حب لا ينقطع
خرج معي صاحبي من المسجد وهو يحدثني بين الجد والهزل قائلا: في كل عام أرفع كفي بالدعاء لله متضرعا خاشعا، فاشكوه همي وأترك بين يديه طلبي، وانصرف متأملا أن يستجيب لي، لكني أعود في العام الآخر وفي قلبي حسرة وحزن لأن رجائي ومطلوبي كما هو لم يتحقق منه شيء أبدا.
فهل هذا غضب من الله علي؟ وهل هو رفض لما أتمناه وأريده؟ ولماذا تتعسر حاجتي والله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.
كان يمسك بيدي ونحن نسير سويا، وفور انتهائه من بث شكواه التي أخذتها على محمل الجد شددت على يده قليلا وقلت له: إن الكريم هو من يعطي قبل أن تسأله، ويمتن عليك قبل أن تطلبه، ويبسط يده قبل أن يتساقط ماء وجهك خجلا من مسألته، ذاك إذا كان معك كريم فقط أما حين يكون لك محبا أيضا فإنه يحب أن يسمع كلامك ودعاءك واسترحامك ورجاءك له.
ومع كل ذلك فإن الله يعطينا الكثير دون أن نسأله أو نطلب منه، هل طلب أحدنا من الله يوما أن يسهل له تنفس الهواء، وييسر له شرب أو (بلع) الماء، أو أن يمتن عليه بهدوء النوم، أو أن يتيح له القدرة على إدارة عينيه؟
الله سبحانه وتعالى يفعل كل ذلك بنا، فأنفاسنا وحركاتنا وسكناتنا وحياتنا بما فيها من نعم هي من عطاياه وتفضله ومحبته لنا مع أننا لم نسأله كل هذا العطاء، ومع غناه عنا ﴿وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾.
وقد ورد في الدعاء (يا من يعطي من سأله يا من يعطي من لم يسأله ومن لم يعرفه تحننا منه ورحمة)، وهل هناك أرقى من هذا الحب للإنسان.
ثم قلت له ألا تلاحظ نعم الله علينا مع تقصيرنا وعصياننا وتمردنا على تعاليمه أو بعض تعاليمه، ولعل في أدعية القريبين من الله سبحانه ما يكشف لنا الكثير من الحقائق (فلم أرى مولا كريما أصبر على عبد لئيم منك علي يا رب، إنك تدعوني فأولي عنك، وتتحبب إلي فأتبغض إليك.
وتتودد إلي فلا أقبل منك، كأن لي التطول عليك، فلم يمنعك ذلك من الرحمة لي والإحسان إلي، والتفضل علي).
فمتى تركنا الله سبحانه وتعالى دون لطفه ورحمته وامتنانه وعطاياه؟
أما إبطاء الله عنا في الإجابة، فنحن نعتقد أنه أبطأ، لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة إليه (فلعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور) فربما كان الخير أن لا يصلك الطلب الذي طلبته لعلم الله سبحانه وتعالى وحبه لك.
ويمكن أن نقول أن الله قد يؤخر الإجابة لمحبته لنا، فهو يريدنا أن نبقى قريبين منه، نتحدث معه بسرنا وجهرنا وحاجاتنا لمدة أطول، فقد جربنا مرارا ووجدنا نبتعد عنه بمجرد أن يستجيب لنا، شاهدنا في حال المرض، وفي حال البلاء وفي حال المصائب والمشكلات، كيف أن قلوبنا تشخص له وبمجرد أن نتجاوز ما نحن فيه ننساه ونذكر كل ما عداه.
ولذلك أرادنا أن نكون محملين بالطلبات والآمال له، وأن نستمر في الدعاء والسؤال الذي يدفعنا للاقتراب منه.
علينا فيما بقي من ليالي شهر رمضان أن نثق بحب الله لنا فلا أحد يحبنا كما يحبنا هو، اللهم فاجعلنا نثق بحبه، ونحبه كما أحبنا وتفضل علينا.