حوارٌ ساخن من أجل علاقةٍ أفضل
نشرت مجلة الجسور التي يصدرها الدكتور عوض بن محمد القرني في عددها الجديد، العدد التاسع – السنة الأولى – بيع الأول 1425هـ، حواراً ساخناً مطولاً مع سماحة الشيخ حسن الصفار استغرق 11 صفحة من صفحات المجلة.
وكان سكرتير تحرير المجلة الأستاذ ياسر بن محمد باعامر قد زار سماحة الشيخ الصفار في مكتبه في القطيف وأجرى معه الحوار الشامل الذي تناول كثيراً من التساؤلات التي تدور في أوساط التيار السلفي تجاه المواطنين الشيعة في المملكة.
وقد أجاب عليها سماحته بشفافية ووضوح.
ومجلة الجسور مجلة شهرية فكرية شاملة حديثة الصدور، ولها تأثيرها في أوساط شباب الصحوة في المملكة.
ويُعتبر هذا الحوار هو الأول من نوعه في درجة صراحته ووضوحه، ونأمل أن يُساعد على فهم أفضل متبادل من أجل علاقةٍ أفضل بين المواطنين على تنوع اتجاهاتهم الفكرية والمذهبية.
وفيما يلي نص الحوار:
- ليست هناك تطلعات خاصّة بالشيعة من خلال هذا الحوار الوطني وإنما هي تطلعات وطنية عامة ينشدها كل المواطنين
- لم أشارك في الحوار باعتباري ممثلاً لطائفة أو لمذهب أو لمنطقة، وإنما شاركت فيه باعتباري واحداً من هذه النخبة الوطنية التي اجتمعت لتدارس قضايا الوطن
- المرجعية الدينية عند الشيعة في السعودية هي مرجعية في المسائل الدينية الفقهية فقط لا في المسائل السياسية
- إيران تراجعت عن تصدير الثورة، وإثارة هذه المسألة في أجواء الحوار سلوك مغرضٌ
- لا يلام الشيعة على عواطفهم نحو إيران وإنما يلام الذين لا يبدون تعاطفا مع إيران وهي دولةٌ إسلاميّة واجهت النفوذ الأمريكيّ
- أعتقد أن نسبةً كبيرةً من المواطنين في المملكة يتعاطفون مع حزب الله بسبب مواقفه الجهادية المشرقة
- السياسات العامة القائمة في البلد هي المسؤولة عن انعزالية الشيعة في مجتمعات مغلقة
- لا مانع عندنا من الناحية الفقهية أن يتزوج الشيعي سنية أو تتزوج الشيعية سنياً، وفتاوى علمائنا واضحة في هذا السياق، ولكن المؤسسة الدينية الرسمية لديها تعليمات تمنع زواج السنية من الشيعي
ـ ينبغي أن تكون لغة المشاركين في الحوار لغة وحدوية لا تتحدث عن مكاسب وخسائر، وكل من يتجاوز هذا الإطار سنيا كان أو شيعيا فهو مخطئ
- التقيت مع الشيخ ابن باز واللحيدان لتوضيح صورة الشيعة وكان تفاعلهما معي طيبا
- أعرف من بين الأشخاص الذين يصنفون ضمن التيار الليبرالي أناساً معتدلين يؤمنون بثوابت الدين، ويؤمنون بثوابت المصلحة الوطنية
- أعتقد بأن سقف المطالب الشيعية الآن أصبح أكثر اعتدالا مما كان عليه قبل 25 سنة وبإمكانكم أن تراجعوا أدبياتنا في ذلك الوقت وتقارنوها بأدبياتنا الآن
- الشيعة عملاً لا يمارسون سب الصحابة ولا تكفيرهم، أما ما ذُكِرَ في الكتب فهذه الكتب المنشورة كلها كتبٌ قديمة
- علاقة الشيعة بالسنة في الأحساء مرت بحقبتين، كانت في أولاهما على أحسن ما يكون، وأفسدت أخراهما الآراء المتشددة التعبوية
- كيف نتهم بعدم الولاء للوطن ونحن الذين خففنا معارضتنا إبان حرب الخليج تضامنا مع الحكومة بينما كانت رموزٌ سلفية تستغل الأوضاع لتصعيد المعارضة
- إثارة هذا التشكيك تجاه الثورة في إيران وتجاه الشيعة تولى كبره ا لاستعمار، ومع الأسف بعض إخوتنا السنة مرّت عليهم هذه المؤامرة واستجابوا لها وشاركوا فيها
- القول بتحريف القرآن رأي شاذ يعتمد على روايات غير مقبولة وغير صحيحة، والقرآن الذي يقرأ عند الشيعة هو القرآن الذي يقرأ عند السنة
القطيف – ياسر باعامر
أدى البروز الشيعي الأخير إلى قلق في الشارع السعودي ، بمختلف مؤسساته وعلى رأس تلك المؤسسات المؤسسة الشرعية الرسمية منها والأهلية، وثمّت من القواعد الصحوية في المملكة من يرفض من الأساس مبدأ الحوار مع الطرف الشيعي، وقد صرح الشيخ صالح الفوزان – عضو هيئة كبار العلماء -لصحيفة الحياة في 3 أبريل 2004 حينما سئل عن منهج أئمة الدعوة في التقارب مع الشيعة أجاب بصراحة قائلاً :" نحن لا نتقارب إلا مع أهل الحق وأهل السنة، أما أهل الباطل وأهل الضلالة فلا نتقارب معهم إلا إذا تابوا إلى الله عز وجل ورجعوا إلى الحق" .. إجابة واضحة تمثّل قطيعةً حدّيّة مع التشيّع وأهله باعتبارهم ضُلالاً مبتدعة.
لكنّ أجواء الحوار الوطني الأخيرة ومشاركة الشيعة فيها أفرزت جملة من التساؤلات: أليس المجتمع الشيعي جزءاً لا يتجزأ من مكونات المجتمع السعودي؟ ما حقيقة ما يزعمه الشيعة من إقصاء تعرضوا له من قبل المؤسسة الدينية الرسمية في البلد؟ وماذا عن ولاء الشيعة العابر للحدود الممتد لحوزات قم و النجف؟ وكيف يمكن لنا – نحن السنة- أن نجد توفيقاً لعواطف شيعة السعودية نحو إيران وبين حبهم لوطنهم مع ما بين البلدين من توتّرات في مراحل تاريخية متعددة؟ أليس من الأجدر بشيعة المملكة براءتهم من سب وتكفير الصحابة قبل أن يلجؤوا إلى قاعات الحوار الوطني ذات الغالبية السنيّة التي تجلّ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين؟
أسئلة كثيرة طرحنها على الشيخ حسن الصفار أحد كبار رموز التيار الشيعي في السعودية، وأحد ممثليهم في مجالس الحوار الوطنيّ.
فإلى هذا الحوار الذي تضمّن كثيراً من المفاجآت ليس أكبرها أن الصفار يرى حُرْمة سبّ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما!
· ما هي مطالب الشيعة التي طرحت في ملتقيات الحوار الوطني؟ وهل كانت هذه المطالب مجمعاً عليها من قبل مرجعيات المجتمع الشيعي السعودي، أم كانت عبارة عن مطالب فردية لحسن الصفار؟
الحوار الوطني لم ينعقد من أجل مناقشة مطالب هذه الطائفة أو تلك، أو حاجات هذه المنطقة أو تلك المنطقة، وإنما انعقد الحوار الوطني استجابة لتحديات يواجهها الوطن رأت القيادة أن من المناسب أن يناقشها عددٌ من ذوي الرأي والمشورة. وبالطبع فإنّ بعض محاور هذه القضايا يرتبط ببعض ما يتطلع إليه المواطنون الشيعة، ويتطلع إليه غيرهم أيضاً. ليست هناك تطلعات خاصّة بالشيعة من خلال هذا الحوار الوطني وإنما هي تطلعات وطنية عامة ينشدها كل المواطنين.
· هذا (البعض) الذي يتطلع إليه المواطنون الشيعة هل هو مجمعٌ عليه من قبل مرجعياتكم الشيعية أم أنّها رؤى وتصورات فردية لكم؟
قلت لك: إنّ الحوار الوطني ليس لقاء (مطالب)، مطالبنا نحملها إلى ولاة الأمر، أما الحوار الوطني فهو لقاء تجتمع فيه نخبة من أبناء الوطن لمعالجة القضايا الوطنية العامة، والمشاكل التي يواجها الوطن، ولذا نحن لم نذهب للحوار باعتباره جهة نحمل إليها مطالبنا، نحن نقلنا مطالبنا إلى ولاة الأمر عبر وثيقة قدمت لولي العهد بعنوان "شركاء في الوطن"، وكانت تشير إلى بعض المعاناة التي يعاني منها المواطنون الشيعة، أما الحوار الوطني فقد شاركنا فيه باعتباره منتدى وطنياً عاماً نلتقي فيه ببقية النّخبِ الوطنيّة، وننفتح معهم، ونتواصل معهم، ونتداول الرأي حول القضايا الوطنية العامة،ولذلك لم تكن لنا أجندة خاصة في الحوار الوطني، ولم أشارك فيه باعتباري ممثلاً لطائفة أو لمذهب أو لمنطقة، وإنّما شاركت باعتباري واحداً من هذه النخبة الوطنيّة التي اجتمعت لتدارس قضايا الوطن، ولمعالجة بعض التطورات.
