تقديم كتاب «الصديقة مريم العذراء: معجزة الأجيال»
الكتاب: الصديقة مريم العذراء: معجزة الأجيال
المؤلف: الشيخ جعفر الأمرد
دار النشر: دار البيان العربي، بيروت، الطبعة الأولى 1412هـ
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
الحمد للَّه رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين.
بعد عشرين قرناً مضت على حياتها، هل لدى السيدة مريم بنت عمران عليها السلام ما تقدمه للإنسانية اليوم؟
ومع هذا التقدم الهائل الذي حققته البشرية علمياً وصناعياً وتكنولوجياً هل نحن بحاجة لمطالعة أوراق حياة الغابرين الذين عاشوا في العصور السابقة المتخلفة؟
والمرأة التي ثنيت لها وسادة الحكم ومارست دور قيادة السلطة في أهم دول العالم لهذا القرن، كبريطانيا التي حكمتها (مارغريت تاتشر) ما يزيد على عقد من الزمن، وفرنسا التي ترأس وزراءها الآن (أديت كريسوف) والفلبين التي تحكمها (كورازون أكينو) والهند التي خضعت لزعامة (أنديرا غاندي) طيلة عقدين من الزمن، فضلاً عن بنغلادش والباكستان.
هذه المرأة المعاصرة هل تجد في حياة القديسة مريم عليها السلام ما يهمها ويشكل إضافة مفيدة لشخصيتها؟
إن تساؤلات كثيرة من هذا القبيل تواجه أي بحث أو دراسة لحياة الأولياء والصالحين الذي احتضنهم سالف الزمن.
ويمكننا استشفاف الإجابة على هذه التساؤلات من خلال الإشارة إلى البعد الآخر والأهم في حياة الإنسان، وهو بعد الروح والقيم والمعنويات، فالإنسان ليس جسماً فقط، ولا هو كائن مادي فحسب، ذلك أن اللَّه تعالى حينما خلقه من طين نفخ فيه من روحه، ووهب له العقل والإرادة والضمير، ولا تستقيم حياة الإنسان إلا بالتوازن بين بعدي الروح والجسد، الماديات والمعنويات، فإذا ما تجاهل الإنسان أحدهما فإن حياته ستصبح عرجاء عوراء، كمن يفقد إحدى رجليه أو إحدى عينيه.
وما تعانيه البشرية الآن من مآس والآم إنما هو نتيجة طبيعية لفقدان التوازن المطلوب حيث أهمل الجانب الروحي المعنوي، بينما تقدمت وتضخمت الاهتمامات المادية.
إن البشرية اليوم في أمس الحاجة إلى الينابيع الروحية، والوقود المعنوي، لكبح جماح عوامل الشر والفساد والإجرام، التي أضحت مدعومة ومسلحة بإمكانيات التقدم المادي الهائلة.
وحياة الأولياء هي المصدر والينبوع الذي يروي عطش الإنسان للمعنويات والقيم، وهي النسيم الذي ينعش ضمير الإنسان ووجدانه، وينمي في شخصيته توجهات الخير والصلاح.
والكتاب الماثل بين يدي القارئ الكريم هو محاولة طيبة لتسجيل صورة مبسطة واضحة عن حياة السيدة الصديقة مريم ابنة عمران عليها السلام، وهي قدوة ربانية وأنموذج إلهي ومنبع فياض بالقيم والمعنويات.
ورغم مضي عشرين قرناً على وفاتها إلا أن حياتها وسيرتها لا تزال ثرية ومعطاءة، تؤكد لبني البشر عامة، ولبنات حواء خاصة، ضرورة الارتباط باللَّه سبحانه وتعالى والخضوع لشريعته، وأهمية القيم الروحية السامية والمناقبيات السلوكية ودورها في سعادة الإنسان وتجنيبه المخاطر والشرور.
لقد كانت السيدة مريم (عليها السلام) إنسانة عظيمة ذلك لأن الرجولة والأنوثة ما هي إلا إطار للمضمون الإنساني، وبمقدار ما يتوفر المضمون وترتفع درجة المحتوى تكون قيمة الإنسان وعظمته دون أي اعتبار للإطار رجولة كان أو أنوثة.
واختار اللَّه تعالى هذه المرأة لتحدث من خلالها معجزة إلهية نادرة، ولتكون أماً لنبي من أنبياء اللَّه العظام وأحد أهم مغيري تاريخ البشر والمؤثرين فيه نبي اللَّه عيسى عليه السلام، وأن تكون أمومتها له بشكل استثنائي غير مألوف حيث لم يمسسها بشر أي من دون زوج، وهذا التقدير الإلهي كان امتحاناً وابتلاءً صعباً للسيدة مريم عليها السلام حيث استهدفتها سهام المغرضين والمفترين، ولكنها تحملت الآلام، وصمدت أمام الإثارات والافتراءات، وكانت كما أرادها اللَّه وفي مستوى التحدي، ونجحت في الامتحان العسير.
تلك المرأة التي ناصبها المجتمع العداء في حياتها، أصبحت الآن المرأة الأولى بين بنات حواء من حيث التقديس والإجلال، فأكثر من نصف البشر يكنون لها الاحترام والإكرام، وينشدون ويتبركون بذكرها، ويتيمنون بكل ما يمت إليها بصلة.
أرجو أن المؤلف الفاضل قد وفق في محاولته، وأن يجد القارئ الكريم في سطور هذا الكتاب ما يمنحه المزيد من الثقة بربه وبذاته، وما يدفعه للاستضاءة بأنوار حياة هذه الصديقة الطاهرة وخاصة بالنسبة للمجتمع النسائي.
وأتمنى أن يكون هذا الكتاب باكورة وبداية لمسيرة نشطة هادفة في حقل التأليف والكتابة من قبل المؤلف الكريم الذي نذر حياته لخدمة الدين والمجتمع، وروض نفسه بمكارم الأخلاق حفظه اللَّه ونفع به وكثر في المجتمع أمثاله.
وسلام دائم على الصديقة الطاهرة مريم ابنة عمران وعلى ولدها النبي العظيم عيسى وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وأولياء اللَّه الصالحين.
حسن الصفار
5/2/1412هـ