرين، يتحملون مسؤوليتهم في دعوة الأمة للوحدة، وتذكيرها بهذه الفريضة الأساسية، ونحن في هذه الليلة نحتفي بقدوم علم من الأعلام، رجل فاضل له حضوره في المجال العلمي والإعلامي والثقافي، ضيفنا الدكتور الشيخ محمد بن يحيى النجيمي.
بدأ الدكتور النجيمي كلمته بـ: أشكر أخي الشيخ حسن أن أتاح لي هذه الفرصة، في هذه الأمسية المباركة، أن أتحدث إليكم وأن نتدارس معكم أمورنا، وقضايانا الداخلية، ووحدتنا الوطنية، التي أشار الشيخ إليها إشارة عظيمة ومباركة.
لا شك أيها الإخوة أنني سعيد في هذه الليلة وقد رأيت أخي الشيخ حسن وفي مجلسه الأفاضل والأخيار من جميع القبائل، والمحافظات في المنطقة الشرقية، وهذا أمر يدل على أن هناك وحدة وعلى أن هناك تضامنًا، وأن هذا المنهج المبارك، الذي تسير عليه حكومتنا المباركة، منذ تأسيس هذا الكيان المبارك.
وأضاف: أيها الإخوة، الحقيقة إني أريد أن تسمعوا ما عندي، وأن أسمع ما عندكم حتى لا ينقل إليكم أو إليَّ ما ليس صحيحًا.
المواجهة والحديث الطيب مع بعضنا هو أفضل الطرق للحوار، عندما بادر خادم الحرمين الشريفين حفظه اللّه بالحوار، أولًا الحوار الداخلي، كما قال أخي الشيخ حسن وفقه اللّه، هو حوار جرى بين السعوديين ونجح، فلما نجح هذا الحوار ارتأى قائدنا أن ينقله إلى ساحتنا الإسلامية، فكان الاجتماع الاستثنائي بمكة المكرمة، ومؤتمر القمة الاستثنائي الذي رأسه حفظه اللّه بمكة المكرمة، انتقل الآن إلى الحوار الإسلامي، ليس على المستوى المحلي، على المستوى الإسلامي كله، ثم انتقل حفظه اللّه إلى مرحلة أهم من هذا، إلى مرحلة الحوار الإسلامي العالمي، مع كل الأديان والمذاهب والاتجاهات، لأن البشرية لا بد أن تتعايش، لأن اللّه سبحانه وتعالى لو أراد أن يهدي الناس لجعلهم جميعًا مسلمين، أو جميعًا نصارى، أو جميعًا يهودًا، ولكنه سبحانه وتعالى لحكمة يراها، أراد هذا التنوع، لذلك لا بد للبشرية أن تعيش مع بعضها البعض.
أيها الإخوة، أنا أبتدئ بما هو مسطر عندنا في كتبنا، التي تحدد العلاقة بين المسلمين تحديدًا دقيقًا، قال صلى اللّه عليه وسلم: (من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له مالنا، وعليه ما علينا)، هذا حديث شريف، وهو عندنا يا أخوان في كتاب العقيدة الطحاوية، فهذا الكتاب هو مقرر على طلبة كلية الشريعة، في الثلاث سنوات الأخيرة، الثانية والثالثة والرابعة. حدد (صلى اللّه عليه وسلم) في هذا الحديث أصل العلاقة بين المسلمين، وهي أنهم، حتى وان حصل بينهم اختلاف في العقائد، إلا أن أهل السنة يرفضون رفضًا قاطعًا، والسلفيين بصفة خاصة أن يكفروا من قال لا إله إلا اللّه وأن محمدًا رسول اللّه، في هذا ماذا يقول الشارح؟ يقول: أهل قبلتنا من يدعى الإسلام، ويستقبل القبلة، وإن كان من أهل الأهواء، أومن أهل المعاصي، ما لم يكذب بشيء مما جاء به المصطفى صلى اللّه عليه وسلم.
يا إخوان، هذا الأمر أو هذا الكلام من إمام كبير، وهو المنهج السلفي الصحيح، وليس منهج القاعدة الذين يكفِّرون، والذين يقتلون الناس، هذا هو المنهج منهجنا نحن أهل السنة ناحية الآخرين، أو تجاه الفرق الإسلامية الأخرى، إنه هذا هو المنهج الصحيح (من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له مالنا، وعليه ما علينا)، هذه مقدمة يا أخوان حتى أبين لكم ما يشاع.
موضحًا أن للشيخ الصفار كتابًا قيمًا في قضية التعايش بين السلفيين وبين الشيعة، سآخذ منه مقتطفات فيما بعد، لكن أردت أن أقول لكم بداية أن هذه هي نظرتنا إلى الآخرين، هذه هي نظرة جمهور علماء السلف في هذا الموضوع، حتى إن من مبادئنا ما ورد في نفس الكتاب، من أنه قد يكون القول في ذاته طبعًا، هذه نظرتنا نحن، قد يكون للآخرين تفسير في الفرق الأخرى، ولكن نظرتنا نحن أنه قد يرتكب المسلم من أي طائفة كان. خطأً، قد يصل به إلى الكفر، لكن لا يكفَّر هو عينه، قد يكون الفعل كفرًا، أو القول، لكن هو لا يمكن أن يكون كافرًا أبدًا، لأنه قد يكون له عذر، أما من جهل، أو من تأويل، أو لأي سبب آخر، لهذا تجدون الشارح يقول: ولأن الشخص المعين يمكن أن يكون مجتهدًا مخطئًا مغفورًا له، ويمكن أن يكون ممن لم يبلغه مما وراء ذلك من النصوص، ويمكن أن يكون له إيمان عظيم، وحسنات أوجبت له رحمة اللّه، كما غفر للرجل، الذي قال: إذا مت فاسحقوني، ثم ذرّوني، ثم غفر اللّه له لخشيته. ثم ينتقل الشيخ سريعًا ليرد على من يُكفِّر، ويقول: ثم إذا كان القول في نفسه كفرًا، قيل إنه كفر، لكن لا يستلزم كفر القائل، إلا بتوفر شروطه، وانتفاء موانعه، نحن عندنا لا يمكن أن يكون المسلم مهما ارتكب، حتى لو ارتكب قولًا أو فعلًا فيه كفر، لا يمكن أن يكون كافرًا، إلا أن يكون عالمًا متعمدًا ومختارًا، ثم إنه قد يكون جاهلًا، وأنتم تعرفون قصة هذا الرجل وهو حديثه ثابت عندنا، أنه قال لأولاده: إذا مِت فاحرقوني، ثم ذرو رمادي في يوم شديد الريح في البحر، فو اللّه لأن قدر اللّه علي ليعذبني عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين، ومع ذلك غفر اللّه له، قال الشيخ ابن القيم: لأن هذا مبلغ علمه، وهذا هو اجتهاده، ولم يقل ذلك تكذيبًا، ولا عنادًا، فغفر اللّه له.
واسمحوا لي أن أطيل عليكم في هذه المقدمة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية مبينًا هذا الكلام بيانًا شافيًا، أولًا يقول الشيخ رحمة اللّه تعالى عليه، وهو يتحدث عن فرقة الجهمية، الذين كانوا يعاصرونه: ولهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاة، الذين نفوا أن اللّه تعالى فوق العرش، لما وقعت محنتهم، أنا لو وافقتكم كنت كافرًا، لأني أعلم أن قولكم كفر، وأنتم عندي لا تكفرون، لأنكم جهال. يعني الشيخ عذرهم فيما ذهبوا إليه من القول، ولم يكفرهم.
وهذا هو قول السلف والأئمة أن من اتقى اللّه ما استطاع، إذا عجز عن معرفة بعض الحق لم يعذبه به، يا أخوان، هذه السماحة عند المسلمين أو عند إخوانكم السلفيين، وهي عند المسلمين إن شاء اللّه جميعًا، ماذا يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وهو يتكلم عن المعتزلة؟ يقول الشيخ: لم نخرجهم من دائرة الإسلام، ولم نحكم لهم بأحكام الكافرين، علمًا أن بعضًا من بدعهم فيها نوع من تكذيب بعض النصوص من الكتاب والسنة، ونفي صفات اللّه، إلى أن قال الشيخ: إن أهل السنة لم يصرّحوا أن مقالاتهم كفر وذلك لأجل تأويلهم، قد يكون الإنسان ليس جاهلًا، ولكن قد يكون عنده تأويل للنص، والتأويل هو أنه يفسر النص بتفسير آخر، يختلف عن تفسيرنا، نحن لا نكفره بذلك أبدًا، لماذا؟ لأن عنده شبهه، وعنده تأويل.
