شجعته الأفلام وأغرته الملابس
وسط ذهول كبير وصدمة كان المنجي من عواقبها رب العباد، وقف الشاب العشريني أمام القاضي بالمحكمة الكبرى، وأعترف بأن الجنين الذي في بطن أخته كان بسببه.
يقول: كنت أشاهد الأفلام ليلا حين يذهب والداي إلى النوم، وكان أغلبها مسلسلات وأفلام أجنبية، بحجة أننا نريد تعلم اللغة وإتقانها، واستمر الحال هكذا لسنوات، لا يشاركني أحد السهرة سوى أختي الشابة التي تصغرني قليلا، والتي كان الأهل يتساهلون في لباسها المنزلي.
لقد كان التلفاز يشدني من جهة، وأختي بلباسها تشبع نظراتي من جهة أخرى، إلى أن حصل ما حصل في لحظة ضعف ساقتنا إلى الحرام، الذي كان صعبا علينا في البداية، لكننا كنا بحاجة لتهدئة تلك الإثارات التلفزيونية، فاعتدنا تكرار الذنب، حتى حصل ما حصل.
نحن معنيون بقراءة الكثير من الحوادث الاجتماعية والأخلاقية التي تقع في الوسط العربي الاجتماعي لاستنطاقها ووعيها والإحاطة بالمسببات التي أفرزتها، ومن ثم الاعتبار بها والنأي بأنفسنا وأهلينا من الوقوع فيها.
الملاحظ في الفاجعة المذكورة أن بيئة الانحراف ومحفزاته كانت منزلية، اعتمدت على لباس المنزل شبه المتعري للفتاة، أو لنقل المثير لمن حولها، وثانيا المواد المعروضة على القنوات الفضائية التي تشاهد دون رادع أو وعي، وثالثا غفلة الوالدين واستسلامهما للاطمئنان دون توجيه ورعاية.
أفلام هابطة:
من مسلسل إلى آخر اليوم عربي وبعده مدبلج أجنبي وأخيرا من مجتمع مسلم تركي، وأغلبها أفلام عن الفتيات الفالتات والخيانة الزوجية، التي تعني ارتباط الزوج أو الزوجة بآخر على وجه غير شرعي.
صحيح أن نهاية المسلسل في الحلقات الثلاث الأخيرة منه تكون نهاية تعيسة لتلك الخيانة، لكن عشرات وأحيانا مئات الحلقات منه كانت تغذي لحظات عاطفية هائجة بين رجل وفتاة بطريقة ليست سوية، الحاضر الوحيد فيها هو اللذة، واللاعب المنتصر هو الغريزة، لتبقى هذه المناظر التي تستمر شهورا بعدد حلقات المسلسل تغذي الوعي الباطن للمشاهد، وتدفعه إلى حد الهياج الذي لا يعي ولا يبصر حدا يقف عنده.
الحب والقبلات واللمسات الحانية والنظرات المفتتنة والكلمات المعسولة، هي الثقافة التي تمكث في أرض تلك القلوب المستسلمة لهذه المسلسلات، تحت مسميات التسلية وفهم الحياة، وفي المسلسلات الأجنبية يخدع الناس أنفسهم وآباءهم بوهم تعلم اللغة، الذي لا يتقنونها كما يظنون إلا بأفلام الحب وقصص الخيانة.
ربما تتساهل بعض الأسر في الكثير من التفاصيل اليومية التي يعيشها المنزل بعدده البسيط من أولاد وبنات، معللة ذلك بأنهم اخوان، ولا يمكن لأي منهم أن ينظر للآخر بريبة، وهم بذلك يخطئون في أمرين:
• الأول: أنهم يجهلون حالة الشباب عند الإثارة، ويعتقدون أن عقلهم تسيطر عليهم كما هو في الوضع الطبيعي، متناسين تيار الرغبات والشهوات الذي يكون سيد الموقف وصاحب القرار«إلا ما عصم الله».
• الثاني: التناسي والتغافل عمّا يسمعون من قصص حول التحرش بين الأقارب والأرحام والإخوان والأخوات،وإذا قرأ البعض وسمع فإنه يتصور نفسه وعياله في محمية لا تتأثر باختلاف العوامل الجوية، فيدس أحدنا رأسه في التراب مطمئنا على قاعدة«حوالينا ولا علينا».
ما كتبته لا يعني تشددا ولا تزمتا ولا حجابا أدعو له في المنزل بين الأخت وإخوانها، إنني أعني السعي للتفاني على العفة في الحياة المنزلية، سواء في اللباس أو ما يعرض ويشاهد في القنوات الفضائية، وكذلك ما يجب أن يراعيه الوالدان من سلوك بينهما يكون واقعا في دائرة الإحساس والمشاهدة من بقية أفراد الأسرة.
يفترض في البيئة المنزلية أن تكون على درجة عالية من الصفاء، بحيث تستطيع بصفائها وعفتها أن تعالج العوائق التي يحملها أفرادها من البيئات الأخرى التي يحتكّون بها «المدرسة والشارع ومكان العمل» وهذا لا يكون إلا إذا كانت الثقافة المتحركة في المنزل تعتمد على التوجيه دون تعب، وشفافية الحديث وصراحته دون ابتذال، ووضع القوانين الضرورية برفق ودون صرامة، والشعور من قبل الوالدين بما يعانيه المراهقون، ثم الإقبال على الحديث معهم دون حرج.