الحماس هنا والأيدي الخفية هناك
يفترض في المجتمع الإسلامي أن يكون مجتمعا منافسا، فمعتقداته معتقدات منافسة، من شأنها اجتذاب واستهواء الآخرين وتفعيلهم فكرياً وسلوكياً، ومن ثم احتواؤهم ضمن منظومة المجتمع المسلم.
يشير الأستاذ يوسف اليوسف في مقالة له بمجلة البلاغ عدد (1243) تحت عنوان أيها المسلمون إياكم واليأس فإسلامكم أقوى بقوله (فعلى الرغم من ضعف المسلمين أفراداً وشعوباً ودولاً وحكومات، على الرغم من هذا الخصام النكد بين معظم المسلمين أفراداً وشعوباً ودولاً وحكومات وبين إسلامهم، حيث لم يعد المسلمون يعكسون الصورة الزاهية للإسلام وعظمة الإسلام، وعلى الرغم من أن أغلب الحكومات الإسلامية لا تطبق الإسلام ولا تربي أبناءها وشعوبها عليه، وعلى الرغم من جهل المسلمين أنفسهم بإسلامهم حتى وصل بهم هذا الجهل مرحلة أنهم ينفّرون الناس من الإسلام ومن تعاليم خير الأنام محمد (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم)، على الرغم من هذا كله فما من يوم ينشق فجره إلا وتحمل إلينا وسائل الإعلام أنباء عن دخول أناس جدد في هذا الدين الخاتم الخالد).
إن هذه القدرة تنعكس على التجمعات الإسلامية المتدينة، التي تحمل أو تستبطن تصورات ومشروعات لخير المجتمع وصلاحه، ولا غرابة فيما يشاهد من استقطاب مجاميع المتدينين لأجيال الشباب واتساعهم المطرد، رغم الصعوبات والموانع.
هذا التوسع والانتشار لا يريح أصحاب الأفكار المنحرفة والتوجهات المشبوهة، ومراكز القوى التي ترى سلامتها في ضعف هذه التوجهات الدينية، وفي القضاء عليها، فما هو الحل؟ وكيف ستعلن الحرب على هذه الفئات؟
إنهم يعلمون مسبقاً ان أي حرب من الخارج على هذه الأطراف والجماعات المتدينة سيكون مردودها عكسياً، حيث سيتعاطف المجتمع معها وستنشد – بدافع الدين والغيرة - مجاميع الشباب لها، وهذا لا يخدم فكرتهم في ضرب وإضعاف هذه التجمعات الطيبة.
لذلك كان الخيار الأنسب لهم هو أن تشن الحرب ولكن من الداخل، وأن تفكك هذه التجمعات ولكن بأيد محسوبة عليها، ولا بد من تحقيق الهدف الأكبر وهو عزلها عن شارعها العام، بقناعات مضادة ومتصادمة لكل توجهاتها لكنها ناتجة من قراءة المجتمع لسلوكها العدواني على بعضها البعض باسم الإسلام والدين والقيم.
أمام هذه الضرورات لم يكن صعباً على الاستكبار العالمي والحاقد على الدين أن يجد من يساعده في مهامه... والعدة التي يحتاجها الأمر ليست شاقة فيكفي أن يكون شاب أو شيخ يحافظ على مظهر ديني مقبول، وعقل وقّاد وحماس منقطع النظير، حتى يلقى مكانه وسط الأجواء الدينية، ثم يبدأ وكأنه المدافع والموالي لتلك الفئة مقابل الفئات الدينية الأخرى، ولربما كانت مواقف بعض المنتمين سبباً في جر بقية إخوانهم إلى صراع يخطط له آخرون وتديره أيدٍ خفية ماكرة ذات أهداف مشبوهة.
يؤكد كتاب (احذروا الايدز الحركي) للمفكر الإسلامي فتحي يكن (فالقوى السياسية والفكرية، والأجهزة الأمنية والجاسوسية المختلفة تلجأ لضرب خصومها إلى إحداث خرق ما في بنيتها التنظيمية، عبر استكشاف نقاط الضعف أولاً، ثم مد اليد والاختراق) بالطبع هذه المجموعة في هذا التجمع الديني قد تواجهها مجموعة أخرى في التجمع المقابل هي الأخرى مجندة لنفس الأهداف مما يجعل وتيرة الصراع متصاعدة ويفقد العقلاء والقيادات القدرة على ضبط الأمور.
إن الحماس والاستبسال الذي يبديه بعض الأفراد في الصراع والتقاتل مع إخوة الهدف الواحد، والتجمعات المؤمنة المنافسة، بحاجة إلى حذر شديد ونباهة فائقة فقد يكون ناقوس خطر، ومعول دمار لإخوة الهدف الواحد والعقيدة الواحدة، هذا ما قصده محمد حسن الموسى في كتابه الحركة الإسلامية وأجهزة المخابرات (حينما يكون المجتمع في حالة صراع وتحد مع أعداء طامعين، فلا يجوز له أن يسقط من حسابه دور العدو في مشاكله الداخلية، ذلك أن العدو يستهدف الجبهة الداخلية للمجتمع بشكل رئيسي، والنزاعات والخلافات تصب في قناة العدو وتضاف إلى رصيده) ولعل عدم القدرة على معرفة منشأ الشائعات، وتحديد المسؤولية عن بعض التصرفات والأحداث دليل واضح على الأيدي المقنّعة والأصابع المجرمة التي تدفع المجتمع إلى هاوية التمزق والضياع.
أختم بمقتطفين من كتاب ثقافة المسلم بين الأصالة والتحديات لموسى الإبراهيم (لقد آن للمسلمين أن يفقهوا كيف ينبغي لهم أن يفهموا بعضهم عندما يتفقون في الرأي أو عندما يختلفون فيه، وإن هذه القضية لهي أخطر تحدٍ للصحوة الإسلامية - ومن داخل هذه الصحوة - ولربما تأتي على كثير من إنجازات الصحوة فتدمرها وتهيل عليها التراب إن هي لم تضع حداً واعياً وأخلاقياً لهذه القضية) ، (إن الصحوة الإسلامية إذا تجاوزت التحديات الداخلية فإنها لن يضرها بإذن الله كيد الكائدين من ألد أعدائها لأن الله يدافع عن الذين آمنوا).
إن أي صوت يحاول تمزيق أمتنا وتفتيت وحدتها مهما كان غطاؤه وستاره، ينبغي أن نعي أنه إلى جانب جهله وحماقته ربما يكون محركا بخفاء ودهاء من خارج الحدود.