وقال: أريد أن أخرج بنتيجة في هذه المقدمة، هو أن ما يشاع عن إخوانكم السلفيين، أو ما قد تشاهدونه أو تسمعونه من القاعدة، وغيرها من الفرق المتطرفة، من أن إخوانكم السنة يكفرون الآخرين، ويتجرؤون على تكفير الآخرين، هذا كلام غير صحيح، تدحضه النصوص، وتدحضه الدلائل، وهذا واقع حقيقي، أحضرت لكم الكتب لأزيح من الطريق شبهة في أنه قد يقول جمهور الشيعة كيف نتحدث أو نتعامل مع قوم هم يكفروننا مثلًا؟ لكن نحن نقول: لا، هذا هو مذهبنا. وأنا لا أنظر لكم إلا كما نظر مشائخي وأئمتي، قد نختلف كما قال الشيخ حسن، قد تحصل تأويلات لأمور معينة، ولكن يبقى الحوار هو الذي يحكم هذه الأمور، فإن حصل اقتناع فبها، وإلا فالقول بأن هناك تكفيرًا من الجانب السلفي، وقد يجد الإنسان بعض الممارسات من هنا أو من هناك، لكنه لا يجد ذلك عند أكابر علماء أهل السنة، بل وعلى المعتمد عند أهل السنة وعند السلفيين بصفة خاصة، بل حتى إنه يدرس عندنا في معاهدنا العلمية وفي كلياتنا الشرعية.. كتب ليست للسلفيين، ولا لأهل السنة بشكل عام، مثلًا الإمام الشوكاني هو زيدي، وله كتاب التفسير يدرس في كلية الشريعة، وفي آخر عهده كان من الزيدية السلفية، ومع هذا تفسيره الذي ألفه قديمًا كان أقرب ما يكون زيديًا، ولم يكن قريبًا من السلفية في تلك الفترة، ومع هذا فإن كتابه فتح القدير يدرس في كلية الشريعة، كما أن كتاب الصنعاني وهو زيدي، سبل السلام، يدرس في كلية الشريعة في الرياض، كما أن كتاب اقتصادنا للسيد محمد باقر الصدر يدرس لطلبة كلية الاقتصاد في أقسام الاقتصاد الإسلامي، كما أن تفسير الجلالين وهو لجزء من أهل السنة وهم الاشعرية، لكنهم ليسوا سلفيين، ولكنهم من أهل السنة، يدرّس على طلبة المعاهد العلمية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، مما يدلنا يا أخوان أن هناك انفتاحًا، ونريد أن يستمر هذا، أريد أن أختم بموضوع مهم أيضًا ذكره مشائخنا وعلماؤنا في المملكة العربية السعودية وهو تحذيرهم، وهذا الكتاب يا أخوان اسمه ضوابط تكفير المعين، ألفه زميلنا الدكتور عبداللّه بن عبدالعزيز الجبرين، وقدم له عدد من المشايخ، ملخص هذا القول، أنه يحذر ويبين الضوابط ويحذر من تكفير المسلمين إلا بدليل وبرهان، مثل الشمس في رائعة النهار، وأتوا بأحاديث المصطفى صلى اللّه عليه وسلم من مثل قوله في حديث أبي ذر الغفاري: (لا يرمي رجل رجلًا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتد عليه إن لم يكن صاحبه كذلك)، وكذلك قال صلى اللّه عليه وسلم: (من دعا رجلًا بالكفر، أو قال يا عدو اللّه، وليس كذلك، إلا حارت عليه، وفي لفظ فقد كفر أحدهما يعني أن أحدهما يبوء بها، ويبوء بها الشخص الذي افترى على الآخر وظلمه).
بعد هذه المقدمة قال: مرة أخرى، أشكر الشيخ حسن على إتاحة هذه الفرصة لي، وأنتقل إلى الأصول التي يجب أن يتفق عليها المسلمون، حتى لا يتيحوا فرصة للمتطرفين من الجانبين، لأنه إذا في القضايا الرئيسة والمركزية لم يحسم فيها بعض الأمور، فسيترك للمتطرفين من الجانبين فرصة في أن يعتدوا على هذه الثوابت فينقضوها، ويحدثوا الفتنة بين المسلمين، أول هذه الأمور، أيها الإخوة، التي يجب أن يتفق عليها المسلمون، هو القرآن الكريم، كما قال الشيخ الصفار في المقدمة المباركة له، والتي أعتبرها مقدمة جميلة ورائعة للمحاضرة، عندما قال: نحن جميعًا لنا قرآن واحد، هو ما بين دفتي المصحف لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، هذا أصل متفق عليه بين المسلمين، ويجب أن يتفقوا عليه، هم اتفقوا عليه، ولكن نحن نقول يجب أن يؤكدوا على الاتفاق عليه، وأيضًًا فيما يتعلق بالقرآن بتفسيره، فإن من أهم ما يكون في تفسير القرآن الكريم هو أن يفسر القرآن بقرآن مثله، فالقرآن يفسر بعضه بعضًا، وبسنة محمد صلى اللّه عليه وسلم، وبأقوال الصحابة جميعًا من أهل البيت وغيرهم، وأيضًا بلغة العرب.
طالبًا من الحضور أن يكون صريحًا معهم في هذه النقطة، وقال: قد يوجد بعض الكتب المؤلفة التي قد تزعج المسلمين في هذا المجال، تزعج المسلمين من جميع المذاهب، ومن جميع الفرق، أنها توجد كتب تؤلف، وقد تكون مضى عليه زمن، ولكن يجب اتخاذ موقف حازم منها، ككتاب فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربّ الأرباب، هذا الكتاب هو لمؤلف اسمه ميرزا حسين النوري، هذا الكتاب يشعر عنوانه بأن هناك تحريفًا في القرآن الكريم، وقد رد عليه إحقاقًا للحق علماء من علماء السنة ومن علماء الشيعة أيضًًا، لكن ينبغي مثل هذه الأشياء ألَّا يسمح لها، أو أن يبين إذا كان لها تفسير أو معنى آخر، لأنه حتى الدكتور علي السالوس قال سألت من ينتمي إلى الإخباريين فنفى وندد بمثل هذا الكتاب، وقال: لا يمكن أن نقول به، نحن جميعًا إن شاء اللّه في هذا المجلس وفي غيره لا يمكن أن نقول به، لكن يجب علينا جميعًا أن نكون حاسمين في هذا، وهناك كلام جميل لأخي الشيخ حسن في هذا المؤلف (السلفيون والشيعة نحو علاقة أفضل)، الذي أقول إنه مؤلف جميل ورائع، علمًا من أن الشيخ يتواضع، الشيخ حسن قال فيه كلام عظيم نحو علاقة أفضل بين السلفيين والشيعة، قال: لا يقول بهذا القول ـ قول أن في القرآن نقصًا ـ إلا إنسان جاهل أو مغرض، وهذا كلام في قمة الروعة وفي قمة الدقة.
وأضاف: الثابت الثاني وقد ذكره الشيخ في حديثه هو نبينا وحبيبنا محمد صلى اللّه عليه وسلم، وهو صلى اللّه عليه وسلم رحمة اللّه إلى العالمين جميعًا، بواسطة جبريل عليه الصلاة والسلام، نزل القرآن إلى حبيبنا وسيدنا محمد صلى اللّه عليه وسلم، وحفظه هو وأصحابه، إلى أن وصلنا، وهو ما بين دفتي المصحف، والمصطفى صلى اللّه عليه وسلم أعطانا توجيهات ما صح منها فهو حجة علينا، لأن اللّه قال: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾. ورواه عنه أصحابه الأخيار الأفاضل، ومنهم عائشة رضي اللّه عنها، وأبو هريرة (رضي اللّه عنه)، وعلي(رضي اللّه عنه)، والحسن والحسين، وابن عباس، وأنس وغيرهم من الصحابة، ووصلت إلينا بسند صحيح، فالذين نقلوا لنا القرآن حتى وصل إلينا هم هؤلاء، وأيضًًا نقلوا إلينا أحاديث سيدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فما صح منه بالأصول الصحيحة فهو حجة على المسلمين، وأما ما اختلف المسلمون فيه، فصح عند هؤلاء، ولم يصح عند هؤلاء، فهذا معروف في كتب الحديث، ومعروف في طرق الحديث، لكنه قطعًا قد وصلنا منه صلى اللّه عليه وسلم أحاديث صحيحة صريحة، وقد قرأت كتابًا قبل أن آتي إليكم عند الشيخ حسن في مكتبته، لبعض العلماء الأخيار الذين جمعوا الأحاديث الصحيحة الموجودة هنا وهناك، سواء عند السنة أو عند الشيعة، وتوافق عليها الجميع.
موضحًا المبدأ الثالث وهو أهل بيت محمد صلى اللّه عليه وسلم، الذين يجب على الجميع حبهم، وأضاف: لقد أوصى بهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، دعوني أقرأ لكم كلامًا عن شيخ الإسلام ابن تيمية، لأني أريد أن أقول لإخواني الشيعة أن ما يقال عن أن أهل السنة، أو بعض أهل السنة، يشاع أنهم لا يحبون أهل بيت محمد صلى اللّه عليه وسلم، فهذا غير صحيح، ذكر الشيخ في العقيدة الواسطية، جاء سؤال لشيخ الإسلام ابن تيمية فأجاب لهم وتضمنت هذه أصول أهل السنة، ومنها:
ويحبون أهل بيته صلى اللّه عليه وسلم، ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، حيث قال يوم غدير خم: أذكركم اللّه في أهل بيتي، أذكركم اللّه في أهل بيتي، وقوله صلى اللّه عليه وسلم أيضًًا للعباس عمه، عم الرسول صلى اللّه عليه وسلم وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم، فقال: والذي نفسي بيده، لا يؤمنون حتى يحبونكم للّه ولقرابتي، ثم استمر الشيخ وقال: إن اللّه اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريش من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، صلى اللّه عليه وسلم وعلى آله وصحابته أجمعين، أي إن من أصول أهل السنة والجماعة، محبة آل البيت، بل أنا أقول يجب أن تكون من أصول المسلمين جميعًا، وهذا إن شاء اللّه هو الواقع، وأنا اعرف أنكم تحبون أهل بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكونكم تحبون أهل بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه حسنة كبيرة، وفضل عظيم، ونحن نشارككم في هذا الفضل، أنتم تحبونهم، ونعم بهذا الحب، ولكن نحن أيضًا نحبهم مثلكم، جزاكم اللّه خيرًا، وبارك فيكم، وهو من أصولنا محبتهم، يعني صار أصلًا متفقًا عليه.