· لاأظنّ أحداً يستطيع أن ينكرَ أنّ جميع أو جلّ المشاركين في الحوار قد سعَوا لتحقيق (مكاسب) أو (مطالب) لفئتهم أو منطقتهم. ولم يكن ملتقى الحوار الوطني –بالتأكيد- كأيّ ملتقى آخر للتشاور.
أعتقد أنّ الحوار الوطني له مهمتان رئيستان، المهمة الأولى تحقيق حالة التواصل والانفتاح بين الشرائح والفئات الوطنية المختلفة، فقد كنا نعيش حالة من القطيعة و التباعد، وكانت حالة الإقصاء والإلغاء هي السائدة في البلد، ومؤتمر الحوار الوطني كان فرصة لكي يلتقي هؤلاء الناس مع تنوع مذاهبهم وأفكارهم ومناطقهم، يلتقون ويرسون قواعد للتواصل الدائم فيما بينهم؛ ليتجاوزوا حالة القطيعة والتنافر هذه هي المهمة الأولى.
أما المهمة الثانية فهي مهمة بلورة بعض التصورات تجاه القضايا الوطنية الموجودة وتقديم هذه التصورات للدولة. المؤتمر –كما أشرت سابقا- ليس جهة تنفيذية يُطلب منها تنفيذ شيء. وبالفعل طرحت بعض القضايا ونوقشت، ورفعت محاضر هذه المناقشات للمسئولين، واستخلصت نتائج وتوصيات قدّمت لولي العهد في اللقاء الوطني الأول و الثاني. وفي هذه التوصيات ما يمت بصلة إلى معالجة بعض المشاكل التي يعاني منها المواطن الشيعي وغيره مثل: إقرار حالة التنوع، وإقرار المساواة بين المواطنين، ومسألة معالجة بعض الإشكالات في مناهج التعليم، وما أشبه ذلك من القضايا التي حملتها التوصيات المنشورة.
· كيف تقبل المجتمع الشيعي ملتقيات الحوار الوطني التي أجريت حتى الآن؟
ارتاح الشيعة كثيراً لهذه المبادرة، وشكروا للدولة رعايتها لها، ورأوا فيها مخرجاً لحالة الاحتقان التي تسود بين الشرائح والطوائف داخل المملكة. وحينما عدت من اللقاء الأول وكذلك حينما عدت من اللقاء الثاني وجدت عند الجمهور تلهّفاً لمعرفة ما دار في الحوار، وكانت معنوياتهم مرتفعة، وكانوا يأملون أن يكون هذا الحوار بداية لمرحلة جديدة من توثيق الوحدة الوطنية بين المذاهب و الشرائح المتنوعة في المملكة.
· هل تتكلمُ عن تلهّف (النخبة الشيعية) لمعرفة ما حصل في الحوار، أم أنّه كان شعوراً جماهيريا عاما؟
كانت هناك لقاءات نخبوية، وكانت هناك بعض اللقاءات مع العامة وتحدثت في خطبة الجمعة بعد اللقاء الأول وبعد اللقاء الثاني مع المصلين عن موضوع الحوار الوطني، وبعد حديثي كانت هناك تساؤلات ونقاشات تكشف عن اهتمام المواطنين بما حصل.
· هناك من يرى بأنّ الحوار الوطنيّ ليس إلا محاولة حكوميّة للتنفيس، وأنّه مجرد امتصاص لحالة الاحتقان التي أوجبتها التطورات المتسارعة. ما قول الشيعة في ذلك؟
المجتمع الشيعيّ كبقية المجتمعات في المملكة ليس مقولباً في تحليل واحد، عندنا من يحمل نظرة سلبية متشائمة تجاه الحوار، ويراه مجرّد تنفيس كما ذكرت. ولكنّ نسبة هؤلاء في تصوري محدودة وليست كبيرة.
· على أيّ شيء بنيتَ هذه المحدوديّة في نسبة هؤلاء؟
من خلال علاقتي مع الناس، واستماعي لوجهات النظر، وما ينشر على الإنترنت من قبل أبناء هذا المجتمع. الأكثرية في المجتمع تميل إلى التفاؤل وتتوقع أن يكون لهذا المؤتمر دور طيب في تحسين العلاقة بين المواطنين.
· هل من الصحيح أن يجمع الشيعة بين انتماءاتهم المذهبية للحوزات العلمية في العراق وإيران وهذا أمر لا يخفى وبين ولائهم الوطني؟خصوصاً أن البعض يرى أنّ مثل هذا الجمع يعد مشكلة وطنية في حد ذاتها، خصوصاً وأن المرجعية الشيعية لها قدسية في المجتمع الشيعي، بمعنى أنّها لو أصدرت فتوى بمناهضة الحوارات الوطنية فسيلتزم بها المجتمع لديكم.
هذا يحتاج إلى أن ُتفهم موقعية المرجعية الدينية للشيعة، المرجعية الدينية عند الشيعة هي مرجعية في المسائل الدينية الفقهية فقط، وليست في المسائل السياسية. والشيعة في مختلف بلدانهم وأوطانهم مندمجون في أوطانهم ومجتمعاتهم ولهم أطرهم الوطنية الموجودة داخل بلدانهم فيما يرتبط بأوضاعهم الوطنية. المرجعية لها دور ديني فقهي والأصل ألا تتدخل المرجعيات الشيعية في الأوضاع السياسية في بلدان الشيعة. مثلاً طوال تاريخ الشيعة في المملكة لم تتدخل المرجعيات الدينية في العراق أو في إيران بإلزام الشيعة في المملكة بشيء يخالف سيادة الوطن، وهذا تاريخ قائم.
· وما تقول في الفتوى المشهورة عند الشيعة التي تنصّ على أنّ:" لولي أمر المسلمين ولاية على مقلديه خارج الحدود، بحيث لو أصدر حكماً فعليهم إتباعه". وهذا يؤكد أن شيعة المملكة لهم ولاءات خارج الحدود، كيف تتفق الوطنيّة مع هذه الولاءات؟
هناك اختلاف داخل المجتمعِ الشيعيّ حول مسألة (ولاية الفقيه)، وأكثر مراجع الشيعة لا يرون مبدأ (ولاية الفقيه المطلقة).
إنّ آية الله السيد الخوئي الذي يعتبر المرجع الأعلى للشيعة في العالم وفي المملكة لا يرى ولاية الفقيه المطلقة، والمرجعية العليا للشيعة السيد السستاني الموجود الآن في العراق هو الآخر لا يرى هذه الولاية للفقية.
قضية ولاية الفقيه لها جذور في الفقه الشيعي ولكن الذي بلورها وطرحها في هذا العصر هو الإمام الخميني، وأقام على أساسها الجمهورية الإسلامية، ولكن ليس كل الشيعة يقلّدون الإمام الخمينيّ، أويقلّدون خليفته الآن السيد خامئني في إيران هذا أولاً.
أما الناحية الثانية فهي متعلقةٌ بحدود ولاية الفقيه عند من يؤمن بهذه النظريّة. أكثر علماء الشيعة يرون أن ولاية الفقيه لاتتعدّى حدود منطقته، وقد تحدث السيد محمد حسين فضل الله الموجود الآن في لبنان عن هذه المسألة وقال بوضوح: "للفقيه المجتهد الولاية والسلطة على إدارة شؤون الناس العامة مما يحتاج فيه إلى ولايته. والشؤون العامة هي ما يرجع إلى النّظام العام الذي يتوقف عليه توازن حياة المسلمين بغيرهم بما يحفظ مصالحهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية ونحوها، ويقوم به نظام حياتهم كمجتمع، كذلك فإنّ له الولاية على الأفراد الذين فقدوا وليهم كالقاصرين والمجانين. هذا وحيث يصدر الفقيه أمراً تجب طاعته، ولا يجوز الخروج فيما هو ولي عليه في حدود المنطقة التي ُيعمل ولايته فيها".
مثلاً في إيران هناك مجلس خبراء منتخب من مختلف مناطق إيران هذا المجلس المنتخب هو الذي يختار وليا للفقيه، فهم اختاروا وليا للفقيه فولايته عليهم هم، أما الشيعة الذين هم خارج هذا الإطار، ولم يشاركوا في الاختيار والانتخاب فلا تسري عليهم ولايته.
إذن هناك نقطتان حتى الآن:
الأولى: أن ولاية الفقيه ليست مبدأ مجمعاً عليه عند الشيعة.
والثانية: أنه حتى مع القول بولاية الفقيه فإنّ ولايته تختص بمن انتخبه، وبالمنطقة التي يُعملُ فيها ولايته.
ثمّت نقطةٌ ثالثة هي أنّ من ميزة المرجعية عند الشيعة أنّ المرجع يختار ضمن مواصفات علمية متقدمة، يعني يعرفه العلماء، وتعرفه الحوزة العلمية، وبالتالي غالبا ما يكون له نضج وله اتزان نفسي، هذا النضج وهذه المقومات التي عنده تجعله أكثر تعقّلاً من أن يعطي أمراً لأناس يعيشون ضمن وطن وضمن بلد ولهم أوضاعهم وأحوالهم. المسألة ليست كمسألة بعض الجماعات الإسلامية التي تختار شاباً وتبايعه أميراً للجماعة وقد لا يمتلك شيئاً من العلم أو النضج فيفتي ويقرر. الشيعة ليسوا كذلك، إنما يختارون العالم بل الأعلم، ويرون أن يكون الأعلم هو من منسوبي الحوزات العلمية يعرفه العلماء ويعرفه الفقهاء وعلى درجة من العدالة والنضج، وبهذا يكون في مستوى من التعقل بحيث لا يتدخل في شئون البلدان الأخرى بما يوجب اختلال النظام، وبما يوجب الإساءة لوضع المواطنين الشيعة.
إذن نحن ليست لدينا مشكلةٌ مع أوطاننا أبداً. وانظر حولك هاهم الشيعةُ يعيشونَ في المملكة ولبنان والبحرين والكويت ومختلف المناطق ولم يحصل أن جاءهم أمر من الخارج يزعزع وضعهم السياسي في البلد.
إن علاقة الشيعة مع المراجع مثل علاقة السنة مع علمائها، أليس هناك اليوم مسلمون في الباكستان يتبعون فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله؟ هل يتناقض هذا مع ولائهم للوطن الأم باكستان؟ وهناك مسلمون في مختلف المناطق يتبعون فتاوى شيخ الجامع الأزهر فهل يناقض اتّباعهم لفتاوى شيخ الأزهر ولاءهم للوطن؟ الشيخ القرضاوي الآن يعدّه الكثيرون مرجعية دينيّة وفكريّة فهل نقول: إنّ اتّباع هؤلاء للشيخ القرضاوي يتناقض مع ولائهم الوطني؟لماذا يثار هذا الكلام فقط حول الشيعة مع أن علاقتة الشيعة بمراجعهم مثل علاقة السنة بعلمائهم مع بعض الميزات المحددة التي لا تخالف هذا السياق العام.
· دعني أتجاوزُ هذا الإطار الفقهيّ المحض وأتحدّث عن واقعٍ سياسيّ، هناك قلق في الشارع السعودي الشعبي والنخبوي على حد سواء، وأيضاً على صعيد المؤسسة الرسمية من الانتماء الشيعي السعودي خارج الحدود، ويرى هؤلاء القلقون أنّ هذا يقدح في وطنية الشيعة مستدلين بالتدفق الشيعي العاطفيّ نحو إيران، وغيرها من التكتلات الشيعية ، وبتاريخية الانحياز الشيعي ضد الوطن لصالح إيران في أكثر من موقع ، بل هناك حديث عن علاقة للشيعة في المنطقة الشرقية بحزب الله اللبناني، ما حقيقة انتماء شيعة المملكة العابر للحدود؟
في البداية ليس الشيعة هم الذين يسألون: لماذا لديهم تدفق عاطفي نحو إيران؟ وإنما الأخوة المعترضون يسألون: لماذا هم لا تتدفق عواطفهم نحو إيران؟ إيران شعب مسلم كان يعيش تحت ظل نظام غربي ( نظام الشاه) يتعاطى مع إسرائيل، ويتعاون مع إسرائيل. جاءت ثورة إسلامية بقيادة علماء الدين، وصنعت جمهورية إسلامية، وتبنت القضية الفلسطينية.
السؤال من أساسه خطأ، والسؤال الصحيح لماذا لا يتفاعل هؤلاء المعترضون مع دولة مسلمة كإيران؟ إيران شعبٌ مسلم ويريد تطبيق الإسلام.
· بالله عليك، كيف تريد أن تتدفق عواطفنا نحو إيران، وفكرة تصدير الثورة بارزة أمامنا؟
تصدير الثورة هذا موضوع سياسي وخاطيء، وإيران تراجعت عنه. ثم هو لم يكن سياسة عامة، كان مجرّد تصريحات خاطئة تراجعت عنها إيران، فلا يلام الشيعة على عواطفهم نحو إيران وإنما يلام الذين لا يبدون تعاطفاً مع إيران هم يجب أن يسألوا هل هذا من منطلق طائفي؟ إذن هم طائفيون لأنهم لم يتعاطفوا مع إيران، أما الشيعة عندما تعاطفوا مع إيران فهم منسجمون مع وجدانهم ومع عواطفهم الدينية والإنسانية .
· لكن ثمت من يشكك في تخلي الشيعة عن فكرة تصدير الثورة، ويقولون هذا تكتيك مقنّع بالتقية المعمول به عند الشيعة. كيف ترد على ذلك ؟
أنا أرد بأن الولايات المتحدة الأمريكية كان لها دور في إثارة هذا التشكيك وفي دعم هذه التوجهات التشكيكية، الثورة الإسلامية حينما انتصرت في إيران كانت ضربةً كبيرة لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، ولذلك حاولت أمريكا بمختلف الطرق محاصرة هذه الثورة، وهي التي دفعت النظام العراقي الزائل لمحاربة إيران. إثارة هذا التشكيك تجاه الثورة في إيران وتجاه الشيعة تولى كبره ا لاستعمار، ومع الأسف بعض إخوتنا السنة مرّت عليهم هذه المؤامرة واستجابوا لها وشاركوا فيها. نعم .. هناك أخطاء حصلت عند الإيرانيين نحن لا ننزه الإيرانيين عن الأخطاء، وهم يعترفون بأنهم حينما جاءوا إلى الحكم لم تكن لديهم خبرة سياسية، ولم توجد لديهم كذلك تجربة سابقة، هناك أخطاء لكن المشكلة في الأساس تكمن في الدور الأمريكي والصهيوني من أجل محاصرة هذه الثورة ومن أجل العبث بخيرات هذه المنطقة ومع الأسف أن بعض السنة ولا أقول الكل مرت عليهم هذه المؤامرة.
· هذه إيران، فماذا عن حزب الله اللبناني؟
ليست لدينا علاقات تنظيمية مع حزب الله، ولكني أعتقد بأن حزب الله يحظى بتعاطف من قبل كل المسلمين سنة وشيعة، وعليك أن ترى احتفاء الفلسطينيين به، وعليك أن ترى المصريين وهم يحملون أعلام حزب الله، وعليك أن ترى أهل الأردن، وعليك أنت ترى في كل مكان. بل أنا أعتقد أن نسبة كثيرة من المواطنين في المملكة يتعاطفون مع حزب الله بسبب مواقفه الجهادية المشرقة.وأريد أن أطرح عليك سؤالاً: حزب الله لا خلاف على الدور الذي يؤديه، والشيعة إذا تعاطفوا مع حزب الله فهم يتعاطفون مع موقف لا خلاف عليه. ولكن ماذا عن التعاطف مع طالبان ومع بن لادن وهو تعاطف منتشر في المملكة؟ أنا الآن أتكلم عن المملكة كيف يعاتب الشيعة على التعاطف مع حزب الله الذي يواجه إسرائيل، ويقوم بدور متفق عليه، ولا يعاتبُ السنةُ على التعاطف مع طالبان ومع القاعدة ومع بن لادن وعمل هؤلاء وأدوارهم غير متفق عليها؟
· يحاولُ الشيعةُ أن يجعلوا لأنفسهم رموزاً من الشخصيات الدينية البارزة يجعلونها بإزاء الرموز العلمية السلفيّة. مع أن المتتبع والواعي يدركُ أن الرموز الدينية السلفية كان لها أبرز الأثر في تأسيس المملكة أولاً ثم في صيانة تماسكها إبان حرب الخليج وغيرها من الأزمات، بينما كان رموز الشيعةِ في تلك الأوقات الصعبة يلتزمون الصمت، وينكفئون مع أتباعهم داخل (كانتونات) خاصة بهم. أين هو الولاء الوطنيّ الذي زعمته آنفاً؟ وكيف تقولُ بأن الشيعة حريصون على اللحمة الوطنية وهم لم يقدموا للمجتمع السعودي شيئاً يذكر؟
في البداية أنا أطالب بالتسامي على لغة المزايدات.
وبالنسبة لحرب الخليج أذكّرك بأنّ الوسط السلفي قد نشأت فيه معارضة قوية للحكومة السعودية حول موقفها من تحرير الكويت، وهذا شيء معروف كانت هناك معارضة ودخل أناسٌ السجن، وأعلنت مواقف ضدّ توجه الحكومة السعودية للاستعانة بالقوات الأمريكية والمشاركة في تحرير الكويت، هذا ما حصل في الوسط السلفيّ.
في المقابل كانت للشيعة معارضة قبل حرب الخليج الثانية، وحينما حصلت الحرب جمد الشيعة معارضتهم مراعاة للوضع الذي يعيشه البلد، وطالبوا جمهورهم بأن يصطف مع الحكومة، ويتعاون معها، وينخرط في سلك الدفاع عن الوطن، وأن يصمد في مناطقه، وهذا ما حصل الشيعة في حرب الخليج الثانية، كان موقفهم وطنياً مشرقاً، ولكن ليس هناك إعلام يسلط الضوء على ما فعله الشيعة.
وأنا هنا لست في موقع المزايدة على الآخرين لكن لأوضح الصورة.
· نحن لم نر شيئاً مما تحدثت عنه من بطولة علماء الشيعة، لم نقرأ ولم نسمع شيئاً!
بلى كانت هناك بيانات وخطب، ولكن المشكلة تكمن في أنه لم يكن هناك مجال لظهور الرموز ولا المواقف ولا الأفكار إلا من طرف واحد، المشكلة ليست عدم وجود نشاط أو طرح أو آراء أو مواقف عند الشيعة. لم يكن هناك تسليط للأضواء على هذه المواقف ثم كل إنسان يتحمل مسئوليته بمقدار المجال المتاح له أنت تتحدث عن علماء أمامهم التلفزيون وأمامهم الإذاعة وأمامهم الصحف وبأيديهم المؤسسات والأجهزة ويقومون بأدوار واضحة، ثم تطالب أناساً بالكاد يحصلون على مسجد يصلون فيه، أو بالكاد يسمح لهم بنشاط ثقافي أو إعلامي تطالبهم بأن يكون حضورهم كحضور الأولين!
· وماذا عن الانعزالية التي تعيشونها؟ لماذا لا تعترف بأن علماء الشيعة قد أوصلوا مجتمعهم إلى حالة من الانفصال عن بقية المجتمع السعوديّ. دائماً الشيعة يتركزون في أحياء معينة ومدن معينة بعيداً عن الاختلاط بالشعب، وقد لاحظت هذا بوضوح وأنا أتجول في مدنكم.
هذه الحال الموجودة حالٌ سلبية بالتأكيد. وقد سبّبها أمران:
أولهما: الحصار المفروض على الشيعة.
· من قِبَلِ من؟
من قبل أطراف الأخرى كالمؤسسة الدينية، والأجهزة المتجاوبة معها. هؤلاء فرضوا على الشيعة هذا الحصار هذا أولاً .
من الناحية الثانية أصبح عند الشيعة كرد فعل لهذا الحصار الذي فرض عليهم حالة من الانطواء.
والحقيقةُ أنّ هذه المسألة لا تخصّ الشيعة وحدهم. كل الأطراف الأخرى تعيش ضمن حالة منطوية منغلقة: الصوفية في الحجاز أيضا يعيشون مثل هذه الحالة، الإسماعيلية في نجران أيضا يعيشون ضمن هذه الحالة، حتى أتباع المذاهب السنية الأخرى. أنا اعرف بعض علماء المذاهب الأخرى في المنطقة الشرقية هم يشكون من أنهم يعانون من مثل هذه الحالة. حصول هذه الكنتونات المسئول عنها السياسات العامة القائمة في البلد التي لم تتح المجال بمستوى متساوٍ لمختلف الأطراف، فالفرص كلها متاحة لطرف واحد، والأطراف الأخرى لا مجال لفرص أمامها، وهذا ساعد على خلق هذه الفجوة وهذه الكنتونات.
ويهمّني أن أقول: بأنّ الوضع ليس بهذه الحدّة التي صورتموها في سؤالكم، هناك الآن مجاميع كبيرة من الشيعة يعيشون في مختلف مناطق المملكة، ويعملون في مختلف أجهزة الدولة في الرياض وغير الرياض وهنا في المنطقة الشرقية أيضا هناك تداخل جيد، ومن قبل هذه الحالة المستجدة كان هناك تداخلٌ رائعٌ بين السنة والشيعة في المنطقة الشرقيّة، ولحدّ الآن يتذكّرُ آباؤنا من السنة والشيعة في المنطقة الشرقية كيف كانت حالة التمازج والاندماج والتواصل قبل أربعين سنة.
* قبل قليل حمّلت المؤسسة الدينية حالة الانفصام بين الشيعة والمجتمع.
نعم صحيح، كل هذا بسبب المؤسسة الرسمية الدينية بالمملكة فقط.
· فقط المؤسسة الدينية!
نعم، والباقي ردود فعل، الفعل منها وما يحصل عند الآخرين ردود فعل. أضرب لك مثلا فيما يرتبط بالتزاوج نحن لا مانع عندنا من الناحية الفقهية أن يتزوج الشيعي سنية، أو تتزوج الشيعية سنياً، وفتاوانا وفتاوى العلماء واضحة في هذا السياق ولكنّ المؤسسة الدينية الرسمية لديها تعليمات تمنع زواج السنية من الشيعي. بل يطبق هذا القرار حتى خارج المملكة! يحصل أكثر من مرة أن يذهب مواطن شيعي إلى الشام مثلا إلى سوريا ويتزوّج سنية هناك. وحينما يأتي بمعاملته إلى السفارة ويتنبّهون إلى أنه شيعي وهي سنية يوقفون المعاملة! من الذي يمنع الاندماج؟ ليس الشيعة من يمنع الاندماج.
أمرٌ آخر. الشيعة كلهم يدرسون كتب السنة في مناهج التعليم، ويقرؤونها في المكتبات العامة، كتب السنة موجودة في المملكة ،ولكن كتب الشيعة ممنوع أن تتوفر في المملكة. من الذي لا يريدُ أن ينفتح إذن؟
أقول: إنّ هذه الحالة الموجودة في المملكة بين الطوائف وبين الشرائح المسئولُ عنها هي السياسات العامة المطبقة في البلد والتي هي بوحي من المؤسسة الدينية الرسمية بالبلد.
· أليس من حق الأكثرية تشكيل هوية الوطن، كما أن من حق الأقلية أن لا تُظلم ولا يعتدى عليها؟ الملاحظ أنّكم تتجاوزن حدّ المطالبة برفع الظلم إلى المطالبةِ بإعطاء السعوديّة وجهاً شيعيا بارزاً مع أنكم لستم إلا أقلية.
أولا اسمح لي بالتحفظ على مصطلح الأقلية والأكثرية، أنا أعتقد أننا كلّنا نعيش في هذا الوطن كمسلمين، ولا ينبغي أن يكون هناك فرز مذهبي، بحيث تكون هناك أقلية وأكثرية، ما دمنا ننتمي إلى عرق واحد وما دمنا ننتمي إلى دين واحد، وإذا سلّمنا بهذا المصطلح أقلية وأكثرية وأن الشيعة أقلية في المملكة فإني لا أعلم أن الشيعة يريدون أن يبرزوا ملامح شيعية للمملكة، الشيعة يكفيهم أن تحفظ حقوقهم وأن يعيشوا حالة مساواة مع بقية المواطنين وليس هناك شيء أكثر من هذا.
· أنتم كمجتمع شيعي في المنطقة الشرقية إلى من ترجعون ؟
كبار العلماء المحليين.. عندنا في القطيف قاضي محكمة الأوقاف والمواريث، وعندنا في الإحساء أيضا قاضي محكمة الأوقاف والمواريث، وعندنا الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي، والسيد علي ناصر السلمان، و الشيخ محمد علي العمري، ومجموعة من العلماء.
· هل لديكم مرجعية مؤسسية ؟
لا مرجعية على شكل مؤسسة، وأتمنى أن يحصل ذلك لكن هذا الأمر يحتاج إلى ضوء أخضر من الدولة، وهناك نوع من التنسيق الداخلي بين العلماء الموجودين في داخل البلد لكن لا يرقى إلى الحالة المؤسساتية.
· إذا كان الشيعةُ أنفسهم لا يملكون مرجعية عند الخلاف، بل تتعدد مرجعياتهم بتعدد ولاءاتهم الحوزويّة، فكيف ستكون لهم مرجعية مشتركة مع السنة؟ وإذا لم تكن المرجعية موجودة فكيف سيكون الحوار بلا سقف مرجعي؟
هذه الحالة موجودة عند كل المسلمين. بل هي عند الإخوة السنة أكثر حدّة منها عند الشيعة، وقد قرأت في الشرق الأوسط قبل فترة مقابلة مع الدكتور محمد النجيمي ويمكن الرجوع إليها وهو يقول فيها: إنّ الشيعة عندهم وضع مرتب، ولهم مرجعية يرجعون لها ضمن مواصفات معينة، أما نحن السنة فنحن عندنا مشكلة في هذا الإطار.
هذه المشكلة موجودة حتى مع وجود مرجعيات لا ينتفي الخلاف. الآن في مصر الجامع الأزهر موجود وشيخ الجامع الأزهر موجود ومفتي مصر موجود ولكن أيضا تتكون جماعة من علماء الأزهر وتتكون جماعة إخوان المسلمين وبالتالي هناك آراء .
وليس مطلوباً من الشيعة وهم يكّونون ثلث العالم الإسلامي يعني 400 مليون أو أكثر ليس المطلوب منهم أن يكون لهم مرجع واحد أو مرجعية واحدة، وأن لا تختلف الآراء هذه حالة موجودة في كل المجتمعات البشرية، ولكن ينبغي في مجتمعاتنا أن تكون عندنا آلية لمعالجة أمور الخلاف.
· في 23يناير 2004م قلت في مقالتك بجريدة الشرق الأوسط – بعنوان اللقاء الوطني الثاني .. الانفتاح الكبير- ما نصه :"ليس مقبولاً أن يتحدث البعض منا في جلسات الحوار بلغة الوحدة الدينية والوطنية، وأن يظهر الاحترام للرأي الآخر، فإذا ما عاد إلى وسط جمهوره وتياره، خضع للأجواء السائدة من تجاهل الآخر، والدعوة إلى إلغائه، واستخدام لغة التشدد والتزمت"، كيف تفسر شريط هاشم السلمان الذي تهجّم فيه -في ندوة مغلقة بين مريديه- على الشيخ الدكتور سلمان العودة واتّهمه بأنه من العلماء المتشددين، وتهجّم على المجتمع السنّي بعمومه. إذاً من يمارس الحديث بلغتين؟ إضافة إلى قول البعض أن الصفار والسلمان وجهان لعملة واحدة.
من الخطأ حينما يكون هناك حديث لشخص أن يعمم على الشيعة ،أما اتهامهم لي فهذا من ضمن التهريج الذي لا اصل له.
وبالنسبة لشريط السيد هاشم تحدثت معه حوله، وفهمت أن شريطه لم يكن يتضمّن شيئاً سيئاً، كان يدعو جمهوره لمراعاة الآخرين، ولاحترام الرأي الآخر، ولكنه حينما تحدث عن اللقاء الوطني تحدث بعفوية، يعني قد تكون بعض عبارته غير موفقة أو غير سليمة في هذا الاتجاه، وهو قد تراجع عنها.
ولكن هناك من تحدث في قنوات فضائية وأصدر حكماً بتكفير أغلبية الشيعة، ومع ذلك لا نقول: هذا رأي السنة.
في رأيي أن ما حصل في اللقاء الوطني مكسب، ولا يصح لنا أن نضيّعه بسبب خطأ شخصٍ أو تطرّف آخر. وإنما نعالج هذه الإشكاليات بحدودها، ونواصل مسيرة الانفتاح والتعاون. وأنا أعتقد أنه ينبغي وخاصة للمشاركين في الحوار أن تكون لغتهم لغة وحدوية، وأن يوصلوا رسالة الحوار إلى جماهيرهم، كل شخص سنياً كان أو شيعياً يتجاوز هذا الإطار فأنا أعتبه مخطئاً. سواء كنت أنا أو هاشم السلمان أو كان الشيخ سلمان العودة أو الدكتور عائض القرني. أنا أعتقد بأن تجاوز هذا الشيء يعتبر خطأ وليس في مصلحة الدين ولا مصلحة الوطن وليس من الأمانة للحوار وللتوصيات التي اتفقنا عليها.
· في حوارك مع مجلة المواقف البحرينية – عدد 1266 بتاريخ 17 سبتمبر 2001- أشرتَ إلى أنك اجتمعت مع سماحة الشيخ ابن باز – رحمه الله- وأيضاً مع الشيخ صالح اللحيدان ( رئيس مجلس القضاء الأعلى) ، ألا تعتقد أنكم كمراجع شيعية مصابون بازدواجية، تارة تقولون: إنّ المؤسسة الدينية الرسمية هي السبب فيما حصل لكم، وتارة تحاورونهم، كيف إذاً نفهكم؟
هذا ليس ازدواجاً وإنما هذا سعي، أنت حينما ترى أن شخصاً لا يفهمك فتذهب إليه وتتحاور معه وتقترب منه لكي توضح له الصورة هذا ليس ازدواجية، هذا سعي لإصلاح الموقف. هؤلاء جلسنا معهم وكان جلوسنا معهم بهدف توضيح صورتنا أمامهم؛ لأننا نعتقد بأن بعض الانطباعات الخاطئة عن الشيعة ناتجة عن تصور خاطئ، فالحكم على شيء فرع لتصوره فلقاءاتنا معهم كان تستهدف توضيح الصورة حتى يكون الانطباع ويكون الموقف لديهم أفضل بعد أن تتوضح لهم الصورة.
· بماذا خرجتم من هذه اللقاءات ؟
مسئوليتي أن أوضح الصورة وأن أسعى للطرف الآخر وأبين له واقعي وحقيقتي. أما ماذا بعد ذلك فمسئوليته هو.
· وضح لي كيف وجدتم تفاعلهم معكم؟
كان طيباً جداً .. التفاعل معنا أثناء اللقاء كان تفاعلاً طيباً، وقد أخبروا الجهات الأخرى خاصةً الجهات المسئولة. أنا سمعت بعض المسئولين في الحكومة يقولون: إنهم وصلتهم انطباعات جيدة عن اللقاء الذي دار مع الشيخ بن باز، ومع الشيخ اللحيدان.
· هل كان حوارك معهما بمبادرة ذاتية منك أم بإيعاز من علماء الشيعة في المملكة؟
لا... كانت مبادرة ذاتية مني، ولكني أيضاً حاولت أن أجس رأي ونبض بقية العلماء الموجودين في المنطقة، وليس رأيهم مخالفاً، بالعكس هم يرحبون بأي خطوة يمكن أن تساعد على التواصل وعلى التعامل.
· يظهر أن هناك تحالفاً بين الشيعة و الليبراليين، وظهر هذا التلاحم في جلسات الحوار الوطني، ويؤكد ذلك ما ذكره الشيخ هاشم السلمان في شريطه أنه حصل تحالف بين الشيعة و الليبراليين ضد السلفيين، وأنهم استطاعوا من خلال هذا التحالف هزيمة التيار السلفي. ما حقيقة هذا التحالف؟ وهل أنتم فعلاً تتبنّون حرب السلفية ومحاولة القضاء عليها، وتتخذون من الحوار الوطني سبيلاً إلى ذلك ؟
إذا كان السيد السلمان قد تحدث هكذا فينبغي أن يسأل هو، أما بالنسبة لي شخصياً فلا أعرف شيئاً عن التحالف بيننا كشيعة وبين اتجاهات أخرى. أنا أعتقد أنه لا يصح لنا في الحوار الوطني أن نتحدث بلغة المنتصر والمنهزم، الانتصار إذا حصل فهو للجميع، والهزيمة إذا حصلت فعلى الجميع، إذا استطعنا أن نصل إلى نتائج وتوصيات جيدة فهذا انتصار للكل، وإذا تعثرت مسيرة الحوار الوطني فسيتضرر الجميع. ولذلك أنا لا أقبل هذه اللغة، ويجب أن نسأل من يتحدث بمثلها. أنا لن أتحدث هكذا وخطاباتي بعد الحوار الوطني منشورة ومبثوثة أيضاً وليس فيها شيء من هذا.
· كيف تنظر للتيارات الليبرالية في المملكة؟
أنا أرفض التعميم، كل جماعة من الجماعات فيهم ناس معتدلون ومتعقلون، وقد يكون فيهم ناس متطرفون متشددون. أنا أعرف من بين الأشخاص الذين يصنفون ضمن التيار الليبرالي أناساً متعقلين معتدلين يؤمنون بثوابت الدين، ويؤمنون بثوابت المصلحة الوطنية. والليبرالية عند هؤلاء الأشخاص لا تعني أكثر من أجواء الحريات والمشاركة الشعبية ليس هناك مضمون عقدي يختلفون فيه مع الدين الإسلامي.
· كيف كان تعامل التيار السلفي معكم في جلسات الحوار الوطني؟
أقول للإنصاف: إنّه حينما كانت تطرح أي قضية من القضايا فإنّ رموز التيار السلفي لم يكونوا ينظرون للمطروح من خلال (من يقول هذا الرأي)، وإنما كانوا يناقشونه فإن رأوه صواباً تجاوبوا معه، وإن رأوه غير ذلك أبدوا وجهة نظرهم. وهذه اللغة الصحيحة في الحوار الوطني. لم تكن هناك آراء تطرح باعتبارها رأي فلان أو رأي التيار الفلاني وإنما الآراء طرحت باعتبارها توخياً للمصلحة وتوخياً للصواب.
· كأنك تريد أن تفهمني بأنّ مسيرة الحوار كانت مفروشة بالورود الحمراء، نحن نعلم يقيناً غير ذلك.
في اللقاء الأول حصلت بعض التشنجات لكن أمكن تجاوزها، وبالتالي انتهى اللقاء في حالة ودية، وبتوافق على توصيات نتائج معينة. وحينما نتحدث عن اللقاء بشكل إيجابي فإنما نقصد ما آل إليه اللقاء من نتائج وتوصيات متفق عليها بحضور ولي العهد. وقد أعرب كثيرون من مختلف التيارات عن ارتياحهم للقاء، وعن تغير انطباعاتهم اتجاه بعضهم البعض أمام ولي العهد بجلسة خاصة بينه وبين المحاورين. اللقاءات الثنائية كانت أيضاً لقاءات ودية غير متشنجة هذا بالنسبة للقاء الأول. في اللقاء الثاني حصلت أيضاً بعض المواقف المتشددة، لكنّها لم تكن من منطلق المذهب والطائفة، وإنما كانت حول عدة قضايا مختلفة، وقد تمّ تجاوز الخلاف واعتذرت الأطراف من بعضها.
· هل طرحتم مشروعاتكم بكل أريحية؟
ما طرحنا مشروعات خاصة أبداً. كان الحديث في القضايا العامة، وحينما تطرح قضية لها ارتباط بأوضاعنا كنا نطرح وجهة نظرنا فيها،وكان التعامل من قبل الأكثرية تعاملاً إيجابياً، وكان هناك من لا يتفهم المنطق الذي طرحناه أو ينطلق من خلفية معينة عن الشيعة، ومن حق كل إنسان أن يكون له رأيه تأييدا أو مخالفةً أو تحفّظاً.
· الدولة السعودية قامت على منهج الإمام محمد بن عبد الوهاب يرحمه الله ، وعلماء الشيعة يرون أنهم مُقْصَون بسبب هذا الفكر،فكيف ستحلّ هذه الإشكالية؟
نحن ليست لدينا مشكلة مع منهج محمد بن عبد الوهاب، مشكلتنا مع مفردة واحدةٍ من مفردات الممارسة لهذا المنهج، وهي مفردة إقصاء الآخر وإلغاؤه. وعندي قناعةٌ تامّةٌ أنّه من الخطأ المحض الربط العضويّ بين منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب والإقصائيّة. أنا أقول: بإمكان منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن يتجاوزا هذه الإشكالية، كل التيارات كل المذاهب كل التوجهات يكون فيها تطوير، يكون فيها معالجة، يكون فيها تلاشي لبعض الثغرات والسلبيات وأنا متفائل أن هذا ممكن.
· لماذا بدأتم في الآونة الأخيرة –وعبر الحوار الوطني خاصة- في الإعلان عن أنفسكم ووجودكم ومطالبكم بلهجة مختلفة عن السابق؟ هل أصبح الوجود الأمريكي بوابة التمكين للوجود الشيعي ؟ بعض المحللين يقول ما نصه :"الشأن العراقي تحول إلى حدث عالمي، فقد تعولم كل ما يمت إليه بصلة وخاصة الشأن الشيعي، ووصلت تداعياته إلى الداخل السعودي، فأصبح شيعة السعودية أكثر جرأة في طرح مطالبهم ومشاكلهم على الملأ، وأكثر إدراكاً بأن سقف ما يسمى بقوات التحالف يغطي سقف المنطقة العربية برمتها لا السقف العراقي فحسب".
أنا أدعو من يطرح لكم مثل هذا التساؤل إلى أن يقرأ الكتابات الشيعية والمطالب الشيعية من قبل نصف قرن من الزمن إلى الآن ليرى: هل المطالب الشيعية ارتفع سقفها الآن أو أنها لا تزال تدور في نفس المكان.
ثم وثائق تاريخية هي عبارة عن مقالات ورسائل قدمت للحكومة السعودية منذ سنوات طويلة، ومن يطلع على هذه الأمور سيرى أن المطالب الشيعية لم تتغير، ولم تتجاوز مسألة معالجة قضايا التمييز الطائفي، بل بالعكس أنا أعتقد بأن سقف المطالب الشيعية الآن أصبح أكثر اعتدالا مما كان عليه قبل 25 سنة وبإمكانكم أن تقارنوا بين أدبياتنا في ذلك الوقت يوم كنا في المعارضة وأدبياتنا الآن.
مطالب الشيعة واضحة ليست جديدة، ولا ترتبط بانتصار الثورة الإسلامية في إيران، ولا ترتبط بالوضع العراقي. لكن من الموضوعية نقول: إن الأحداث السياسية تترك انعكاساتها، ليس على الشيعة فقط، بل على الجميع، وأستغرب من التركيز على الشيعة، كل المواطنين وكل المسلمين يشعرون بأنه يوجد تطور عالمي تطور إقليمي.
· في 21 نوفمبر 2003م – في حواركم مع موقع إيلاف- تعرضت في جوابك على مسألة سب الصحابة وتكفيرهم وقلت :" ليس شرطاً لحسن العلاقة بين السنة و الشيعة أن يتنازل كل طرف عن رأيه وقناعته" هناك إجماع عند أهل السنة أن سب وتكفير الصحابة هو كفر بحد ذاته، فكيف تريدنا أن نقيم حواراً وطنياً هل هناك تكييفٌ لهذا الأمر؟
أنا أعتقد أن هذه حجة زائفة بدليل أن الجمهورية الإسلامية في إيران لها الآن أكثر من ربع قرن من الزمن ولم نسمع سب للصحابة أو تكفيرهم، هذه إذاعتهم وهذه فضائياتهم وهذه خطب الجمعة لهم تبث منذ أكثر من 25 سنة على الهواء مباشرةً ليس فيها شيء من هذا. حزب الله في لبنان سمعتم كلامهم وإعلامهم ومواقفهم وخطابات قياداتهم ليس فيها شيء من هذا القبيل. هذه الأطراف الرافضة للشيعةِ هل تغير موقفها نحو حزب الله ونحو الجمهورية الإسلامية بإيران؟ هذا دليل على أن المشكلة ليست مشكلة السب والشتم وإنما هي مشكلة أخرى، المشكلة الأخرى هي رفض الأطراف الأخرى، الدين له عندهم هذا التفسير ومن خالف هذا التفسير فهو كافر أو مبتدع.
· كيف تقول لي: إنّها ليست مشكلة. هي مشكلة لها أبعادها العقدية لدينا نحن السنة، وماذا عن الأشرطة التي نسمعها أو الكتب التي نحصل عليها وفيها الشتم و السب للصحابة الأطهار. هل هذه كتب أو أشرطة مزورة؟
أنا أقول أن هذه ليست المشكلة؛ لأن الشيعة عمليا لا يمارسون سب الصحابة ولا تكفيرهم، أما بشأن ما ذكرت فهذه الكتب المنشورة كلها كتبٌ قديمة. انظر إلى الممارسة العملية وإلى واقع الشيعة الآن، ليس واقعهم سرياً، انظر إلى شيعة البحرين ولبنان. بل انظر إلى شيعة العراق وهم يعيشون انفلاتاً سياسياً وأمنياً هل سمعتم منهم سباً للصحابة؟
· قد يكون ذلك في محاضنكم التربوية الخاصة بكم ؟
لا تحاسبني على ما (قد) يكون، حاسبني على ما هو كائنٌ وظاهرٌ. السب والشتم أصبح ممارسةً قديمةً؛ لأن الشيعة كان لديهم بعض ردود الأفعال في مراحل سابقة، ولكنهم اليوم لا يمارسون سباً ولا شتماً. ما هو المطلوب أكثر من هذا؟
· وماذا عن موقفكم من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وأرضاهما؟
للشيعة موقفٌ واضحٌ من مسألة الإمامة، يعتقدون أن الإمامة من حقّ علي كرم الله وجهه بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكنهم يرون أيضاً أن علياً رضي الله عنه بايع الشيخين وبايع عثمان وعمل تحت ظل خلافتهم، وبالتالي فلا يبنغي أن يساء لهم، وأنا شخصياً قلت: إن هذا حرام. وليس مطلوباً من الشيعة أكثر من هذا .
إذن نحن لنا قناعاتنا حول الإمامة والخلافة والخلفاء، وليس من حق أي جهة أن تحاكم الأخرى على قناعاتها ومعتقداتها، ما يحق فقط هو عدم الإساءة. يحق للسنة ألا يقبلوا من الشيعة الإساءة إلى رموزهم، أما رؤية الشيعة الداخلية وقناعاتهم فليس من حق أحد أن يحاسبهم عليها.
أعود إلى مسألة الأشرطة التي اشرت إليها وقلت: إن فيها سباً للصحابة. العاقل عندما يسمع شريطاً لا يسمح لنفسه أن يعمّم على مجتمع كبير قبل أن يتبين. هل يصح للشيعي أن يعمم رأي شخص سني قد يكون خاطئاً ويقول هذا هو رأي السنة؟
أنت تسمع خطاب السيد حسن نصر الله - أمين عام حزب الله- طيب لماذا لا تحكم على الشيعة من خلال خطاب السيد حسن نصر الله وتحكم عليه من خلال شخص أنت لا تعرفه؟
· ربّما كنتم تتعمّدون إخفاءَ هذا، فلا ينطق به رموزكم وأعلامكم.
دع عنك هذا. أنت تسمع الآن خطابين خطاب شيعي متعقل هو خطاب السيد حسن نصر الله وهو شخص معروف وله وضعه، وإذا كان ثمّت أحد يعبر عن الشيعة ويمثّلهم فهم السيد حسن نصر الله و السيد الخامئني والسيد السيستاني وهو الأكثر تعبيراً ، وكذلك المراجع البارزون للشيعة. هؤلاء هم من يمكن أن تعتبر رأيهم رأي الشيعة. فكيف تسمح لنفسك أن تغفل خطابَ هؤلاء وطروحاتهم وتدندن على شريط لرجل مجهولٍ وتعتبر أنّه يمثل رؤية الشيعة؟ هذا الذي يتحدث ليس مرجعا وليس له أتباع وليس له تأثير.
ولو نحن طبّقنا هذه المسألة لاعتبرنا السنّة كلهم تكفيريين إرهابيين بناء على خطاب الظواهريّ وأشباهه. عندما تقول أمريكا: إن السلفيين إرهابيون احتجاجاً بمقالات الظواهري وأسامة وأبي قتادة فإنكم تقولون: هؤلاء ليسوا مرجعيّاتنا ولا يمثلوننا. نحن نقول مثل ذلك.
· إذا كان الشيعة يبحثون – كما تقولون – عن تهيئة الجو المناسب في تعميق حوارهم الوطني مع أهل السنة، فما هي طبيعة العلاقة بينكم وبين المذهب السني في المنطقة الشرقية؟وهل هناك شواهد من الواقع في هذا المضمار.
في المنطقة الشرقية يؤرخ لهذه العلاقة بحقبتين حقبة سابقة كانت العلاقة فيها جداً طيبة، فقد كان بعض العلماء السنة من دارين يدرسون عند بعض علماء الشيعة (ودارين ضمن جزيرة تاروت بالمنطقة الشرقية). الشيخ علي الخنيزي كان قاضياً للسنة والشيعة معاً، وإلى الآن لو سألت الأخوة السنة في منطقة عنك ( منطقة ذات غالبية سنية بمحافظة القطيف) لأخبروك كيف كانوا عندما يذهبون إلى البادية يتركون أموالهم وصكوكهم ووثائقهم أمانة عند أبناء الشيعة في القطيف. هذه حقبة.
الحقبة الثانية حينما انتشرت بعض الآراء المتشددة التعبوية ضد الشيعة ونسبت إليهم مختلف الاتهامات، وبدأت تدعوا إلى مفارقة أهل البدع وإلى هجر المبتدعين والابتعاد عن الشيعة وإلى كذا وإلى كذا هذه الثقافة بدأت تربي جيلاً يتباعد ويقاطع الشيعة، ولا يتواصل مع الشيعة، ونحن الآن نعيش هذه المشكلة، ولكن هناك بشائر في إمكانية التجاوز لها حيث بدأ نوع من التواصل ونوع من إعادة التلاحم بين السنة والشيعة. طبعاً هناك فارق بين الأحساء والقطيف ،في الأحساء العلاقات لا تزال أفضل مما هي عليه في القطيف؛ لأنها مناطق مشتركة وهناك تداخل بين السنة والشيعة في الأحساء، وقد أخبرني عدد من أدباء وشخصيات السنة في الأحساء بأنهم قد تعلموا القرآن وتعلموا القراءة والكتابة في بيوت المعلمات الشيعيات خاصة وأن أتباع المذاهب السنية في المنطقة الشرقية أغلبهم كانوا من المذهب المالكي والمذهب الشافعي والمذهب الحنفي وهناك أيضاً من الحنابلة هذه المذاهب الثلاثة لم يكن في وسطها تيار متشدد تجاه العلاقات بالشيعة ولذلك العلاقة أفضل.
· في مؤتمر مكة الثاني للحوار الوطني اجتمعت مع الشيخ سلمان العودة في غرفته وتحادثت معه حول خلافات السنة و الشيعة، بماذا خرجتم من خلال هذا اللقاء؟
لم يتمخض عنه نتائج عملية وإنما كان الهدف من اللقاء توضيح الصورة أكثر وتبادل الرأي أكثر وتجديد العزم على التواصل وعلى التقارب وعلى التوحد وهذا ما دار في اللقاء.
· لكن الشيخ سلمان ذكر في حواره مع قناة الجزيرة أنه تحدث معك بشأن الخلافات العقدية في الأصول؟
صحيح، وأعترف بأنّ هناك خلافات في بعض التفاصيل العقدية في الأصول، ولكنني تحدثت معه كذلك عن مواضع الاتفاق العقديّ: توحيد الله والنبوة والمعاد هذه أصول غير مختلف فيها، لكن هناك بعض الخلاف في بعض التفاصيل العقدية، هذه الخلافات موجودة وقائمة، ونحن ندع كل طرف يطّلع على وجهة نظر الطرف الآخر، ولا نعتقد أن اللقاء مشروط بالتوافق في الرأي في هذه الأمور العقدية، ولكنّ هناك مصالح مشتركة، فنحن مواطنون نعيش في بلد واحد وهناك الكثير من القضايا التي يمكن أن نتعاون عليها.
· في مقالتك في الشرق الأوسط تحت عنوان " نحو علاقة أفضل بين السلفيين و الشيعة" بتاريخ 22 فبراير 2004م ذكرت أنّ البؤر الساخنة على خط الخلاف السني الشيعي أربكت هذه المسيرة، وأضعفت حركتها، وفي طليعة هذه البؤر: التشنج القائم بين السلفيين و الشيعة. لماذا تحاول جعل خلافكم محصوراً مع السلفيين؟ تيار أهل السنة لا يقتصر فقط على السلفيين، وكلهم يختلفون معكم.
قلت في مقالتي إن البؤر المتشنجة حالياً هي بين الشيعة والسلفية فقط، صحيح أن هناك خلافاً مع بعض السنة لكنّه خلافٌ غير متشنج. في لبنان على سبيل المثال لا توجد بين السنة و الشيعة مشكلة متشنجة، انظر إلى علاقة السنة في البحرين مع الشيعة، وانظر كذلك إلى الهند وغيرها من البلدان.
الحالة المتشنجة هي القائمة بين السلفيين والشيعة وأنا ذكرتها في معرض الحديث عن معالجة وليس في معرض إدانة لطرفٍ ما. هذا واقع موجود علينا أن نعالجه.
· لا أعرف حتى الآن كيف نقيم حواراً وطنيا، وهناك تنوع عقدي خطير يوضحه الأستاذ عبد العزيز الخميس حين يقول :" هناك تيار سلفي لديه إيمان بخروج الشيعة عن السنة، ملتزم بطاعة ولي الأمر التي تتعارض مع المباديء الشيعية الثورية التي تؤمن بالإمام الغائب لا الحاضر الحاكم" وهذا قد يكون سببا رئيساً في المشكلة الوطنية. ما هو تعقيبك على ذلك؟
أنا لا أرى أن هناك تعارضاً، والاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر وأنه سيخرج في آخر الزمان ليست عقيدة شيعية، الشيخ ابن باز له كلام واضح حول الموضوع ينصّ فيه (على أن من عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بالإمام المهدي، وأنه من سبط رسول الله، وأنه من بيت فاطمة وأنه سيخرج في آخر الزمان) " يشير الشيخ الصفار إلى كلام الشيخ ابن باز في هذه النقطة" .
أما قبل خروج الإمام المهدي السنة والشيعة متفقون على أنه لا بد من إمامة تسير أمورهم؛ إذْ لا يمكن أن يعيش الناس في فوضى إلى أن يظهر الإمام المهدي، والحكومة التي تسير أمور الناس وتكون برضا من الناس إتباعها وطاعتها مطلوب وواجب عند السنة والشيعة، ولا أرى أن الشيعة يختلفون عن السنة في هذا الأمر.
أما مسألة الخروج والثورة فهذه أيضا ليست حالة شيعية خاصة، نحن نجد الآن كثيراً من الجماعات الإسلامية والفئات الإسلامية السنية تخالف حكوماتها. المعارضة الموجودة في مصر أو الخروج على الحكومة في مصر أو في الجزائر أو في تونس هؤلاء ليسوا من الشيعة، هم من السنة فهي ليست مسألة مقصورة عند الشيعة .
