ابتزاز الفتيات ودور العائلة
حب الإنسان لذاته يدفعه لتلبية الرغبات والشهوات التي تتحرك داخل نفسه، لكن بعض هذه الرغبات قد يوقعه فيما يضره، فلا بد وأن يستعمل عقله للموازنة: (رب أكلة منعت أكلات)، وهناك من يخدع غيره عبر تحريك بعض رغباته ليوقعه في المهالك إما حسداً له أو استغلالاً، وقد يقع الإنسان في فخ الخداع والتضليل لبراءته وسذاجته أو لغفلته أو لسيطرة الرغبة عليه.
ولا يخفى دور الشيطان الرجيم في هذا الجانب، والقرآن الكريم يُسجّل لنا في أكثر من موضعٍ قصّة خروج أبينا آدم وأمِّنا حواء ، وكان سبب ذلك استجابتهما لوسوسة الشيطان، الذي أوقع بهما في هذا الخطأ الذي كانت نتيجته كما يحكي القرآن الكريم، خروجهما من الجنّة، يقول تعالى: ﴿وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾.
وجوهر القصّة أن الله تعالى أسكن آدم وحواء الجنة الواسعة ذات النعم الكبيرة، وكان النهي الإلهي من الاقتراب من شجرة واحدة والأكل منها، إلا أن الشيطان تحرّك بإغوائه ليُحرّك الرغبة عند آدم وحواء للأكل من تلك الشجرة، وجاء لهما ناصحاً ومقسماً، وما كان في ذهنهما أن أحداً من المخلوقات يُقسم بالله تعالى كذباً، فهذه أول تجربةٍ لهما في الحياة، لذلك استجابا لهذه الخدعة وكانت النتيجة خروجهما من الجنة.
والقرآن الكريم حينما يحكي لنا هذه القصّة إنما لأخذ الدروس والعبرة منها، وأن لا ننخدع بمكائد الشيطان الرجيم ولا ننخدع بأي تضليل وهي في ذات الوقت تجربة عملية يستعرضها الله تعالى أمام الإنسان كي لا ينخدع بتضليل من يُحرّك رغبته وشهوته.
نشهد في هذا العصر ومع تطور وسائل التقنية والاتصال زحفاً غير معهود من قبل الشيطان وقبيله، فالشيطان أصبح يتمثل في قبيلة بل قبائل، ويتحرّكون جميعهم من أجل إيقاع الإنسان في فخ الشهوات والرغبات التي تنتهي بحياته إلى الخسران والدمار، ويقع الكثيرون من الناس في هذه الفخاخ، إما لضعف التجربة أو لسيطرة الرغبات والشهوات أو للبساطة والسذاجة أو للغفلة.
ويأتي الشباب في الدرجة الأولى في قائمة المستهدفين من هذه الإغواءات، وأصبح الأمر يُشكّل ظاهرة خطيرة تؤدي بمن يقع فيها إلى خسائر جسيمة، هذه الظاهرة هي ظاهرة الابتزاز، ويتحرّك المهووسون بهذا الأمر لابتزاز الفتيات في الغالب وفي بعض الأحيان يقع الابتزاز على الشباب، وقد يبدأ مسلسل الابتزاز بمكالمة عاطفية تنجرّ الفتاة لها بحكم ظروفها العائلية، إلا أن هذه المكالمة تكون بداية نصب الفخّ لها لتكون النتيجة دمارا لحياتها. والقصص في هذا الجانب كثيرة والصحف تحكي عن جزءٍ من هذه القصص، فليس ما يُنشر هو كل شيء.
وتُشير الإحصائيات إلى أن 15 في المئة ممن يُراجعون المستشفيات النفسية هم ممن تعرضوا للابتزاز. ولا يقتصر الابتزاز على الفتيات فحسب، وإنما حتى الشباب قد يتعرضون للابتزاز من قبل فتيات أو من قبل شباب آخرين يحترفون هذا العمل الإجرامي.
ومن أبرز الأسباب التي توقع الفتيات والشباب في فخاخ الإغواء التالي:
• أولاً: ضعف الدفء العائلي.
فمعظم القضايا التي سُجّلت لدى الجهات المختصة كانت أسبابها ضعف الدفء العائلي، وهنا يأتي دور العائلة في احتواء أبنائها وبناتها وغمرهم بالدفء والعاطفة والحنان، فنحن نعيش في عصر تعددت فيه وسائل الإغراء والإغواء، وعلى الأب والأم أن يأخذا هذا الأمر في اعتبارهما، وأن يتبادلا دور التبادل العاطفي، ويغرسا ذلك في نفوس أبنائهما وبناتهما، لتنعم العائلة كلها بالحب والحنان.
• ثانياًً: ضعف الانفتاح العائلي.
حيث أصبح الابن في عالمه الخاص والبنت في عالمها الخاص، والأب والأم كلٌّ في عالمه، ولقاء العائلة محدود، بل ومعرفة الأب أو الأم بحياة أبنائهما وبناتهما في مستوياته الدنيا، من هنا يستطيع من تُسوّل له نفسه التسلل إلى قلب الشاب أو الفتاة، ويبقى الأمر غائباً عن أنظار العائلة، حتى تتفاقم المشكلة ويقع الشاب أو تقع الفتاة في الفخ وعندها لا يُفيد الندم.
فالمبالغة في الخصوصية للولد والبنت تجاه العائلة انعكاساتها سيئة للغاية، كما أن القسر والقسوة نتائجهما سيئة أيضاً، وهنا من المهم أن تسلك العائلة منهجاً وسطياً أساسه الانفتاح على الأبناء والبنات والقرب منهم وإحاطتهم بالرعاية والاهتمام، فهذا الأمر خير وقايةٍ لما يُعانيه المجتمع اليوم.
• ثالثاً: عدم التفهم، وشعور البنت بأنها في موقع الضعف، فالخطأ وارد لديها إلا أنها إذا لم تستطع المكاشفة مع أحدٍ من أسرتها تكون المصيبة أعظم وأعمق، فتستمر البنت في الخضوع للابتزاز. ولذا ينبغي للآباء والأمهات أن يتفهّموا أوضاع بناتهم وأن يتصرّفوا بحكمة في مثل هذه المواقف، فالتعامل بالعنف والقسوة وسوء الظن الشديد يُنفّر الأبناء والبنات من المصارحة والمكاشفة، وبالتالي يكون ما هو أسوأ وأفظع، وعلى الفتيات أن يقرأن ويُتابعن أحداث المجتمع والقضايا التي تحصل لمثيلاتهنّ في المجتمع لكي يأخذن الدروس والعبرة، ويعرفن كيف يتصرّفن في مثل هذه المواقف، والمسؤولية أيضاً تقع على عاتق العائلة، إذ من المهم أن ينفتح الأب والأم على الأبناء والبنات وإطلاعهم على ما يجري من حولهم، ليكون ذلك درسا لهم.
وهكذا القرآن الكريم حين يورد لنا قصة أبينا آدم وأمِّنا حواء من أجل أن تكون تجربة على مسرح الحياة، نستلهم منها دروساً وعبرة، تكسبنا خبرة تقينا من الانخداع والاستجابة لدوافع الرغبة والشهوة دون تفكير.
وعلينا أن نُعلن لأبنائنا وبناتنا عن هذه المشكلة والظاهرة، ونوجّههم للتصرف السليم حيالها، قبل وقوع المشكلة، فذلك أدعى لسلامتهم من أن ننتظر حصول المشكلة، لنفكّر في العلاج.