إتهام الناس في أديانهم
ما أحوج الإنسان إلى وقفات روحية، ومحطات معنوية يعود فيها إلى نفسه، وينفتح على خالقه. هذه المحطات تكون في الأزمنة المباركة لخصوصيتها عند الله تعالى، والتي تكشف عنها الروايات الواردة عن رسول الله .
مجتمعات كثيرة تحتفي بليلة النصف من شعبان، وأتباع أهل البيت يهتمون بها أكثر لما لها من أهمية دينية، ولارتباطها بذكرى مولد الإمام المنتظر (عج)، فيظهرون أشكال الفرح إظهارًا للسرور. لكننا في كل عام وأمام هذه المناسبة، نسمع أصواتًا نشازًا تفتي ببدعية الاحتفاء بهذه الليلة وأن ذلك مخالف للشرع!
أن يكون للإنسان رأي آخر يخالف غيره فذاك حق مشروع ولا مانع منه، ولكنه لا يصح أن يكون بالتراشق بالتهم كالتبديع والتفسيق ما دام الأمر دائرًا في مجال الفقه والشرع، فلكل فقيه الحق في الاجتهاد وتبيان رأيه حول المسألة، وليس هناك طائفة من طوائف المسلمين تقبل بالبدعة، وإذا كانت عند السنة أحاديث تحذر من البدعة فعند الشيعة أكثر، كما ورد في الكافي عن رسول الله : «إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه فمن لم يفعل فعليه لعنة الله».
والبدعة هي إدخال ما ليس من الدين في الدين، وكل ما ليس له أصل في الشرع يدل عليه، فالمسألة محل اجتهاد الفقيه، وباب الاجتهاد مفتوح، فليس بدعة ما كان ينتجه اجتهاد ضمن ضوابط الفتوى، ثم إن الأمر يتعلق باختلاف بيئة العالم، واختلاف الزاوية التي ينظر منها، فيختلف رأي هذا عن ذاك حتى لو كانا من نفس المذهب، فلا يصح حينها الاتهام في الدين، ولا التشكيك في نوايا الآخر وتسقيطه ومحاربته.
وقد وردت أحاديث كثيرة تؤكد فضل ليلة النصف من شعبان عند الشيعة والسنّة وحتى عند السلفيين، وجاء في سنن ابن ماجة عن رسول الله : «إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها». فكان المسلمون يحيونها وقد ذكر ذلك ابن تيمية: وأما ليلة النصف، فقد روي في فضلها أحاديث وآثار ونقل عن طائفة من السلف أنهم كانوا يصلون فيها، فصلاة الرجل فيها وحده قد تقدمه فيه سلف وله فيه حجة فلا ينكر مثل هذا.