فتنة التكفير من جديد 1-2
حينما يعتنق الإنسان دينا انما يعتنقه اعتقادا منه بأحقية ذلك الدين، وهو يرجو بانتمائه اليه رضا الله سبحانه وتعالى، وبالتالي فالانتماء الى الدين اندفاع ذاتي من داخل الإنسان، هدفه رضا الله سبحانه وتعالى وليس رضا الآخرين.
وحينما يتشكل مجتمع على أساس ديني، فإن الانتماء الى ذلك الدين الذي تشكل المجتمع على أساسه، تكون له قيمة معنوية، وتترتب عليه حقوق متبادلة بين أفراد ذلك المجتمع، كما هو الحال في مجتمع المسلمين، فهو مجتمع قائم على أساس الاسلام، ومن ينتمي للإسلام فهو جزء من هذا المجتمع، له ذات القيمة المعنوية الاعتبارية، وله نفس المستوى من الحقوق، كما عليه ذات الدرجة من الواجبات، وقد نص القرآن الكريم، والسنة الشريفة على الحقوق المعنوية والاجتماعية المتبادلة بين أبناء المجتمع الإسلامي، فـ (المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يظلمه)، و﴿إنما المؤمنون إخوة﴾، إلى سائر النصوص التي تتحدث عن القيمة المعنوية لهذا الانتماء اجتماعيا، والحقوق المترتبة على ذلك.
من هنا فإن التنكر لانتماء أي إنسان لهذا المجتمع الإسلامي، ولهذا الدين، انما يعني التنكر لقيمته المعنوية، والتنكر للحقوق المترتبة على ذلك الانتماء.
ولنضرب على ذلك مثالا بالانتماء للوطن، فالانتماء للوطن أن يحمل الانسان جنسية بلد ما، له اعتبار معنوي ومادي، وتترتب عليه حقوق وواجبات، وحينما لا تمنح الجنسية لهذا الانسان، أو حينما ينكر حقه في امتلاك جنسية هذا البلد، فهذا يعني أنه سيحرم من الامتيازات التي تتوفر لمن يحملون جنسية هذا البلد، وهذا واضح ومعروف، وقد أطلق على بعض من لا يحملون جنسية البلد الذي يعيشون فيه لفظ «بدون».
وهكذا في المجتمع القائم على أساس الدين، حيث تترتب على الانتماء لهذا المجتمع حقوق مادية واجتماعية، وضع الإسلام معايير لاقرار هذا الانتماء، فما هي هذه المعايير التي يكون الانسان على أساسها منتميا لهذا الدين؟
مما لاشك فيه أن هذه المعايير يضعها منزل الدين وليس الآخرين، فلا يحق لي أنا أن أضع معايير، فأشترط أن من ينتمي لهذا الدين لابد وأن يكون ملتزما بهذه المعايير.
ان معايير الانتماء الى الدين يضعها من أنزل الدين، وهو الله سبحانه وتعالى، وحينما تتوفر هذه المعايير التي وضعها الله سبحانه وتعالى فلا يحق لأحد أن يتنكر لها، كالدستور - تماما - في أي بلد، إذا وضع معايير لكسب الجنسية، فمن توفرت فيه هذه الصفات يمنح جنسية البلد، ولا يحق لأحد أن يختلق شروطا اضافية لمنح الجنسية، لم ينص الدستور على ضرورة توفرها.
يضع الدين معيارا للانتماء له، فمن توفر فيه لا يصح لأحد أن ينكر عليه انتماءه لهذا الدين، الله تعالى يقول: ﴿يا أيها الذين امنوا اذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا﴾ فاذا جهر شخص من معسكر العدو بالشهادتين، وقال: اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله، او عبر عما يدل على ذلك فقال مثلا: السلام عليكم، وهي تحية السلام، فهذا الشخص توفر فيه معيار الانتماء الى الاسلام والى مجتمع المسلمين، وعلى المسلمين ان يتعاملوا معه كمسلم، له ما لهم وعليه ما عليهم،وهنا وقفة تحذير، اذ تقول الاية ﴿تبتغون عرض الحياة الدنيا﴾، ففي بعض الاحيان ينكر انسان على شخص اخر انتماءه للاسلام، وذلك حتى ينال الغنيمة بقتله، او حتى لا يكون منافسا له فيما عنده من امتيازات وهذا ما تحذر منه الاية الكريمة. كما ان النصوص الكثيرة على هذا الصعيد جاءت لتؤكد المعايير المتبعة لاعتبار هذا الشخص من المسلمين اولا ورد في صحيح مسلم عن المقداد ابن الاسود انه اخبره انه قال: «يا رسول الله أرأيت ان لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب احدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال اسلمت لله، افأقتله يارسول الله بعد ان قالها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتله، قال فقلت يارسول الله انه قد قطع يدي ثم قال ذلك بعد ان قطعها افأقتله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتله، فان قتلته فإنه بمنزلتك قبل ان تقتله وانك بمنزلته قبل ان يقول كلمته التي قال».
وكذلك الحديث المشهور المروي عن اسامة بن زيد انه قال: «بعثنا رسول الله في سرية فصبحنا الحرقات من جهينه فأدركت رجلا فقال لا إله الا الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقال لا اله الا الله وقتلته، قال قلت يارسول الله انما قالها خوفا من السلاح قال افلا شققت عن قلبه حتى تعلم اقالها ام لا فما زال يكررها علي حتى تمنيت اني اسلمت يومئذ».
وفي صحيح البخاري: عن رسول الله انه قال: «امرت ان اقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فاذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم واموالهم الا بحق الاسلام وحسابهم على الله».. واحاديث كثيرة في هذا السياق.
حصلت بين المسلمين بعد وفاة الرسول الاعظم اختلافات سياسية ثم اصبحت عقدية وفقهية فهل يصح لطرف من الاطراف ان يعتبر رأيه فيما ذهب اليه - عقديا او فقهيا او سياسيا - مقياسا اضافيا للحكم بدخول الاسلام؟
ان هذا لا يصح وقد حصلت هذه الحالة في ايام الفتن والصراعات حيث ان بعض المتشددين من السنة او من الشيعة او من الخوارج او من الاتجاهات المختلفة تعد رأيها مقياسا للاسلام، فمن اخذ برأيها يكون مسلما ومن لم يأخذ برأيها تعده خارج دائرة الاسلام وهذا يطلق عليه مصطلح التكفير وهي اسوأ محنة ابتليت بها الامة الاسلامية ان يكفر المسلمون بعضهم بعضا.