التعامل مع الحاكم عند الاختلاف معه فيه رأيان رأيٌ بالصبر و السكوت وهذا موجود عند السنة، ويرى كثير من علماء الشيعة التقليديين عدم المعارضة و الخروج قبل خروج المهدي، ورأيٌ آخر يدعو إلى المعارضة و الثورة وهذا موجود عند بعض الأوساط السنية وموجود كذلك عند الشيعة الخ .... ضَعْفُ الإطلاع هو الذي يصور المسألة وكأنها خصوصية مذهبية بين السنة والشيعة.
· ما حقيقة صراع الأجيال بين المرجعيات الشيعية في السعودية ؟ وهل لذلك أثر على موقف الحوار الوطني.
لا توجد مرجعيات داخل السعودية، المرجعيات بالاصطلاح الشيعي خارج المملكة. أما المرجعيات المحلية فنحن نسميها (علماء وكلاء للمراجع )، وهذه موجودة في السعودية وفي كل المجتمعات. ما ألحظه أنّه ليس لدينا صراع بين العلماء الكبار وبين العلماء الشباب، هناك اختلاف في الطروحات وهذه حالة طبيعية، فكل جيل له الجو الذي عاش فيه والبيئة التي تفاعل معها، ولكننا لسنا في حالة صراع، لا يوجد الآن صراعات أجيال داخل علماء الشيعة في المملكة.
· كيف يمكننا أن نوفق بين تصريحات علماء الشيعة الآن : أنهم يؤمنون بالقرآن الموجود الآن في أيدي المسلمين، وأنه لا يوجد قرآن غيره لا عند صاحب الزمان " المهدي" ولا مصحف فاطمة ولا غيره، وبين تمسك شيعة اليوم بكتب الحديث الشيعية وكتب العقائد وكتب التفسير التي يطبعها الشيعة اليوم، وهي مشحونة بآلاف النصوص التي تنص على أن القرآن محرف ومبدل وزيد فيه ونقص منه، وأن هذا إجماع عندهم؟
الكلام حول صيانة القرآن وتحريف القرآن هذا الكلام يجب أن يُتَجاوز؛ لأن لعلماء الشيعة رأياً قاطعاً في هذه المسألة، والقول بتحريف القرآن رأي شاذ يعتمد على روايات غير مقبولة وغير صحيحة، والقرآن الذي يقرأ عند الشيعة هو القرآن الذي يقرأ عند السنة . أما مصحف فاطمة فهو ليس قرآنا وإنما هو تفسير لآيات القرآن كانت تسمع من أبيها صلى الله عليه وسلم فتكتبها على النسخة التي عندها. وقد تحدث الشيعة حول هذا الموضوع وأبانوا رأيهم، وقرأت كلاماً جميلاً للشيخ عبد الله المنيع حينما سئل عن هذا الموضوع فقال: يجب أن نتجاوز، ويجب أن نعترف بأن الشيعة ليس لديهم قرآنٌ غير الذي عندنا، وهو نفس الكلام الذي ذكره الشيخ القرضاوي.
أقول: ضِمْنَ التهريج يأتي مثل هذا الحديث، أما ضمن الحقيقة فالكل يعرف أن الشيعة ليس لهم قرآن، وأنّهم في حوزاتهم العلمية وأبحاثهم لا يستدلون إلا بهذا القرآن الذي بين أيدي الناس اليوم.
· يقول نعمة الله الجزائري المرجع الشيعي الكبير: نحن لا نجتمع مع أهل السنة على إله واحد، ولا على نبي واحد ولا على إمام واحد؛ لأن الإله الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس إلهنا، ولا ذلك النبي نبينا، ولا ذلك الإمام إمامنا" وفي كتاب كشف الأسرار للخميني يقول: إننا لا نعبد إلها يقيم بناءً شامخا للعادلة إننا نرفض العصاة والمنحرفين أمثال معاوية وعثمان في مقام الإمامة.
بالنسبة للسؤال الأول فنعمة الله الجزائري لم يكن مرجعا للشيعة في أي عصر من العصور، وإنما هو مجرد عالم من علمائهم كتاباته فيها الصحيح والخطأ، فيها ما يقبل وفيها ما يرفض، وهذا الكلام مرفوض عند أغلب العلماء عملا هم يرفضونه لكن لا يعني ذلك أن نرفض كل شيء من السيد نعمة الله الجزائري، وهو عالم فيه الخطأ وفيه الصواب يؤخذ منه ويرد عليه.
أما كتاب ( كشف الأسرار ) للإمام الخميني أنا ما قرأته. ولذلك الإمام الخميني رفض طباعته والجمهورية الإسلامية لا تنشره، ولا تعترف به، ولا تقبل بوجود هذا الكتاب أصلا، ثم أن هناك منظمة رسمية لآثار الإمام الخميني وكتبه، تعتبر أن هذا الكتاب مزور ومشوه وهو في الأصل كتاب باللغة الفارسية قد كتبه الإمام الخميني في بداية شبابه، والذي ترجمه إلى اللغة العربية زوّره وشوهه، وقد كشف كاتب مصري يدعى الدكتور إبراهيم دسوقي هذا التزوير.
· يقول الإمام الخميني في كتاب" الحكومة الإسلامية" ما نصه :"إن لأئمتنا مقاما محمودا ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لسيطرتها جميع ذرات هذا الكون، وإن لأئمتنا حالات مع الله لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل . فما قولكم بهذا النص؟
رأيٌ عند الإمام الخميني لا يوافقه كل العلماء عليه لكنه رأي لا يخرج عن الملة ولا يخرج عن الشريعة، مادام يعتقد أن مكانة الأئمة عطاء من الله، وليس قدرة ذاتية.
· لم نسمع من الصفار ولا السلمان ولا غيرهم أنّهم تبرؤوا من الكتب الشيعية كالكافي وفقيه من لا يحضره الفقيه و الاستبصار والتهذيب التي يطلقون عليها الصحاح الأربعة وهي مليئة بالقول ببغض أهل السنة، والتقرب إلى الله بإيذائهم، بل إنّ وصية جعفر الصادق التي افتتح بها الكليني كتاب الروضة من الكافي تنص على وجوب مخالفتهم وكرههم و التربص بهم وعدم موالاتهم، وأنه يجب على الشيعي أن يجعل هذه الوصية في مصلاه ويقرأها دبر كل صلاة فكيف نجمع بين هذا ودعوتكم للوفاق الوطني، وأنت إلى الآن لم تقل كلمة واحدة تتبرأ فيها من هذه الكتب التي شحنت بمثل هذه النصوص؟
نحن لا نعتبر هذه الكتب الأربعة صحاحاً،نحن نعتبرها مجرد مجاميع حديثية كل رواية من الروايات الواردة فيها قابلة للنقاش، ففيها ما يقبل سنده وفيها ما يرد سنده، ونحن لا نتبرأ من هذه الكتب ولن نتبرأ منها، نحن نتبرأ من الشيء الخطأ الذي فيها ولا نقبله، ومؤلفو هذه الكتب أشاروا إلى أنهم جمعوا هذه الأحاديث من العلماء المحدثين فنحن لا نتبرأ من هذه الكتب، وإنما نعتبرها من جملة المصادر الموجودة، فلا نقدّسها ولا نعتبرها صحاحا كما تعتبرون أنتم الصحاح، لا ليس عندنا شيء من هذا. إذنْ نحن نتعامل مع هذه الكتب الأربعة تعاملاً موضوعياً علمياً نقبل ما يقوم الدليل على صحته ونرفض ما ليس هناك دليل على صحته، وليس المطلوب أن نتبرأ من شيء.
أنا أستغرب لماذا تقحم كل مسألة من المسائل في موضوع الحوار الوطنيّ!! الاتّحاد والاتفاق بين الأطراف لا يعني التماهي وذوبان كلٍّ في الآخر، هل يشترطُ من يريد مصادقة شخصٍ أن يقوم بعمليّة تجميلية ليكون وجهُهُ على نحو ما يعجبُ هذا المشترط؟ هذا لا يمكن. ليس مطلوباًَ أن يتحوّل السني إلى شيعي ولا العكس، المطلوبُ أن يكفّ كلٌّ عما يؤذي الآخر.
أنا أدعو نفسي وأدعو إخواني المسلمين بمختلف المذاهب إلى أن يتعاون بعضهم مع بعض، وأن يقرؤوا بعضهم البعض قراءة صحيحة ليس اعتمادا على الآراء المناهضة وليس اعتمادا على التعميم، فأتباع كل مذهب ليسوا قالب واحد، هناك آراء متفاوتة داخل أبناء المذاهب، وعلى المعتدلين والمتعقلين في كل المذاهب أن يتعاطوا مع بعضهم البعض لكي يحاصروا المتشددين والمتشنجين ضمن مذاهبهم، وأشكركم على إتاحة هذه الفرصة و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.