أزواج يشكون ويتجسسون على بعضهم
بسيل جرار وجارف من الأسئلة المؤذية ينطلق الرجل أحيانا مستقبلا زوجته المتهيئة لاستقباله واحتضانه، من اتصل هاتفيا حال غيابي؟ مع من تحدثتِ اليوم؟ ما دام الصوت صوت رجل فلم لم تقفلي خط التليفون؟؟ هل جاء أحد للمنزل أثناء غيابي؟
هل ذهبتِ لزيارة أحد من صديقاتك؟ وهل كان أحد من الرجال في المنزل حال زيارتك؟
مقابل أسئلة الرجل هناك عشرات الأسئلة تمطرها المرأة على زوجها، لماذا تحدثت مع تلك، ولما استقبلتها؟ ولماذا تذهب في مشاوير عملك معها؟ ولماذا تتحدث بالهاتف بعيدا عنا؟ إلى آخر القائمة التي لاحد لها تقف عنده.
الشك الزوجي مشكلة معقدة وتجاوزها ليس سهلا، فهي تمس الشرف، وتحط من الكرامة، وتحيط المتهم من الزوجين بحالة من الإحباط والمرارة، وهي ذات تشعبات مريعة ترمي بثقلها في كل تفاصيل الحياة الزوجية، وقد تصل أحيانا إلى الاقدام على الانتحار والذهاب إلى الموت بقلب بارد بغية التخلص من وهم العار وشناعة التهمة.
لنتمعن في سؤال قدمه أحد المصابين بهذا المرض لموقع الشيخ عبد العزيز بن باز، يقول السائل:
«أنا متزوج من 15سنه لدي 8 اطفال مشكلتي أنني أشك في زوجتي مما جعلني أعيش في هم وغم اشك فيها بالخيانة ذلك الشك جعلني أفكر أحيانا بطلاقها أو الانتحار أو قتل الزوجة واشك في أولادي أنهم غير عيالي واشك في بعض الناس أنهم يخونونني في زوجتي وخاصة عند غيابي وعندما أكون موجوداً يكون سلوك زوجتي جيداً تحافظ على الصلاة وتأمر الأطفال بالصلاة والمواظبة عليها وعندما أكلمها عن الخيانة تقول الله حسيبك وأقول في نفسي أنني ظلمتها أرجو إرشادي إلى الحل أنا في حيرة علما أن عملي بعيد عن البيت مما يجعلني أتغيب لمده طويلة».
لن أذهب للجواب في الموقع المذكور، بل سأستحضر كلاما مهما يشرح أبعاد مرض الشك الزوجي بين الرجل والمرأة وأثره على الأسرة بشكل عام، حيث يؤكد الدكتور زكي عثمان -أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر (على أن الشك بطبيعته يؤدي إلى قتل المودة واختناق العاطفة وتدمير الرحمة، والشك بطبيعته أيضا يكون بينه وبين الاستقرار عداوة، وبينه وبين الأمن الأسري حرب شرسة لا تنتهي، ويكون بينه وبين الطلاق علاقة وثيقة وصداقه قائمة ودائمة؛ فاحذر الشك، وبخاصة الشك المبني على أوهام وظنون وتكهنات واتهامات وتزييف للحقائق.
والشك لا يقيم للحياة الأسرية بيتا ولا مأوى؛ فعواصف الشك عواصف عاتية وشديدة، فيها عذاب أليم، ونار تحرق كل ما حولها من عواطف وقيم؛ فالزوج الشكاك مريض نفسيا وقلبيا).
المودة والسكن والرحمة ليس لها مكان مع الشك، بل يسود البرود العطفي على كل تفاصيل الحياة الزوجية، وتبدو معه كل الأمور معكوسة رأسا على عقب.
هذه الشقلبة لا تقتصر على قراءة التصرفات المحيّرة أو ذات الأوجه والزوايا المتعددة، وإنما تتحول إلى منهج يصل بالبعض إلى اتهام كل حركة وسكون، فيحاكم الألفاظ ويقاضي الحركات والسكنات، وبتقصد عامدا مراقبة النظرات ليصل إلى كتم الأنفاس.
ولا تقف تأثيرات الشك على حالة البرود العاطفي بين الزوجين، ومراقبة النظرات والتصرفات فحسب، بل قد تصل الى ممارسة العنف بكل أنواعه من ضرب وشتم وقذف وطرد من المنزل وتشهير بالزوج أو الزوجة بين الناس من أقاربهم وذويهم، وقد أوردت صحفنا أخبارا كثيرة عن زوجات كن يسجن في منازلهن بسبب الشكوك الواهية التي تحوم في رؤوس أزواجهن.
لن تصدق أيها القارئ إن قلت لك أن بعض حالات الشك بين الزوجات والأزواج تدفعهم للقيام بتسجيل شريك حياتهم، والتنصت على كل مكالماته الهاتفية، والتي أصبحت سهلة ويسيرة بوسائل العلم والتكنولوجيا.
ربما لايكون حل هذه المشكلة سهلا ويسيرا، خصوصا حين تصل ذروتها ويطبق الظن على قلب أحد الزوجين أو كليهما، لكن الخطوة الأولى في طريق الحل تتمثل في تدريب النفس وترويضها على عدم الاستجابة والتعاطي مع الظنون السيئة التي قد تخطر عليها وتمس شريك حياتها، يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾.