نحو عيد محبة وإخاء
لا يكاد يمر على المسلمين عيد، إلا وتسمع همسًا ولمسًا عن صحة ثبوت الهلال من عدمه. وقد أضحت هذه المسألة مثار اهتمام الشعوب المسلمة كلها، حيث من الممكن جداً أن تعلن العيد بعض الدول الإسلامية في يوم والدول الإسلامية الأخرى في يوم آخر. ويحصل ذلك حتى في داخل المذهب الواحد.
ولكن لا ينبغي أن يكون الأمر سببًا للخصومة، فمن الناحية الفقهية علينا أن نعلم أن المعول في مسألة الإفطار أو الصيام هو اطمئنان المكلف. ويحصل الاطمئنان بأحد الطرق الشرعية المذكورة في الكتب الفقهية، وهي أن يرى الهلال بنفسه أو يشهد عادلان أو يحصل شياع وتواتر.
وحيث إن أكثرية المكلفين لا يرون الهلال غالباً، وليس من الميسور استماع شهادة عادلين برؤيته، وقد لا يحصل الشياع في حالات كثيرة، لذلك اعتاد الناس على الركون إلى رأي العلماء المتصدين لهذه القضية، الذين هم موضع ثقتهم واطمئنانهم، فيرتبون الأثر على كلامهم.
وهنا يجب التأكيد على قضيتين مهمتين جداً:
أولاً: حينما يرتب كل مكلف الأثر الشرعي الناشئ من اطمئنانه أو عدمه فلا يجوز في حالة الاختلاف أن يعادي أحدًا، فكل شخص يعمل بتكليفه الشرعي.
ثانياً: اعتماد الناس على آراء العلماء في إثبات الهلال أو عدمه، لا يصح أن يكون دافعاً للفئوية، بأن تذهب كل فئة إلى رأي العالم الذي تميل إليه، مع غض النظر عن أقوال بقية العلماء. إذا اطمأن المكلف بهلال شوال من إثبات أي عالم موثوق لديه، فيجب عليه أن يرتب الأثر على ذلك، وإلا فلا يمكنه ذلك ولو كان من أثبته مرجع تقليده.
إن من المفروض أن نعمل جميعاً ليكون العيد مناسبة لنشر أجواء المحبة والصفاء، وتعميق المودة والإخاء بيننا، لذا من المهم الالتفات إلى الأمور التالية:
1. الاهتمام بموضوع الاستهلال فهو سنّة ينبغي المواظبة عليها، فكلما ازداد عدد المستهلين كانت فرص رؤية الهلال أكبر في الليلة المحتملة.
2. أن يدلي من رأى الهلال بشهادته عند كل العلماء المتصدين في بلده ولا يقتصر على الذهاب لبعضهم دون البعض، لنساعد على وحدة الموقف.
3.أن ندفع ونشجع باتجاه أن يلتقي العلماء المتصدون لإثبات الهلال مع بعضهم ويتشاوروا فيما بينهم لاتخاذ موقف موحد يريح الناس من عناء الاختلاف.
4. أن تحترم كل جهة رأي الجهة الأخرى عند الاختلاف في ثبوت الهلال، ولا يصح اتهام النيات، والإساءة للآخرين.
5.أن ننشر ثقافة التسامح بيننا، حتى مع المخالفين فهناك أحاديث عديدة وردت عن الأئمة الطاهرين تنهى عن الخصومة في الدين، ولا أدري لماذا نتجاهل هذه الأحاديث مع حاجتنا إليها؟ جاء عن الإمام الصادق: «إياكم والخصومة في الدين فإنها تشغل القلب عن ذكر اللَّه عز وجل وتورث النفاق وتكسب الضغائن».