ـ دعونا نذكر بعض أهل البيت، هم كثر(رضي اللّه عنهم)، على رأسهم علي بن أبي طالب (رضي اللّه عنه)، وفاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فاطمة الزهراء التي نحن جميعًا نحبها، لا أحد يكره فاطمة (رضي اللّه عنها)، هي بنت محمد صلى اللّه عليه وسلم، وهي زوجة علي بن أبي طالب، ونحب الحسن والحسين، ونعتقد بأنهما زهرة شباب أهل الجنة، وثبت هذا عندنا في الحديث عنهما رضي اللّه تعالى عنهما، والسلالة المباركة من زين العابدين، ومعروف السلالة التي أنتم تحبونهم، بل وترون عصمتهم، نحن لا نرى عصمتهم، لكن نحبهم جميعًا، الذين تحبونهم جميعًا بدون استثناء، ومنهم العباس عمّ محمد صلى اللّه عليه وسلم، وقبل ذلك حمزة هذا الشهيد العظيم (رضي اللّه عنه) الذي بكى عليه رسول صلى اللّه عليه وسلم، حبه دين هو وأهل البيت جميعًا، والعباس وابنه عبداللّه وعبيد اللّه، وهكذا وأنتم تعرفون أهل البيت جميعًا رضي اللّه عنهم، إلى يوم الدين، هذا أصل من الأصول وأعتقد بأننا جميعًا متفقون.
ـ ما حصل يا أخوان من يزيد للحسين، أبلغكم بشيء ونحن نتكلم بصراحة وشفافية شيخ الإسلام ابن تيمية لما سئل عن يزيد، وما فعله بالحسين، وما فعله بالصحابة في حرة المدينة، قال الناس فيه ثلاثة أنواع: أناس يبجلونه ويرونه أول من ركب السفينة، وذكر منهم الإمام أبو حامد الغزالي عليه رحمة اللّه ومن وافقه، وذكر هذا القول، وقال هناك من يبغضه ويلعنه، وقال هناك من يبغضه ولا يلعنه، لأن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لم يكن لعانًا ولا سبابًا ولا شتامًا، ثم ختم بالقول ونحن نبغض يزيد لأنه قتل أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الحرة، هذا موجود في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، وقتل الحسين، وقتل جيشه الحسين في العراق، وهذا موجود عندنا في الفتاوى، لأني أعلم أنه قد يقال إننا نحب يزيد، لا، نحن نبغض يزيد.
ـ ننتقل بعد ذلك إلى ثابت مهم وأصل، وأنا أجزم بأننا جميعًا نتوافق عليه، وهو محبة أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم، الذين بعث وهم معه، ومات وهم إلى جانبه، منهم من أسلم معه من البداية، كأبي بكر وعلي وخديجة رضي اللّه تعالى عنهم جميعًا، ومنهم من أسلم في مراحل أخرى، وهي ثلاث مراحل، أسلموا وناضلوا وجاهدوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكان أبو بكر معه في الغار، وكان علي(رضي اللّه عنه) كما تعلمون نائمًا في فراش رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فدى الرسول. وهكذا فإن الصحابة، أيها الإخوة، هم عدول جميعًا، نحن أهل السنة نعتقد أن الأفضل هو أبوبكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، وهناك رأي عند أهل السنة، وهو رأي الزيدية، أنهم يرون أن عليًا أفضل من عثمان، وحتى هو رأي عند أهل السنة، على كل حال الاختلاف في هذا سائغ، الشيعة يرون أن عليًّا أفضل من هؤلاء جميعًا، وهذه آراء طالما أنا متفقون جميعًا على أنهم عدول، وأنهم أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم، وأنه قد تزوج بنت أبي بكر عائشة رضي اللّه عنها، وأحبها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، بل كانت من أحب نسائه إليه، وكذلك تزوج حفصة بنت عمر، وزوج عثمان بنتيه رقية وأم كلثوم، وتعايشوا مع علي رضي اللّه تعالى عنه، وحصل بينهم من الود ومن المحبة، بل إن عليًا سمى بعض أولاده بأبي بكر وبعمر وبعثمان، وأنتم تعلمون ذلك، هذا الأصل يا أخوان، إن شاء اللّه جميعًا نتفق عليه. وقد سئل شيخنا الشيخ حسن الصفار عمن يسب الصحابة فقال حفظه اللّه وبارك فيه: لا يسبهم إلا جاهل أو مغرض، وما أجمل عبارة جاهل، لأنه قد يكون الإنسان يجهل، ويا أخوان، هذا مبدأ شرعي صحيح، لأنه ليس كل من حصل منه خطأ أنه مغرض، قد يكون جاهلًا، ولهذا قال الشيخ حسن عندما قيل له عن سبّ الصحابة، قال: تعتبر الإساءة بالسب والشتم للخلفاء الراشدين عملًا محرمًا خاطئًا، لا يصدر إلا من جاهل أو مغرض، وقد تحدث ضد هذه الظاهرة السيئة كثير من أئمة الشيعة وعلمائهم المصلحين، وهذا كلام صحيح، لأنهم، يا أخوان، حتى ولو كان لدى الإنسان رأي في بعض الأمور أو بعض التفصيلات، فإنه مثل ما قال الشيخ حسن أنهم يعتبرون رموزًا عند إخوتكم أهل السنة وأنهم يرونهم جميعًا عدولًا.
ـ بقي عندي نقطتان، النقطة الأولى وهي نقطة مهمة، وتتعلق ببيان أنه قد يؤخذ على السلفيين أنهم يتشددون في توحيد العبادة، هم قد يكونون كذلك، ولكنه تشدد يرون أنه هو منهج محمد صلى اللّه عليه وسلم، ثم إنهم لا يكفرون كما قلت لكم، إلا بتوفر شروط وانتفاء موانعه، توحيد العبادة جاء المصطفى صلى اللّه عليه وسلم والعرب جميعًا يقولون إن اللّه هو الذي خلق السموات والأرض، وخلقهم ورزقهم، ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّه﴾، المشكلة أنهم كانوا يعرفون هذا، ولم يأتِ محمد صلى اللّه عليه وسلم ليعلمهم ذلك، لأنهم يعلمون ذلك، وأغلب العالم يقول بذلك، إلا الدهريون الذين ينفون أن يكون هناك خالق للكون، وهؤلاء في كل الأعصار والأزمان مذمومون، لكنه صلى اللّه عليه وسلم جاء لتحقيق توحيد العبادة، وهم كان لهم اللات والعزى وغيرها، وكانوا يعتقدون أن هؤلاء رجال صالحون، وضعوا عليهم أصنامًا ووضعوا عليهم أشياءً، يعتقدون أن هذه تقربهم إلى اللّه، وهم في الحقيقة ما قالوا أنهم يعبدون هؤلاء، هم قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلا اللّه زلفى، ويقولون هؤلاء شفعاؤنا إلى اللّه، واعتقاد أهل السنة بصفة عامة، والسلفيون بصفة خاصة، أن هذه نقطة أساسية ينبغي أن نتحاور حولها، حتى يزول الشك حول قضية توحيد العبادة، السلفيون يأخذون على إخوانهم المسلمين من بعض الفرق الإسلامية، من أن هذا الأصل ليس متحققًا عندهم كما كان متحققًا عند أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم، وعنده صلى اللّه عليه وسلم، وهم يريدون تحقيق ذلك، غير أنهم لا يكفرون أحدًا، كما سمعتم، لكنهم قد يعتبرون أن هذا خطأٌ، أن هذا ضلال، ولكنهم لا يكفرون إلا في أضيق الحدود، ولا يكفرون أشخاصًا، هذا من أقل ما حصل في تاريخنا الإسلامي، ومن هنا التكفير خط أحمر عندنا، نحن لا نقبل به، ولكن نقبل بالحوار العظيم، والنقاش الجميل، في هذا الجانب، والجلوس مع بعضنا، والحوار مع بعضنا، لا نحب أن يكون في قلوب بعضنا ضد بعض غل، إنما نتحادث مع بعض، وكما قال الشيخ حسن في حواراته الجميلة، وفقه اللّه، وأنا اعتبره رمزًا وطنيًا فعلًا، قال ليس بالضرورة أن يتم اقتناع كامل، لكن المهم يجري الحوار، ويجري التفاهم، وتجري الصراحة، هو ما أقوله دائمًا للشيخ محمد علي تسخيري عندما ألتقي معه، وهو أيضًًا رجل لديه علم وافر مثل الشيخ حسن، ولديه خلق عظيم، وأنا أتحدث معه بالأريحية مثل ما أتحدث معكم الآن.
ـ أنتقل إلى نقطة الوحدة الوطنية، الوحدة الوطنية كما قال الشيخ حسن هي مهمة وأساسية، وقد تعلمون، أيها الإخوة، أنه منذ أن تأسس هذا الكيان العظيم منذ أكثر من 260 عامًا، وهو لم يفرق بين قبيلة وأخرى، ولا بين منطقة وأخرى، ولا بين طائفة وأخرى، وإنما كان مع الجميع، وحتى إن الملك عبد العزيز كتب للشيخ محمد بن إبراهيم، قال: أهل القطيف فيما يتعلق بأحوالهم الشخصية وأوقافهم ووصاياهم يسيرون فيها على ضوء المذهب الشيعي أو الجعفري، وهذا موجود عندنا حتى في النظام القضائي القديم، وهو موجود عندكم إلى الآن، هذه من توجيهات الملك عبدالعزيز، وكما قال لي الشيخ حسن وهو صحيح، وهو دائمًا يذكرنا بالأفعال الحسنة والرائعة، لأنه دائمًا محب للخير، ذكرني بأن الملك عبد العزيز عندما جاء هنا إلى القطيف، إنما جاء بدعوة من أهل القطيف، وأنهم بايعوا الملك عبدالعزيز ودخلوا في حكم الدولة السعودية بكل أريحية ومحبة، وهذا أمر صحيح وصادق ومقدر عندنا، وأنا دائمًا أكرر أن عندنا أربع أسس للوحدة الوطنية في المملكة العربية السعودية، والحمد للّه أني وجدت أن أبناء هذا البلد ملتزمون بها.
ـ أولًا: الشريعة الإسلامية نحن جميعًا مسلمون والحمد للّه، وعلى كتاب اللّه وسنة رسوله صلى اللّه عليه وسلم، ونتحاور، هذا من نعمة اللّه، أن هذه الجزيرة ليس فيها إلا دين واحد، و ليس فيها معابد إلا للمسلمين، ولن يكون فيها إلا للمسلمين، وهذا يا أخوان نعمة، والاحتكام لكتاب اللّه وسنة الرسول صلى اللّه عليه وسلم هذا شيء أساسي، لأنه تابع للدين، ونحن جميعًا وإياكم على هذا، وأنتم مثلنا لا ترضون بغير الشريعة والواقع يثبت ذلك.
ـ ثانيًا: إن هذه الأسرة المباركة أسرة آل سعود اتفق عليها أبناء هذا البلد بأنهم هم الحكام لهذا البلد وأجمع عليهم أبناء المملكة على اختلاف قبائلهم ومناطقهم ومذاهبهم وأطيافهم.
ـ المبدأ الثالث هو الوحدة الترابية، لهذا البلد المبارك، وأنتم تعلمون أن الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود عليه رحمة اللّه، ومن سبقه من أئمة وحكام آل سعود، الملك عبدالعزيز مكث 32 سنة وهو في الوحدة الوطنية، وهو يوحد هذه الأجزاء، وهذه القبائل التي كانت متناحرة، وكانت متقاتلة، هذا واقع لا بد أن نعترف به، وكل قبيلة وكل منطقة ترى أنهم هم الذين ينبغي أن يكون لهم السؤدد، حتى إنه وصل في بعض المناطق أن أجزاء من القبائل تتقاتل، وأجزاء من المناطق تتقاتل على السلطة، فأقام هذا الكيان العظيم، وقد أثبت السعوديون بمختلف قبائلهم واتجاهاتهم أنهم ثابتون على هذا المبدأ، ثم إن اللّه سبحانه وتعالى قد أكرمنا أيها الإخوة، بأن شعبنا يحترم المرجعية الشرعية ويقدرها، وأن علماءنا ومنهم الشيخ حسن، حريصون حرصًا كاملًا على الوحدة الوطنية، وعدم التفرق بين المسلمين، وأن يجري الحوار بالصدق والصراحة كما أنا معكم في هذه الليلة المباركة، وصلى اللّه وسلم على حبيبنا وسيدنا ومولانا محمد صلى اللّه عليه وسلم، وعلى آله أهل بيته الأطهار، وصحابته جميعًا، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، و السلام عليكم ورحمة اللّه.
بعد أن شكر الشيخ الصفار الدكتور النجيمي على حديثه الذي طرح فيه آراء المدرسة السلفية، وأنها لا تتبنى تكفير المسلمين كما يشاع عنها، وأنها تدين بحب أهل البيت، وتبغض يزيد بن معاوية لقتله زهرة شباب أهل الجنة، وجمعًا كبيرًا من الصحابة في واقعة الحرة.
وحديثه عن الآراء التي تختلف فيها المدرسة السلفية عن الشيعة، كبعض ما يرتبط بتوحيد العبادة من التوسل بالأولياء، حيث ترفضه المدرسة السلفية، والموقف من الصحابة، حيث يراهم السلفيون عدولًا كلهم، وموارد أخرى للاختلاف بين المدرستين.
كان لسماحة الشيخ الصفار التعقيب التالي:
النقطة الأولى: يا فضيلة الشيخ، إخوانكم الشيعة تتسع صدورهم لسماع الرأي الآخر، وكما رأيتم في المكتبة التي شرفتموني بزيارتها، رأيتم كتب التفسير والفقه والعقائد والتاريخ لمختلف المذاهب، وقبل أيام جاءني صحفي أمريكي وسألني: هل يوجد في مكتبتك كتب للسنة؟ أم هي كتب شيعة فقط؟ قلت له مكتبتي ليس فقط أنها تحتوي على كتب سنة وشيعة، وإنما فيها الإنجيل الكتاب المقدس لديكم أيها المسيحيون، ثم ناولته إياه فانبهر وصور النسخة وصور موقعها في المكتبة.
الشيعة تتسع صدورهم لسماع الرأي الآخر، والاطلاع على الكتب الفقهية لكل المذاهب، وكذا الكتب العقدية والتاريخية، وما تفضلتم به حول العقيدة السلفية يدرسه أبناؤنا في المدارس، فأبناؤنا يدرسون هنا في مدارس المملكة، ويدرسون هذا الكلام الذي تفضلتم به، ويسمعونه من وسائل الإعلام، فبالنسبة لنا نحن منفتحون، ونأمل أن يكون هذا الانفتاح حالة عامة عند الجميع، نأمل أن نجد في مكتبات علمائنا السلفيين إلى جانب كتبهم أيضًا كتب الشيعة، حتى يتعرفوا إلى الشيعة من مصادرهم وكتبهم، وليس من خلال التقولات والإشاعات، ولو توفرت هذه المصادر والكتب في مكتبات العلماء من مختلف المذاهب، وكل عالم يطلع على الكتب التي تتبع المذهب الآخر، لرفع الكثير من الشبهات والإشكالات، ونأمل أن يتسع المجال في كل مكان لطرح الرأي الآخر، كل الأخوة الموجودين هنا سعيدون بما سمعوا، ونأمل أن يسمع الآخرون في بقية مناطق المملكة، وتتسع صدورهم لكي يسمعوا الرأي الآخر، بأن يستطيع علماء الشيعة أن يتحدثوا عن آرائهم ومعتقداتهم في وسائل الإعلام، أو في اجتماع مشابه لهذا الاجتماع في القصيم أو الرياض أو في أي منطقة من مناطق الوطن، هذا ما نأمل أن يتحقق إن شاء اللّه.
النقطة الثانية: لا شك أننا إذا رجعنا إلى أصول المذاهب، وإلى آراء العلماء الأجلاء في المذاهب، فإننا نرى آراء معتدلة، لا نجد مجالًا للتكفير، لكن المشكلة هي في وجود أصوات متطرفة، وممارسات فيها الإساءة، وهنا يجب أن تكون هناك مواقف حاسمة، فضيلة الشيخ ذكر أن العلماء هنا في المملكة اتخذوا موقفًا حاسمًا ضد التطرف وتجاه القاعدة، هذا أمر جيد، لكن هذا في البعد السياسي، نحتاج إلى موقف حاسم تجاه التطرف في الموقف تجاه المذاهب الأخرى، الناس هنا مجروحون من البيان الأخير، الذي وقع عليه اثنان وعشرون من العلماء، وتحدثوا عن الشيعة والمذهب الشيعي بما يتنافى مع ما ذكره فضيلة الشيخ من الكتب ومن المصادر والنصوص، نحتاج إلى أن يكون هناك موقف حاسم وواضح وقاطع أيضًا تجاه هذه الأصوات المتطرفة، وإلا قد يرى البعض أن السكوت على مثل هذه الآراء نوع من الرضا بها، هذا أمر مهم أيضًًا، ونحن نأمل أن يكون هناك موقف واضح تجاه هذه الأصوات المتطرفة في بعدها الفكري، كما أن هناك رأيًا واضحًا منها في البعد السياسي، حينما مارست القتل والتدمير والتخريب.
النقطة الثالثة: أحب أن أعلق على ما ذكره فضيلة الشيخ حول الحسم والتبيين لموقف الشيعة من القرآن الكريم، أعتقد أن المسألة واضحة، حيث لا يوجد مرجع من مراجع الشيعة، ولا عالم من علمائهم، ولا مؤسسة من مؤسساتهم الآن، بل منذ عصور، يقولون بوجود قرآن آخر، أو بوجود تحريف في القرآن، كما ذكر فضيلة الشيخ، فعلماء الشيعة بادروا للرد على الرأي الشاذ القائل بتحريف القرآن، هل يوجد من يقول بوجود قرآن آخر، كمرجع أو فقيه؟ إذا كان لا يوجد فلماذا يطرح مثل هذا الموضوع بين فترة وأخرى وكأنه قضية قائمة؟ ولماذا يطلب من الشيعة أن يعلنوا براءتهم في كل يوم من موضوع أعلن مراجعهم وعلماؤهم وفضلاؤهم الرأي حوله؟
وفي بعض الأحيان قد لا يقبل هذا القول أيضًًا، ولا نريد أن ندخل في هذا السجال، ولكن للطرافة أنقل هذه القصة يا فضيلة الشيخ: ينقل أن رجلًا دخل إلى مدينة، فرأى جنازة تُشيّع، فمشى معهم، وكان بعض القضاة يمشون أمام الجنازة، ما لفت نظره أن المحمول على السرير باعتباره متوفىً كان يرفع رأسه بين فترة وأخرى، ويقول أيها الناس أنا حي، كيف تذهبون بي إلى المقبرة وأنا حي؟ ولكن أحد القضاة ممن كان يسير أمام الجنازة قال: لقد شهد شهود عدول بموتك أفنكذبهم ونصدقك؟ وأمر أن يذهب به إلى المقبرة.
