توثيق الصلة بالله
حين يكون الحديث عن الإمام علي بن الحسين فلا يكون بدٌ من الحديث عن الدعاء، فقد خلّف تراثا وثروة من هذه الأدعية الروحية. وهنا سؤال يطرح: لماذا هذه الخصوصية في حياته في جانب الدعاء دون سائر الأئمة ؟ هناك أسباب ومنها:
ـ فرصة التوجيه في عهده كانت أقل من سائر الأئمة بسبب الظروف الضاغطة التي واجهها من قبل السلطة، فلجأ إلى الدعاء ليبث منه القيم والتربية، لذلك نجد أدعيته مليئة بالقيم والتوجيهات وليست مجرد طلب وابتهال إلى الله تعالى.
ـ كما أنه عاش ظروفًا صعبة على المستوى الشخصي، وإن كان سائر الأئمة قد واجهوا هذا الأمر، لكن ما واجهه يعتبر أشد وأقسى فقد رأى قتل أبيه الحسين ومن معه حتى الرضع، ورأى سبي النساء، فضائع نالت منه، وهو بشر له أحاسيسه ومشاعره، ولذا يثيبه تعالى على صبره. عاش معاناة الإذلال والشماتة مع علمه بمكانته التي وضعه الله فيها، ولكنه يرى إحاطة ذلك الأمر به، حتى قال: وأصبحنا نحن ذرية محمد وعترته نساق سبايا كسبايا الترك أو الديلم!
وأكثر من ذلك شماتة الأعداء كما أشار إلى ذلك هو حين سئل: ما كانت أشد الأشياء عليك؟ قال: الشام .. الشام وشماتة الأعداء!
لكنه في هذه الظروف كان يلجأ إلى الله تعالى لكي يعلمنا أن الإنسان مهما اشتدت به الظروف ومهما كانت فعليه أن يلجأ لله. عليه أن يعرف أن هناك ربًا رحيمًا يسمع نداءه ويعطيه الثمرة عاجلًا أو آجلًا (أمن يجيب المضطر إذا دعاه) الله هو الذي يجيب لا غيره. وللإمام أدعية كثيرة تنشر القيم والمبادئ، وتفتح أبواب الثقة بالله مهما اشتدت الظروف، كدعائه إذا عرضت له مهمة أو نزلت به ملمة: (يا من تحل به عقد المكاره) مهما قست الظروف وتعقدت واستحكمت كما يعقد الحبل ويصعب فتحه، فإن المكاره كذلك تسهل عند الله. (ويا من يُفثأ به حد الشدائد) ومهما كانت حدتها فإنها تسكن وتخف عند الله تعالى. هكذا يوثق العلاقة مع الله.