مجتمعاتنا وأوطاننا مستهدفة في وحدتها واستقرارها وأمنها
أبدى فضيلة الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع تعجبه واستغرابه من حالة التفرق والخلاف المذهبي بين السنة والشيعة، في مقاله الجميل الذي نشرته صحيفة الوطن السعودية، يوم الأربعاء 4 جمادى الأول 1430هـ الموافق 29أبريل 2009م.
مع اتفاق السنة والشيعة على الإقرار بالربوبية لله تعالى، وبنبوة النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومرجعية القرآن الكريم، والصلاة إلى قبلة واحدة هي الكعبة.
قائلاً: فعلى الرغم من هذه المعايير الشاملة والجامعة لشمل الأمة نجد الخلاف، ولا شك في أن هذا الأمر محل استغراب.
وإني لأقدر لفضيلته هذا الحرص والاهتمام بوحدة الأمة، وهذا الطرح الإيجابي الذي يتسم بروح التسامح والتفاهم.
وقد عنون فضيلته المقال بعنوان (رسالتي لكل شيعي) وكمسلم شيعي، فإني أستقبل رسالته بكل محبة وسرور، وأعلن عن تجاوبي الكامل مع أي مسعى يقترحه فضيلته لتجاوز حالة الخلاف والقطيعة، وخاصة بين أبناء وطننا الواحد من السنة والشيعة، وقد سبق لي أن وجّهت رسالة مفصلة للإخوة السلفيين وخاصة العلماء والدعاة منهم تحت عنوان "السلفيون والشيعة نحو علاقة أفضل" نشرت قسماً منها صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 2 محرم 1425هـ الموافق 22 فبراير 2004م، وطبعت في كتيب، صدر عن دار الواحة في بيروت/ لبنان عام 1425هـ.
وأرى أن ما طرحه فضيلة الشيخ المنيع يتفق مع ما كنت طرحته في تلك الرسالة، حيث ذكرت ضوابط أربعة للعلاقة المنشودة بين الطرفين:
1/ الإقرار بجامعية الإسلام للطرفين.
2/ الاحترام المتبادل.
3/ اعتماد نهج الحوار في قضايا الخلاف.
4/ تفعيل التعاون في خدمة المصلحة العامة للإسلام والوطن.
وأتفق مع فضيلة الشيخ بضرورة تجاوز الاختلاف في تقويم رجالات السلف وأحداث التاريخ، فلا يُطالب السني بالقول بإمامة أهل البيت وعصمتهم، ولا يُطالب الشيعي بالقول بعدالة كل الصحابة، فللشيعة رأيهم في الإمامة والعصمة، وللسنة رأيهم في تنزيه وعدالة كل الصحابة، كما أن الشيعة والسنة يختلفون في مسألة التفضيل مثلاً، فيرى السنة أفضلية أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، بينما يرى الشيعة أفضلية علي، ولكلٍّ مذهبه ورأيه، ولديه أدلته وبراهينه، ويمكن للعلماء من الطرفين أن يتحاوروا حول مثل هذه المواضيع في أجواء علمية موضوعية، بعيداً عن التعبئة والتهريج، لكن من ضرورات التعايش، مراعاة الاحترام المتبادل، فلا يصح ولا يجوز الإساءة إلى أي من الرموز المحترمة عند كل من الطرفين.
وأودّ الإضاءة هنا على موقع التعجب والاستغراب لدى فضيلة الشيخ المنيع من وجود الخلاف والافتراق، فكما قيل: إذا عرف السبب بطل العجب. وأعتقد أن هناك أسباباً للخلاف والافتراق لا بدّ من تشخيصها لمعالجتها وتلافي آثارها، وأبرزها في نظري أمران:
الأمر الأول: فعل السياسة فقد تقتضي إثارة الخلاف، لتحقيق بعض الأغراض، وهذا يشمل الإرادات السياسية المصلحية داخل الأمة، وخارجها.
الأمر الثاني: اتجاهات التشدد، والتي تريد فرض رأيها ولا تحتمل وجود الرأي الآخر، ولا تقبل الاعتراف به والتعامل معه، هذه الاتجاهات تثير الخلاف والتفرقة حتى داخل المذهب الواحد.
وأعتقد أن مسؤولية العلماء الحريصين على وحدة الأمة ومصلحتها، أن يوجّهوا النصيحة للجهات السياسية داخل الأمة سنة وشيعة بأن يكفوا عن النهج الطائفي، وأن يحذّروا الجمهور المسلم من والقوع في فخ المؤامرات الأجنبية التي تريد تمزيق صفوف المسلمين وإشغالهم ببعضهم.
من ناحية أخرى لا بدّ من نشر روح التسامح وثقافة الوحدة والتقريب كما أشار إلى ذلك فضيلة الشيخ المنيع في آخر مقالته.
إن مجتمعاتنا وأوطاننا مستهدفة في وحدتها واستقرارها وأمنها، ولا منعة ولا حصانة إلا بالعدل والوعي وروح التسامح، فهو ما يعزز الوحدة، ويحمي الأمن والاستقرار.