في بعض الأحيان حتى لو أُعلن ونشرت الكتب، وبُيّن الرأي فالموضوع لا يتغير، الآن الشيعة لديهم وسائل إعلام، وما عادوا يعيشون كالماضي، بل لديهم فضائيات ودول وأحزاب وصحف وعلماء، فهل جهة من هذه الجهات تحدثت حول تحريف القرآن؟ من الجهات القائمة والمعروفة والمعترف بها؟ إذا فالموقف عند الشيعة حاسم وواضح تجاه هذه المسألة، لكننا نقبل كلام فضيلة الشيخ باعتباره نوعًا من التأكيد والتذكير بهذا الأمر.
النقطة الرابعة: إن وجود اختلاف في تفاصيل المعتقدات، وفي القضايا الفقهية، وفي تحليل التاريخ، وفي الرؤية نحو أشخاص التاريخ، هذا الاختلاف قائم لا يمكن إنكاره، أو التنكر له، وأصحاب كل مدرسة ومذهب لهم آراؤهم، ولهم أدلتهم وبراهينهم، ولا يشترط في الوحدة أن يكون اتفاق على كل التفاصيل، وبالتالي فلكل إنسان قناعاته وآراؤه، من يرى أن الوحدة لا تتم إلا إذا اتفقنا على المسألة الكذائية، أو المسألة الأخرى، ـ سواء كان من السنة أو الشيعة ـ، ولعل بعض الشيعة يطرح أيضًا أنه لا يمكن أن تكون وحدة إلا إذا اتفقنا على كذا وكذا، هذا يعني تعليق الوحدة على أمر غير ممكن، وهو أمر تعجيزي، هناك اختلاف في بعض تفاصيل المعتقدات، كموضوع الشفاعة، والتوسل، هل هذا ينطبق عليه أنه عبادة أم لا؟ الشيعة لا يرون أن هذا ينطبق عليه أنه عبادة، ولديهم أدلتهم ورأيهم وكتبهم واضحة، وأنا أعتقد أنه ليس من مصلحة الأمة الآن أن تزج بالجماهير في الاختلاف حول هذه التفاصيل، لأن هذه التفاصيل، كما هو الشائع عند الصحفيين أن الشياطين تطلع رؤؤسها في التفاصيل، وهم يريدون إشغال الأمة وإرباكها، هذا يتم ضمن الحوار العلمي بين العلماء، وضمن حرية الرأي، كل واحد يبين رأيه، والناس الآن أصبح لهم مستوى من الرأي والعلم، هم يستطيعون التمييز، ما عاد الإنسان يجد نفسه أسيرًا أو محكومًا للرأي الذي يسمعه من عائلته أو جماعته، الآن يوجد حالة من الانفتاح، فيكون هناك حوار علمي، لكن لا ينبغي أن نجعل الاتفاق في بعض التفاصيل شرطًا من شروط الوحدة، لأن معنى ذلك أن الوحدة لا تتحقق، ونحن نجد أن الأمم الأخرى كيف توحدت في إطار سياسي، الملك عبدالعزيز حينما جاء إلى القطيف وبايعه أهلها، ودخلت القطيف تحت حكمه، لحكمته لم يفتح هذا الباب مع الناس، وحينما حاول بعض المتشددين كحركة الأخوان آنذاك أن يملوا شروطهم، واعتبروا أهل القطيف كفارًا يلزم أن يعيدوا إسلامهم، في القصة المشهورة التي ذكرها ابن بشر وغيره رفض الملك عبدالعزيز ذلك، لأنه يعلم بحكمته أنه ملك يحكم على أجسام الناس، وليس على معتقداتهم، وليس على آرائهم وأفكارهم.
هذه أبرز الملاحظات، مرحبًا بفضيلة الشيخ الدكتور، وبما طرح من رأي، وكما قلت المجال واسع لطرح هذه الآراء، وهي آراء ليست غريبة علينا، ولا وعلى مسامعنا، ونحن من طفولتنا ندرس هذا المنهج وهذا الرأي، المشكلة تكون في بعض الإساءات التي قد تحصل من هذا الطرف أو ذاك، وهذا الصوت المتطرف من هنا وهناك، علينا أن نتعاون لوضع حد لذلك حماية لوحدتنا وتآلفنا.
حياكم اللّه
بعد كلمة الشيخ حسن الأولى، وكلمة الدكتور النجيمي، السؤال الذي ورد في ذهني بسرعة، أنه ليس هنالك مشكلة والحمد للّه ..لماذا نتناقش في هذا الموضوع كله، طالما أن الأمور على هذا النحو، ما الذي دعا إلى هذا النقاش؟ حقيقة الأمر أن معظم وكثيرًا من المجالس الدينية، ومجالس العلماء، تميل إلى التفاؤل، وعرض صورة مشرقة وطيبة، والمعيشة طيبة، والديانة بخير، وكل هذا من أجل ترغيب الناس في الخير، ومن أجل إبعادهم عن مصادر التأزم والحرج النفسي، وغير ذلك، ولكن اسمحوا لي مشايخنا الأجلاء في القول أن هذا لا يحل مشكلة، المشاكل موجودة ماديًا واقعيًا، ولا يحلها القول بأن موقفنا كذا، على سبيل المثال لو ضربت ولدي كفًا على وجهه وقلت له إن الغرض من هذا الكف هو التأديب، فهو يحفظ الكف، ولا يحفظ التبرير، فالكف هو الذي يظل يؤلمه ماديًا ونفسيًا إلى سنين طويلة، وأما قولي غرضي تأديبك فيذهب أدراج الرياح، وما أريد أن أركز عليه أصحاب السماحة والأخوان، حقيقة الأمر عندنا مشاكل، إن كل بلد فيه مشاكل، المملكة فيها مشاكل، والكويت فيها مشاكل، وأمريكا فيها مشاكل، وحتى دولة الرسول فيها مشاكل، وما في دولة في العالم أو مجتمع إلا وفيه مشاكل، ويا أخوان نريد أن نقول إن عندنا مشاكل، وهذه المشكلات موقفنا منها هو الدعوة إلى الحل، وليس إنكارها، وتفضل الشيخ حسن والدكتور النجيمي أن الشيعة والسنة ما عندهم مشكلة، ولكن أنا كتبي ممنوعة من دخول المملكة، لماذا لأن فيها كلامًا عن الشيعة، كتب ليس فيها شيء سياسي، وليست ضد الحكومة، ولا فيها بلاوي الجنس، كتب فيها كلام في الدين، كلها ممنوعة، و لم تدخل لأن فيها مصادر شيعية.
النقطة الأخرى هناك قيم عليا دينية، وقيم عليا سابقة للدين، مثلا العدل هذا من القيم التي تبانى عليها العقلاء من بداية الخلق إلى اليوم، وهو من القيم السامية التي فوق الأديان إلى اليوم، فأنت تميز بين دين حق، وغير حق إذا كان يقيم العدل، أو يهدم أساس العدل، الآن العلماء والحركات الدينية والنشاطات الدينية، كثير منها مشغول بالنقاش في نظرتنا وموفقنا وعلاقتنا وغير ذلك، ولكن هناك قضايا ليست دينية بالمعنى، ولكن دينية بالإقرار، مثل قضايا حقوق الإنسان، أنا أطالب أن أكون محترمًا في هذا المجلس وفي الشارع والدائرة الحكومية، وحينما أسافر وحينما أذهب إلى أي بلد أجنبي، لا لأني شيعي، ولا لأني مسلم، أو لأني سعودي، لأني إنسان.
هذا قائم على أن العدل أولًا، ولا ينبغي أن نتعامل مع الناس سواء مواطنين أو غير مواطنين، أو وافدين، باعتبارهم الديني فنقول أن ديننا يأمرنا بالتسامح، نتعامل معهم لأن العدل حق لهم، سواء دينك قال أو لم يقل العدل حق لهم هذا قبل الدين، واستغفر اللّه لي ولكم.
شكرًا للضيف الكريم الدكتور النجيمي على هذه المحاضرة والكلمة الطيبة، وأشكر فيه روح التفاؤل أيضًًا، وليسمح لي بأن أقول القفز على الأشياء، حينما اعتبر أن في مملكتنا الحبيبة لا يوجد هنالك تكفير، ولا توجد فتاوى تكفيرية، وكتاب العقيدة الطحاوية الذي يدرس في الجامعات، ولدي بعض النصوص، وليسمح الشيخ في تلاوة بعضها، حين يسأل صاحب كتاب الكنز الثمين الشيخ بن جبرين عن التعامل مع الشيعة السؤال: لدي أمر طالما أشغلني حيث أنني أحد موظفي أرامكو، وحديث عهد بهذه الوظيفة ولكن ما أشغلني أنني أعمل مع رافضة في نفس القسم، وجرت العادة على الاشتراك في وجبات الطعام خلال وقت الدوام، ويكون الأكل جماعيًا، وما قد يتخلل ذلك من الضحك والمزاح، مما قد يضعف عند المسلم قضية الولاء والبراء والغيرة على هذا الدين، مع العلم أنني أحدث واحدًا فيهم، ورئيسي المباشر منهم، مما قد يضطرهم إلى مضايقتي في العمل إذا أحسوا مني بغضهم، أفيدونا رعاكم اللّه فإنني في حيرة من أمري، لما قد يترتب على ذلك، إن أنا قاطعتهم وجعلت علاقتي معهم مجردة فيما يتعلق بالعمل، ولكن قد يضايقوني
كما أسلفت.
