صدر كتاب: سماحة آية الله العَلم الشيخ محمد جواد السهلاني (طاب ثراه) نشأة ومنجزات و ذكريات، تأليف: الشيخ ليث السهلاني.
وقد ضم نبذة من سيرة الشيخ السهلاني (رحمه الله) وشيء عن شعره وبعض قصائده، وكلمات العزاء والتأبين التي قيلت في حقه، بالإضافة إلى ملحق بالصور للتشييع والتأبين.
وقد وردت كلمة سماحة الشيخ حسن الصفار في الصفحة 270 بعنوان: السهلاني وشخصيته الأخلاقية.. هذا نصها:
الشيخ السهلاني وشخصيته الأخلاقية
على صعيد مكارم الأخلاق، لدينا تراث ضخم، وثروة عظيمة من المعارف، تفيض بها آيات القرآن الكريم، وأحاديث السنة الشريفة، ومشاهد السيرة النبوية، وسيرة الأئمة الطاهرين . وبإمكاننا أن نفاخر كل الأمم والحضارات بما نمتلك من مخزون قيمي وأخلاقي عميق.
ولا غرو في ذلك فعنوان ديننا إكمال صرح البناء الأخلاقي للبشرية، حسب ما ورد عن النبي محمد أنه قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
لكن التحدي الأكبر أمامنا هو تجسيد تلك القيم والأخلاق في حياتنا العملية، على الصعيد الفردي والاجتماعي.
من هنا تبرز قيمة القدوات الأخلاقية، والنماذج القيمية، وأقصد بها أولئك الأشخاص الذين يعيشون بيننا، ويواجهون ما نواجه من مشاكل الحياة، ويتعرضون إلى ما نتعرض له من مغرياتها، فيلتزمون بالقيم، ويتمسكون بالمبادئ، ويتحلّون بمكارم الأخلاق.
إن وجود هكذا شخصيات بين الناس هو أفضل وسيلة لترويج القيم، والدعوة للمبادئ، والحث على مكارم الأخلاق.
حيث يقدمون بسيرتهم نموذجاً دافعاً للنفوس نحو الخير، مقنعاً للعقول بإمكانية الترجمة الفعلية للمثل والقيم، وبذلك يكونون حجة على الناس، ودعاة إلى الفضيلة بغير ألسنتهم، بل بأفعالهم قبل أقوالهم، كما ورد عن الإمام الصادق : «كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم».
ومن تلك القدوات الصالحة، والنماذج الخيّرة، التي أكرمني الله تعالى بالتعرف عليها، شخصية فقيدنا الراحل العلامة الحجة الشيح محمد جواد السهلاني أعلى الله مقامه.
كان يطرق سمعي ذكره، وكنت أقرأ عن أدبه وفضله، وأتطلع للقياه والتعرف عليه، حتى يسّر الله تعالى ذلك حينما جاورت مقام السيدة زينب في راوية دمشق، في ثمانينيات القرن الميلادي المنصرم، وهناك تعرّفت على شخصيته الكريمة عن قرب، فرأيت فيه مثالاً للمهابة، والسماحة، والتواضع، ورحابة الصدر، والكرم، وحسن الضيافة، وسائر خصال الخير والأدب ومكارم الأخلاق.
كان ذا طلعة بهية، ومحيا باسم، يعلوه الوقار والسكينة، يستقطب البعيد بلطفه، ويغمر القريب بتواضعه، يعبّر عن مشاعره بعفوية دون تكلف.
وقلَّ أن تجد شخصاً في مثل سنّه ومكانته الاجتماعية والأدبية، يُغدق الثناء والمدح، ويمنح التشجيع والتقدير، لكل ذي كفاءة وطموح، حتى وإن كان ناشئاً أو في بداية الطريق، وإذا ما جُمع شعره، فستكون في ديوانه مساحة كبيرة للتقاريض التي نظمها في الإشادة بشخصيات أو مؤلفات أو مؤسسات.
مما يكشف عن طيب قلبه، وحبه للآخرين، وتشجيعه للطاقات والكفاءات.
كانت الساحة حوله تعجّ بالصراعات والخلافات السياسية والفكرية والاجتماعية، لكنه نأى بنفسه عن أي خلاف أو صراع، حيث إتسع قلبه للجميع، وتسامى عن الخوض والتورط في تلك المنزلقات، بل كان يسعى لرأب الصدع وإصلاح ذات البين، وتوجيه الجهود نحو إنقاذ الوطن والأمة. فكان يتواصل مع كل الأطراف بمختلف اتجاهاتهم، دون تحيّز لفئة أو بخس لحق فئة أخرى.
ورغم ما كانت تنطوي عليه نفسه من هموم وآلام، بسبب ما عاناه من جور النظام الصدامي الزائل، عليه وعلى عموم الشعب والوطن العراقي، إلا أنه كان مصداقاً لقول أمير المؤمنين علي : «المؤمن بشره في وجهه، وحزنه في قلبه» فهو يرفع معنويات من حوله، ويدخل السرور على قلوب مجالسيه، ويبعث الأمل والتفاؤل بالمستقبل في نفوسهم، فحديثه شيّق عذب، تطرّزه قوافي الشعر، وطرائف الأدب، ونكات المرح، وقصص التجارب.
حقا لقد فقدنا به أباً حنوناً، وقلباً كبيراً، ووجهاً مشرقاً، كان شخصية أخلاقية نموذجية بامتياز، تغمده الله بواسع رحمته، وحفظ الله أبناءه البررة الصالحين، الذين أحسن تربيتهم، فأصبحوا امتداداً لمسيرته، وقرة عين له في الدنيا والآخرة إنشاء الله، رعاهم الله وزادهم توفيقاً. والحمد لله ربّ العالمين.
حسن موسى الصفار القطيف - 17 صفر 1430 12 فبراير 2009م