التخطيط للمستقبل
المجتمعات المتقدمة، والدول المتحضرة، ترسم سياستها المستقبلية في التعليم والصحة والعمران وسائر المجالات، على أساس نسبة النمو السكاني، فإذا كانت نسبة النمو مثلاً 2 في المئة أو أقل أو أكثر، فإن ذلك يعني التخطيط لإعداد مدارس تستوعب هذه الزيادة بعد سنوات، وكذلك تهيئة التعليم الجامعي، والخدمات الصحية، وفرص العمل، وحتى تخطيط الشوارع والمدن.
وكذلك فإن العوائل المتحضرة المهتمة بمستقبل أبنائها، تضع الخطط والبرامج لضمان نجاح الأبناء وتقدمهم، منذ الأيام الأولى لولادتهم وقدومهم للحياة.
إن هذا النوع من التفكير والتخطيط ضروري جداً لمجتمعاتنا، والتي تبدو كأنها فوجئت بأعداد كبيرة من الأبناء، لا تتوفر مدارس ولا جامعات ولا فرص عمل كافية لاستيعابهم.
كما أن بعض العوائل تبدد إمكانياتها الحاضرة على مسائل الترفيه والكماليات، والسفرات السياحية، دون أن تدّخر شيئاً من الإمكانيات، من أجل بناء مستقبل أبنائها، ثم تجد نفسها في وضع العاجز عن مساعدة الأولاد لشق طريق تقدمهم في الحياة.
إن التفكير المستقبلي يجب أن يكون جزءاً لا يتجزأ من اهتمامات الإنسان الواعي، وخاصة مع تعقيدات الحياة الحاضرة، وزيادة متطلباتها، وإن القرآن الكريم ليأمرنا بالتفكير في مستقبل أبنائنا في الآخرة وما بعد الدنيا، فضلاً عن التفكير في شؤون دنياهم. وفي الحقيقة فإن نجاة أبنائنا في الآخرة تعتمد على صلاحهم في الدنيا، يقول تعالى: ﴿يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾.
كما يلفت القرآن الكريم النظر إلى ضرورة المشاركة في صنع واقع اجتماعي يضمن حماية مستقبل الأبناء، حتى لو فقدوا آباءهم، عن طريق التزام سنن الخير، ورعاية حقوق الأيتام والفقراء في المجتمع، يقول تعالى: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا * وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا﴾. ومع تشجيع الدين للإنسان على البذل والإنفاق في الطاعات وأمور الخير، لكن هناك روايات تشير إلى أولوية التفكير في مستقبل الأبناء، وأنه لا ينبغي للإنسان أن ينفق أمواله على الطاعات في حياته، ثم يترك أبناءه في حاجة وفقر.