الجواب:
عليك أن تحاول الانتقال إلى جهة أخرى لا يوجدون بها، أو لا يكون لهم سلطة فيها، فإن لم تجد قريبًا فعليك أن تظهر لهم المقت والاحتقار، والسخرية منهم، وأن لا يكون لك انبساط معهم، ولا انشراح صدر، وإذا رأيت منهم مضايقة خاصة فسجل كلماتهم واكتب إلى المسؤولين في الشركة، حتى يلقوا جزاءهم، كما أن عليك محاولة إقناعهم ببطلان معتقدهم، وصحة ما أنت عليه، فإن رجع أحد منهم وإلا قامت عليهم الحجة (عبداللّه بن عبدالرحمن بن جبرين/ الكنز الثمين في فتاوى ابن جبرين، ص34).
ننتقل إلى فتاوى ومقالات الشيخ بن باز، والسؤال:
ما هو موقفك من مبدأ التقريب بين أهل السنة والرافضة؟
الجواب:
التقريب بين الرافضة وبين أهل السنة غير ممكن، لأن العقيدة مختلفة، فعقيدة أهل السنة والجماعة توحيد اللّه، وإخلاص العبادة للّه سبحانه وتعالى، وأنه لا يدعي معه أحد، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، وأن اللّه سبحانه وتعالى هو الذي يعلم الغيب، ومن عقيدة أهل السنة محبة الصحابة رضي اللّه عنهم جميعًا والترضي عنهم، والإيمان بأنهم أفضل خلق اللّه بعد الأنبياء، وأن أفضلهم أبو بكر الصديق، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي اللّه عن الجميع، والرافضة خلاف ذلك، فلا يمكن الجمع بينهما، كما أنه لا يمكن الجمع بين اليهود والنصارى والوثنيين وأهل السنة، فكذلك لا يمكن التقريب بين الرافضة وبين أهل السنة لاختلاف العقيدة التي أوضحناها (عبدالعزيز بن عبداللّه بن عبدالرحمن بن باز / مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، ج5 ص156).
وأنا في هذا المجال أتوافق مع ما ذكره الدكتور توفيق السيف، لذلك سأختصر كثيرًا، أما فيما ذهبت إليه فضيلة الشيخ النجيمي من القول بأنه حتى لو وجد تكفير فإن التكفير خط أحمر، وفي أضيق الأماكن، فاسمح لي بأن أقول لك، واسع بعض الشيء في بلادنا، ويشمل حتى القضايا الإنسانية، وفي كتاب من مكتب الأحساء هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، مطبوع طباعة رسمية وموزع أيضًا، السؤال كان حول الكوارث الطبيعية يقول: إذا كان المتضررون أغلبهم مبتدعة فهل يجوز للمؤسسات الخيرية الإسلامية مساعدتهم؟
الجواب: لا يجوز للمسلمين مساعدة المبتدعة كالرافضة والقبوريين، وأهل الديانات المبتدعة، كالنصيرية والدروز والقاديانية والسيخ والبريلوية والبعثية ونحوهم، وذلك أنهم يحاربون أهل السنة، ويحرصون على ما يضر بالمتمسكين، وإذا كانوا كذلك فليسوا أهلًا للمساعدة، ويعتبر ما أصابهم من غرق أو خسف أو قحط أو مرض كعقوبة من اللّه، فلا تجوز إغاثتهم بل تختص الإغاثة بأهل السنة والجماعة(100 سؤال وجواب في العمل الخيري، هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، ص 7 ـ 8).
شيخنا، أنتم تحملون روحًا من التفاؤل، لكننا أمام زخم كبير من الفتاوى المعاصرة والحالية، وآخرها البيان الذي خرج والحل أن نقول بأن هناك مشكلة، وأمثالكم يسعى إلى حل هذه المشكلة، وما ذلك على اللّه بعزيز إذا توفرت جهود المخلصين أمثالكم.
نحن حقيقة نريد أن نضفي جوًا من المرح النفسي على هذا اللقاء، إضافة على الوضوح والصراحة، نشكر سماحة الشيخ كثيرًا، وأنا أتابع مقابلاته ولقاءاته في الإعلام، وأرتاح كثيرًا إلى آرائه، وسعدنا هذه الليلة بسماع هذه الآراء، وأنا بحكم اختلاطي بزملائي في الجامعة نسمع الكثير من هذه الآراء، لكننا أمام واقع يجب التعايش معه بوضوح، أن هناك ممارسات وفتاوى تصدر مواقف ليست مختصرة على السنة، وللشيعة نصيب في ذلك، وأذكر قصة تاريخية معروفة، أحد المنسوبين لطلبة العلم في النجف الأشرف طبع كتابًا تعرض فيه إلى رموز إسلامية مهمة وأثار بلبلة وفتنة، والرجل سجن في ذلك الوقت، ولكن تدخل مرجع كبير من مراجع الشيعة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء أصدر بكل وضوح وحزم (الكتاب يحُرق والرجل يطلق)، برقية من أربع كلمات توضح الموقف، أن الكتاب مصدر فتنة يجب أن يحرق ولا يبقى، أعتقد أنا بحاجة إلى مواقف حازمة، السيد السيستاني حينما ابتدأت الفتنة والقتل والخطف طلب منه عشائر تقع على طريق يرتاده العراقيون من السنة والشيعة، أن اسمح لنا على الأقل أن نأخذ بالثار، قال لهم بكل وضوح لو قتل نصف الشعب العراقي لن أعطي سماحًا بالاعتداء على شخص واحد برئ، لأن اللّه يقول: ﴿أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جميعًا ﴾ (سورة المائدة: الآية32).
أعتقد سماحة الشيخ أن إخوانكم الشيعة يدركون أن هذه الآراء المعتدلة موجودة بشكل واسع وعريض، وعند أهل العلم والمتنورين والمفكرين، ولكن هناك من له رأي آخر ومتطرف وما يوسف له إننا لا نشاهد موقفًا حازمًا من المعتدلين، بحيث يصبح ذو الرأي المتطرف صوتهم أعلى وكعبهم أرفع في هذا الواقع.
أشكر الشيخ محمد النجيمي، وسماحة الشيخ حسن الصفار على هذا الخطاب المعتدل، والمغرق في بعض الأحيان بالرومانسية والمثالية، أعتقد أن الإصرار على تغليب الجانب الديني في العلاقة بين المواطنين، وكونه جامعًا مشتركًا، قد لا يكون بشكل دائم هو الحل، لمعالجة هذه الإشكاليات التي تقع بين أبناء المجتمع والوطن الواحد، ونحن لو استمرينا في هذا الحوار وهذا الحديث لسنوات طويلة، فستبقى هناك من الفروقات والتباينات بين آراء وأفكار الناس، ومحبتهم أو بغضهم للبعض، سيبقى قائمًا ستبقى هذه الأمور محل إثارة عند أي أزمة تمر بها هذه المجتمعات، وكما رأينا بأن القضايا المذهبية وهذه التوترات المذهبية هي قابلة للبروز عند أي حدث سياسي يحدث في منطقتنا، كما رأينا، ولهذا الإصرار على أن تكون العلاقة قائمة على أساس ديني، أعتقد بأننا يجب أن نتقل إلى مرحلة أفضل ويكون هناك جوامع إضافية، جوامع وطنية وتغليب الحالة المدنية في العلاقة بين المواطنين من أجل التخفيف من الحالة المذهبية سواء الإنسان حب فلانًا أو أبغض فلانًا، كونه مواطنًا، كونه من أبناء هذا الوطن، يكفي لأن ينال جميع حقوقه بمساواة بينه وبين الجميع بغض النظر عن مذهبه، بغض النظر عن ديانته، لأن هذا من التجارب التي مرت بها المجتمعات الأخرى، وتوصلت فيها إلى أنه مهما اختلفت بينهم العقائد والأديان والمذاهب، فإن الجامع الوطني والحالة المدنية ستكون هي الأكثر استقرارًا، والأكثر ثباتًا، وخاصة مع هذه التحولات التي هي قائمة في عالمنا اليوم، نرى بأنه من اللازم علينا التخفيف من حالة التشدد الديني، وتغليب الحالة الدينية في هذه العلاقات الاجتماعية، والتوصل إلى حالة مدنية أكثر قابلية للجمع بين الناس.
السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته
ذكرتم فضيلة الشيخ حديث الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم (من صلى صلاتنا وأكل ذبيحتنا فهو منا)، سأخرج قليلًا عن الحديث، وأعود للحديث مرة أخرى، سأتكلم من ناحية اقتصادية، أمريكا منذ السبعينيات وزيادة أسعار البترول ناتجها الوطني يرتفع، حتى مع انخفاض أسعار البترول يستمر ناتجها الوطني في الارتفاع، أعود إلى الذبيحة، أعتقد أن المشكلة كلها مسألة الذبيحة، والذبيحة لو نأكلها كلنا ممتاز، المشكلة مشكلة اقتصادية، وأنا أبتعد عن الخلاف المذهبي كثيرًا، القطيف تعاني من فقر وأعتقد أننا نحتاج أن نتوجه إلى جانب الرعاية الاقتصادية، القطيف في السبعينيات كانت هناك طفرة أولى، انتهت فيها الخلافات المذهبية، وعادت بقوة عندما انتهت الطفرة، اليوم نحن في طفرة ثانية، وكثير من المحاولات لإنهاء الخلاف المذهبي، أنا أتخوف عندما تنتهي هذه الطفرة الثانية نعود مرة أخرى.
