وطن واحد يسعنا نحن والإخوة الشيعة!
إذا كنت من مستخدمي الإنترنت فلا بد أن رسائل إلكترونية «مجهولة المصدر» من شاكلة انظر كيف يحتفلون بمقتل عمر بن الخطاب تزورك في صندوقك البريدي رغما عن أنفك، وأخرى تردد أفكارا نمطية ومقولات عن الإخوة الشيعة في محاولة لتأجيج الكراهية. بينما تمعن أخرى في إشعال جذوة الطائفية برسالة تطالبك فيها بمقاطعة منتجات الشيعة في المملكة وذلك على غرار مقاطعة المنتجات الدنماركية!
وقد انتشر إيميل يسمي بعض المنتجات بأسمائها ويحذر من شرائها لأن مالكيها من الإخوة الشيعة، فما كان من الطرف الآخر إلا الرد بالشكر لمن عرفهم بتلك المنتجات ليشتروا منها على الدوام ويقاطعوا غيرها! وهكذا يتم تأجيج الكراهية وزرع التشرذم والفرقة في المجتمع الواحد، ويتم تجييش المشاعر وشحنها بين الإخوة! كما تحفل المواقع الإلكترونية بردود تعبق برائحة الطائفية البغيضة على كل مقال يحاول تهدئة الشارع وقمع الفتن الطائفية والمطالبة بالتقريب بين المذاهب أو حتى بالتعايش بينها! في محاولة لتحويل الأخ المختلف والجار القريب إلى ألد الأعداء، وتكريس الكراهية على الهوية المذهبية!
وإذا كنت تعيش في إحدى مناطق المملكة التي تضم الإخوة الشيعة جنبا إلى جنب مع إخوانهم من السنة، فسترى كيف ينشأ الصغار على التخويف والترهيب من الطرف المختلف، والتحذير من مشاركته المطعم أو المشرب أو الملعب. ورغم الدعوة اليوم إلى التعددية وتقبل الاختلاف إلا أن أفكار الفرقة والتشرذم والعداء تنتشر كالنار في الهشيم في الوعي الجمعي عند كلا الجانبين. ولعل المجتمع السعودي قديما شهد تسامحا وتقاربا وتعايشا بين الطائفتين أفضل بكثير مما نراه اليوم.
وذكريات طفولتي تعيدني إلى باب الشامي في المدينة المنورة حيث كانت تعيش في ذات الحي الذي نعيش فيه عدد من الأسر الشيعية التي تربط أسرتي بهم مودة عميقة ومحبة خالصة! ولعلي تشربت الاختلاف ورضعت معنى التعددية في تلك السن الصغيرة، ولطالما تساءلت ماذا لو ولدت شيعية؟ هل كنت سأغير مذهبي أم سأمضي كما نشأت ورباني والداي؟ ولطالما طرقت ذهني علامات استفهام عن الاختلاف ومعناه والحكمة منه وأسباب نشوئه وتكونه!
الإخوة الشيعة هم جزء من نسيج المجتمع ولم يكونوا يوما دخلاء عليه وما يجمعنا معهم أكثر بكثير مما يفرقنا، وقد حسمت قضيتهم طبقا لمؤتمر المذاهب الذي عقد العام الماضي في مكة وأقر المذاهب الثمانية ومنها المذاهب الشيعية. وسواء دعينا للتقارب أم للتعايش فإن المطلوب هو الاندماج فلا يمكن أن تكون هناك وحدة وطنية دون تقبل كافة الطوائف والاعتراف بها وضمان المساواة تحت مظلة المواطنة. ويجب أن تثمن جميع المحاولات العقلانية للتقارب والتعايش بين كافة الطوائف في المملكة، وأشيد هنا بدعوة التقارب التي أطلقها فضيلة الشيخ عبد الرحمن المحرج وسماحة الشيخ حسن الصفار.
الفتنة الطائفية التي خطط لها الاستعمار الأمريكي ببراعة في العراق، وشاهدنا آثارها المدمرة هناك، والتي تمد أياديها العابثة لباقي وطننا العربي، لن تقودنا إلا إلى فوضى شاملة ومدمرة تقضي علينا سنة وشيعة.. ونعلم جميعا وقتها من سيكون المستفيد!