العمل الاجتماعي وتنمية الذات
التعاليم الإلهية جاءت لترشد الإنسان إلى طريق سعادته، وتعرفه كيف يخدم ذاته؟ فهو يحب ذاته ويريد مصلحتها، إلا أن نظرته غالباً ما تكون قصيرة ومشوشة، فلا يعرف كل مضانّ مصالحه. وغالباً ما يفضل المصالح العاجلة وإن قلّت على المصالح الآجلة، ومن تلك الآفاق التي تفتحها الرسالات الإلهية وتؤكد عليها أمام الإنسان إرشاده إلى أن خدمته للآخرين هي خدمة لذاته، ذلك أن الإنسان بقصر نظره يتصور أن منفعته ومصالحه هي تلك التي ترتبط بذاته مباشرة. في حين أن الرسالات الإلهية تنبه الإنسان أن خدمته للآخرين هي طريق أفضل لخدمته لذاته.
فالإحسان الذي تقدمه للآخرين هو في الواقع يعود عليك أنت بالنفع، فلا تتوهم أنه صرفٌ من جهدك ومالك ومصلحتك للغير، وإنما هو لك أنت شخصياً. وآيات كثيرة في القرآن الكريم تؤكد هذا المضمون، يقول تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾، فحينما تحسن الحسنى تكون لك، وإن كان من حيث الظاهر ترى أنك أحسنت للآخرين أما الواقع فأنت أحسنت لنفسك وبزيادة ربحية كبيرة.
إن وجود مؤسسات تهتم بالشأن العام وتهتم بحوائج الناس وقضاياهم أمر مهم، ومع الأسف فإن المشاركة في هذه المؤسسات لا تزال ضعيفة محدودة، فالروح التطوعية وروح العمل الجمعي تحتاج إلى تنمية في مجتمعاتنا، والعمل التطوعي ينعكس على نفس الإنسان وأجلى مصاديقه الأمور التالية:
الراحة النفسية، حيث ان الانسان الذي يساعد الآخرين ويعينهم ويتطوع من أجلهم يشعر براحة في أعماق نفسه، لا تشبهها أية راحة تأتي من الملذات الأخرى، ثم الثواب العظيم عند الله تعالى، وإلى جانب ذلك توفيق الله سبحانه وتعالى لهذا الإنسان، وهذا ما تؤكد عليه الآيات الكريمة والأحاديث والروايات، بأن من أعطى فإن الله تعالى سيخلفه ويعوضه بأكثر مما أعطى، وهناك ايضاً كسب الخبرة الاجتماعية وصقل المواهب والقدرات وكسب المكانة الاجتماعية والانتماء إلى المجتمع القوي.. وأود أن أوجّه الخطاب لشريحتين مهمّتين في المجتمع، هما: شريحة الشباب: لأن مرحلة الشباب هي مرحلة العطاء، ومرحلة القوة والقدرة، وشريحة المتقاعدين: وهؤلاء بما يمتلكون من خبرة حياتية واجتماعية عليهم أن يوظّفوها في خدمة المجتمع، لا أن يركنوا للراحة والدعة، وإنما العمل هو أساس الراحة.
ورد عن الإمام الباقر أنه قال: (لأن أعول أهل بيت من المسلمين أسد جوعتهم وأكسو عورتهم فأكف وجوههم عن الناس أحب إليَّ من أن أحج حجة وحجة وحجة ومثلها ومثلها حتى بلغ عشراً ومثلها ومثلها حتى بلغ السبعين).