ـ أولًا سعيد جدًا سواء بتعليقات الشيخ، أو بما سمعته منكم، الشيخ فعلًا في مكتبته جميع المراجع لجميع المذاهب، وعند كثير من الناس، وأنا منهم في مكتبتي غير المرتبة لدي نفس الشيء، ولدي أغلب الكتب عند أهل الشيعة، وعند أهل السنة، وعند الأباضية، والزيدية، بالنسبة لنا نحن العلماء، وأنا أتفق مع الشيخ ما الذي يمنع، لكن بالنسبة للعوام حتى كتب أهل السنة لأهل السنة، أو كتب الشيعة للشيعة، ما أنصح بالخوض في الأمور الدينية، لأنه قد يفهم الإنسان عكس المراد، أذكر كتاب الخميني الحكومة الإسلامية أتيت به من القاهرة سنة 1989م، منعني الأخ في الجمارك، قلت له أنا طالب علم، وأتيت بمجلة المجمع الفقهي من عمان المملكة الأردنية الهاشمية عام 2007، فقال: ما هذه المجلة؟ وهذه مجلة المجمع الفقهي التي مقرها الرئيس في جدة، موظفين مساكين ولا يدري أن الكتب موجودة في الانترنت، وهي ليست سياسة دولة، بقدر ما هي بيروقراطية تعودنا عليها، ومرة في القاهرة والشقيقة مصر دولة منفتحة جدًا، وطلبني أحد المشايخ في جامعة الأزهر كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وكتب الشيخ السعدي، فأحضرتها فعندما نزلت مطار القاهرة، الشخص الذي كان مسؤولًا عن الكتب ما يفهم ولا يدري ما قيمة هذه الكتب، أتعبني ولكني تذكرت أن لي صديقًا لواءً في الشرطة فاتصلت عليه. فالحقيقة يا دكتور توفيق دعني أتكلم بصراحة، في معرض الكتاب، ولا أتهم الوزير وفقه اللّه ولا الوزارة، نحن عندنا روتين في العالم الثالث، وبيروقراطية موجودة، وجدت كتبًا سيئة جدًا أتوا بها، بينما لم يفسحوا لكتب ألفها علماء محسوبون على الفكر السلفي، لم يسمحوا بها، ما هو السبب؟ ليسوا لأنهم يستقصدوا فلانًا أو علانًا، لأني جلست معهم، إنما روتين مشوا عليه، فأصبح يخشى أي شي يمس أي شي فيمنع كل شيء، من أجل أن يسلم من أي شيء. تحدث الشيخ حسن عن سماع الرأي، أنا لم أجيء لأقول لكم كونوا على ما أريد، فقط أعرض لكم ما عندي، حتى يتم الحوار، وليس إني أريد أن أفرض عليكم ما عندي من أفكار، والشيخ حسن إن شاء اللّه سيكون ضيفا عندي بعد انتهاء الإجازة، وسأسمح له أن يتحدث مع الجميع، كما تحدثت معكم، أنا أؤيد هذا، وعند الدكتور راشد المبارك هذا الأديب العالم الفاضل من العائلة المعروفة لديكم في الأحساء، هذه عائلة من العوائل التي نفتخر بها في المملكة العربية السعودية، والشيخ الصفار كان ضيفًا، وتعرفت إليه عند راشد المبارك قبل سنوات، تم الحوار، وتحدث الشيخ حفظه اللّه بما يريد، وجرى حوار ممتاز ورائع، مثل ما يجري معكم الآن، بكل صراحة وأريحية، إذن لا إشكال، لكني أتفق أنا مع الشيخ في أن العامة لا ينبغي أن يدخلوا في هذه التفاصيل، لكني الليلة أعتقد بأنني أمام صفوة من طلبة العلم، ولهذا طرحت بعض الأمور، لا لأقول لكم خلوكم على منهج السلف، ولكن لأعطيكم ما عندي، وهي بضاعة إن شئتم تأخذونها، وإن شئتم تتركوها، وهذا أمر يعود لكم يا أخوان، لأني أنا مثل ما أخي الشيخ حسن اللّه يوفقه سيطرح هذا عندي على طلبة العلم، لكني أنا أتفق معه أن العامة من الناس لا ينبغي أن تطرح عليهم هذه القضايا.
ـ إما بيان الاثنين والعشرين، طبعًا كما تعلمون نحن أولًا وقبل أن أتحدث عن بيان ال 22، عندنا مؤسسة ومرجعية شرعية، هي هيئة كبار العلماء، وهي برئاسة سماحة شيخنا ووالدنا الشيخ عبدالعزيز بن عبداللّه آل الشيخ، وتضم في عضويتها سبعة عشر عالما آخر من جميع مناطق المملكة، بكل مناطقها جنوبًا وشمالًا، إخواننا الشيعة لديهم مرجعية، إن أدخلتهم مثلًا في هذه الهيئة فهي تتخذ قراراتها بالأغلبية، ستكون القرارات ملزمة، لهذا فإخواننا الشيعة لهم مرجعية مختلفة، و نحترم هذه المرجعية، وكما قال الشيخ حسن إن المرجعية لا تعني الولاء السياسي، فهي مرجعية دينية، فالشيعة مرجعيتهم الآن جزء في العراق، أو جزء في إيران، المرجعية الدينية، ولكن هذه المرجعيات تختلف، فهذه مرجعية لأهل السنة، فبالتالي الذي يعبر عن الدولة، ويعبر عن العلماء، هو البيان الذي يصدر من هيئة كبار العلماء وليس من غيرهم، ثانيًا لا بد أن أوضح لكم نقطة مهمة وأساسية، لما نقول الرافضة لا نعني الشيعة جميعًا، خلوني أوضح لكم جيدًا هذه النقطة، نحن يا إخوتي الأفاضل هناك أصوات، ولا تزال توجد أصوات، وفي أشرطة وكتب موجودة، وأنا قد سمعت شريطًا لشخص في الكويت لا أريد أن اذكر اسمه، أريد له أن يحاكم من قبل الحكومة الكويتية، فخرج خارج البلاد، وله شريط وقد سب أصحاب المصطفى(صلى اللّه عليه وسلم)، وأتهم عائشة بالزنا، هذا لا يعني أن كل الشيعة، أنا أقول إن هذا الجانب المتطرف موجود هذا الجانب المتطرف لا يزال موجودًا، هل هو في المرجعية؟ أنا لا أعرف في المرجعية من يقول بهذا الآن، ولكن هذه الأصوات لا تزال موجودة، وهذا يا أخوان ليس مثلي أنا وغيري من الناس لا يعنيهم يقول ما يشاء، لكن نحن نتكلم عن عامة وعن دهماء لا ترضى، والمسلمون جميعًا ونحن جميعًا لا نرضى، وهذه الدهماء لا تستطيع أنك تضبطها، في أنها عندما تسمع مثل هذه الأمور لا تستطيع أن تضبطها، كما قال الشيخ حسن في هذا أنهم إما جاهل أو مغرض، هذه حقيقة ونحن نقول إن هناك كتبًا، وإن هناك أناسًا، ولا يزالون يقولون بهذا، فنحن نريد أن يقال أن من يقول هذا القول سواء كان سنيًا أو شيعيًا أيًّا كان مذهبه حتى ما نخصص، لأن أحيانًا يوجد من أهل السنة من يقول بهذا أيضًا، هذه حقائق، ألم يأت إنسان في السودان يسمون بالقرآنيين ورفضوا كلام الرسول(صلى اللّه عليه وسلم) وسنة المصطفى والصحابة؟ ألا يوجد يا أخوان هناك على الساحة من عنده فكر علماني ما يعترف بالدين نهائي؟ كل هذه الأمور موجودة ولكن نريد دائمًا يا إخوان أن تكون هناك مواقف منا ومنكم هذه حقائق لا بد منها.
ـ أما ال22 ما سبب اتخاذهم، أنا لست معهم، ولست منهم، وليسوا من هيئة كبار العلماء، وأنا في خط غير خطهم، عشان أكون واضح، لكن يا أخوان خلفية هذا البيان الذي أصدروه، هو أن هناك أناسًا في لبنان، وليس كل الشيعة، اقتحموا غرب بيروت، وقاموا بتكسير لوحات عليها اسم عائشة رضي اللّه عنها، وعمر وأبو بكر، ومنعت الجماعة في بعض الأجزاء من غرب بيروت، فكان أن صدر هذا البيان، وقلت لكم نحن إذا قلنا الرافضة لا نقصد الشيعة جميعهم، إنما نقصد الغلاة الذين هم يثيرون الفتن، كما أن الغلاة عندنا يثيرون الفتن، هذه حقيقة يا أخوان لا بد أن نعترف بها، صدر البيان ليندد بشريحة معينة، اتخذت موقفًا معينًا، علمًا أني قلت ليس هؤلاء في المرجعية، ويمكن إني ما رأيت بعض هؤلاء في حياتي، هذه حقيقة أقولها، ولا أدافع عن أحد هنا، ولكن أقول لكم بالحقائق، أنه عندما يأتي صوت متطرف سيقابله صوت متطرف، وهؤلاء تحدثوا عن شريحة أو عن جماعة معينة.
ـ وكلام صحيح للشيخ حسن لا تعني الوحدة أنه لا بد نتفق على كل صغيرة وكبيرة، هذا مستحيل عند أهل السنة، ناهيك ما بين السنة وما بين الشيعة، مثلًا أهل السنة هم سلفيون وأشاعرة وماتريدية، هل يمكن أن يتفق السلفيون والأشاعرة على كل شيء؟ مستحيل، أليس كذلك؟ وكذلك من المستحيل أن يتفق السنة والشيعة على كل التفاصيل. أنا مع الشيخ حسن، لكن هناك أشياء قدم بها الشيخ منها القرآن الكريم، وأشياء أساسية، على الأقل لو في اجتهادات يكون ذلك بطريقة لا تجرح فيها مشاعر الآخرين، وأنا اتفق مع الشيخ حسن أنه لا يمكن الاتفاق على كل التفاصيل.
ـ أما أخونا الدكتور توفيق لماذا النقاش ونحن حلوين وما في أي اختلافات، أنا مصر أنا والشيخ حسن على أن الحوار هو البوابة الأفضل، وحقيقة يا أخوان دعوني أضرب لكم مثالًا بسيطًا، تحدث عنه الشيخ سطام الخالدي (من أهالي عنك في القطيف) موجود هنا التعايش منذ مئات السنين، وكان الناس متعايشين، ولكن أحيانًا السياسة ربما تحدث مشكلات، الحوار ينبغي أن يستمر، بل يجب أن يستمر، وبكل صراحة أدين اللّه بما قاله علماؤنا، وبما درسته أنا في كلية الشريعة أنا ما أقدر أكفر مسلمًا يشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدًا رسول اللّه، لو تعطيني الدنيا كلها ما أستطيع، لأني لست وصيًا على الناس، أليس كذلك يا أخوان؟ ورسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وسلفنا الصالح من الصحابة وعلى رأسهم الصحابة الأخيار الأفاضل، هل كفّروا من خرج عليهم من الخوارج؟ أبدًا يا أخوان هذا الإمام العظيم علي(رضي اللّه عنه) قال: لا من الكفر هربوا إخواننا بغوا علينا.
بعدين يا أخوان أنت لما تبقى على ما أنت عليه، أو أنا على ما أنا عليه، إذا ما اقتنعت بكلامك، وما اقتنعت بكلامي، يعني ما نتعايش إلا أن نتفق على كل شيء؟ هذا مستحيل وأنا مع الشيخ حسن في هذه النقطة وأنا ما أتيت هنا إلا لأني أعرف بأن هناك رجالًا أفاضل يقبلون الرأي والرأي الآخر، ومنهم هذا الشيخ الفاضل (الشيخ الصفار) الذي أنا أعتبره وبصراحة رمزًا وطنيًا مهمًا. أيضًًا ما ذكر عن الشيخ عبدالعزيز بن باز، وهذا شيخي، وأقسم بربي لكم أنه قد سئل في مسجد الملك خالد وسئل بالنص: هل الشيعة مسلمون أو كفار؟ قال: من أهل القبلة من المسلمين. وأنا قد سمعت وأنا عندي الكتاب الذي هو نفسه كان يدرسنا هذا الكتاب (من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا فهو المسلم له ما لنا وعليه ما علينا) كون المصطلحات أحيانًا تختلف، شيخ الإسلام ابن تيمية يقول المصطلحات بسببها يقع الخلاف حتى بين أهل السنة.
ـ وأنا اتفق مع الدكتور توفيق، العدل وحقوق الإنسان، سواء كان مسلمًا أو غير مسلم، أنا مع الدكتور توفيق، لأن الغربيين فيما بينهم العدل وحقوق الإنسان، أيًا كان مذهبك، وأيًا كان دينك، وهذا هو الإسلام، يا أخوان، عبداللّه بن رواحة لما ذهب يخرص الأثمار لليهود، وأرادوا أن يرشوه في المدينة، قال: واللّه لقد جئتكم من أحب الناس إليَّ، ولأنتم أكره عندي من القردة والخنازير، ولكن لا يمنعني حبي لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبغضي لكم ألا أعدل بينكم، قالوا: بهذا قامت السموات والأرض، اعترفوا بالعدالة، السيد عدنان لما تحدث والاقتصاد عند أخي سعيد الخباز الحقيقة أن خادم الحرمين الشريفين في قضية الاقتصاد والتنمية في المناطق، لمس هذا في مناطق كثيرة، عندكم منطقة جازان، وهي منطقة سنية مائة بالمائة، هي كانت في آخر المناطق تقدمًا وتطورًا، وتحدث خادم الحرمين الشريفين عن منطقة جازان، وعن منطقة نجران، أنه لم يكن هناك توازن في التنمية في بعض الأحيان، القضية هي توازن يسعى إليه خادم الحرمين الشريفين لتطوير المناطق التي أسماها هو حفظه اللّه المناطق التي كانت متأخرة في مجال التنمية، وإن شاء اللّه خادم الحرمين الشريفين بنفسه يقود هذه المسيرة، وبالتالي فالكل سيتعاون معه إن شاء اللّه ونسأل اللّه له التوفيق والسداد واللّه الموفق.
أيها الأخوة: في نهاية هذا اللقاء أحب أن أشير إلى أن الحوار بالفعل يحتاج أن نتدرب عليه، و يحتاج إلى سعة صدر، أن يسمع كل واحد رأي الآخر، وأن يتناقش ويتحاور معه، قد نتفق معه أو نختلف، لكن هذا هو المطلوب أن نتحاور، ومهم جدًا أن تحصل مثل هذه اللقاءات، ويقول كل إنسان ما عنده، قد تقبل، وقد لا تقبل، هذا أمر راجع لكل إنسان، ولكن أن تسمع الطرف يتحدث أمامك هذا أمر مطلوب، إنها فرصة طيبة وقيمة، المسائل التي طرحت تراكمات عصور وأجيال، لا نستطيع أن نحلها في جلسة واحدة أو في يوم واحد.
الإخوان الأعزاء: الوقت تأخر، وقد لا يستوعب ما بقي من وقت المداخلات، ويلزم أن ننهي جلستنا، وأنا محرج من الدكتور منصور القطري، والأستاذ ميرزا الخويلدي، الأستاذ باقر الشماسي، وآخرين طلبوا المداخلة.
أنا أعلم أن بعض الإخوة الحاضرين لديهم نقاش في ما طرحه الدكتور، ولعل الدكتور أيضًا لديه نقاش حول ما طرح من نقاط، لكن لا نستطيع في هذه الجلسة أن نتكلم بالتفصيل عن كل النقاط، فيكفينا في مثل هذه اللقاءات أن يستمع كل منا إلى الآخر، وأن يلتزم كل منا باحترام الآخر، وأن نتعهد أن أمورنا تناقش عبر الحوار، نعترف بأن هناك مشاكل قائمة، ولا بد أن نتعاون من أجل معالجتها، هناك مشاكل، وهناك أناس لديهم معاناة، وهناك أصوات متطرفة.
قبل أن أختم أحب أن أشير إلى ما ذكرتم فضيلة الشيخ، عن أن واحدًا في الكويت سبّ وتكلم على أم المؤمنين عائشة، لعلكم لم تطلعوا أو اطلعتم، علماء الشيعة في الكويت فورًا أصدروا بيانًا ونشروه في الجرائد الكويتية، تبرؤوا من هذا الكلام، وأدانوا مثل هذا الكلام، والبيان موجود، إذن فإدانة مثل هذه المواقف هذا أمر مطلوب من كل الأطراف، أكرر شكري لفضيلة الشيخ، وهذا ليس آخر لقاء، هذا أول لقاء في القطيف، وإن شاء اللّه تتواصل اللقاءات ليقول الشيخ ما عنده، وتقولون ما عندكم، والأمور تتضح إن شاء اللّه بشكل أجلى وأفضل، أرجو أن نخرج من هذه الجلسة ونحن مسرورون بأصل التلاقي، وأصل التحاور، ونسأل اللّه سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم إلى الخير والصلاح، والحمد للّه رب العالمين.
أنا اشكر الشيخ حسن، وأنا أخبركم ليس في قلبي شيء مما قيل هنا، ما غضبت، وما حصل عندي شيء، أنا معكم صافي القلب، وأنا هنا سمعت منكم رأيًّا، وسمعتم مني رأيًّا، وهذا هو الذي نريده أنا والشيخ حسن، وكما ما قال الدكتور منصور القطري إذا كانت هذه الرومانسية فنحن مع الرومانسية، خلونا في الرومانسية الحلوة، يا إخوان أنا ليس في قلبي على أحد شيء أبدًا، فكل من سأل واحتج عليّ، أو أراد أن يندد بي فله ذلك، لأننا نريد الحوار، وكما قال هذا الشيخ الفاضل الشيخ حسن، وأنا أجلّه، وأكرر أن كتابه (نحو علاقة أفضل بين السلفيين والشيعة)، هو كتاب قيّم، يدل على رجل راجح العقل والرأي، والحوار هو مفتاح لسماع الرأي والرأي الآخر، وكل ما طرحتم وتطرحون في المستقبل أتقبله بصدر رحب تمامًا، وأقبل النقد، وأبيح كل من انتقدني، أو قال فيّ كلامًا، فإني أسامحه الآن وبكرة وبعد بكرة.
وفي ختام اللقاء شكر سماحة الشيخ الصفار ضيفه الكريم الدكتور النجيمي على زيارته وحديثه وكذلك رفقاءه الكرام، واعتذر لطالبي المداخلات الكثيرين، بسبب تأخر الوقت، ودعا الشيخ الصفار ضيوفه والحاضرين على شرفهم لتناول طعام العشاء.
وبعد ذلك تم توديع الضيوف الكرام بمثل ما استقبلوا به من حفاوة. على أمل تكرار اللقاءات واستمرار التواصل بين أبناء الوطن الواحد، استجابة لتعاليم ديننا الحنيف، وخدمة للمصلحة الوطنية، وتحقيقًا للتعايش والتعاون على البر والتقوى.
وقد حضر اللقاء عدد كبير من الشخصيات العلمية والثقافية والاجتماعية من مختلف أنحاء المنطقة الشرقية، من الأحساء والخبر والدمام والقطيف والجبيل، ومن السنة والشيعة . وقدر عدد الحاضرين بالمئات. مما يدل على تجاوب المواطنين مع هذه المبادرات، وأملهم في نتائجها الايجابية، وتطلعهم إلى علاقة أفضل بين مختلف مكونات المجتمع، وخاصة بين السلفيين والشيعة.