الشيخ الصفار نموذج الاعتدال
أكد الشيخ حسن الصفار في خطبته الجمعة الماضية على ضرورة تركيز جهد علماء الأمة المؤمنين بالوحدة والتقارب على إدانة ظاهرة الشحن الطائفي بدلًا من الاكتفاء بإدانة الاشخاص المتطرفين من مختلف الاطراف، الشيخ الصفار عالم جليل له باع كبير في دراسة العلم الشرعي وتدريسه ويعلم بحقيقة اختلاف المعرفة وأوجه العلم المتنوعة بتنوع مذاهب الاجتهاد فيه، وخطبة الشيخ في هذا التوقيت وفي هذا الموضوع الذي يعد الابرز والاخطر على بناء الوحدة الوطنية، تأتي من حرصه على نزع فتيل الفتنة ودعم تماسك الوحدة الوطنية.
ومن خطبة الشيخ الصفار أسترجع بعض النقاط التي جاءت في مقالي الاربعاء الفائت والذي كان موضوعه عن الصراع الطائفي في الخليج وهو موضوع تم تحريك النار من تحته بسبب ما طرحه ياسر الحبيب من آراء خبيثة عن ام المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، وقد ذكرت أن القضية سقطت من ايدي المشايخ وفقدوا السيطرة عليها ويجب ان يكون هناك تدخل سياسي يحصر هذه الظاهرة بإجراءات ملزمة ورادعة لتنطفئ نار الفتة بسلطة القرار، بدلا من الادانات المنبرية التي بدأت تفقد صلاحياتها في هذا الموضوع، والخوف أن تتحول خطب المبشرين بالتسامح والتقارب الى عرض حقوق ساقطة وحقوق متجاوزة، وإن سلّمنا للمنبر مسؤولية حل هذه الاشكالية فسوف تصبح حالنا مثل ما قال المثل « جاء يكحلها وأعماها».
إن التركيز على مفهوم الشحن الطائفي بدلا من التركيز على الاشخاص، يعني التركيز على الافكار والقضايا بمعزل عن مسببيها، وهذا الطرح يعيدني ايضا ليس لمقال ولكن الى مبدأ بالدعاية السياسية، يقول هذا المبدأ اذا اردت ان تخلق حالة جدل واسعة لا تنتهي إلى حل فيجب ان ينصب تركيزك على القضايا وليس الاشخاص وذلك لما تحمله القضايا من وجهات نظر مختلفة وفي بعض الاحيان متصارعة. وفي قضية اختلاف المذاهب وصراع الافكار حولها دليل على خطورة النقاش والجدل حول القضايا المسلّم باختلافها لان ذلك لن يؤدي إلا الى مزيد من التشاحن الذي يخلق الفتن ويضمن الوقود لاستمرارها، اما التركيز على الاشخاص فهو افضل وسيلة للسيطرة على الافكار المتطرفة، فإن أردت وأد فكر شخص متجاوز او يسعى لتحقيق مصالح شخصية على حساب سلامة المجتمع ومصالحه من خلال استخدامه للقضايا الجدلية والمختلف عليها، فما عليك إلا ان توضح المنطلقات الشخصية التي يؤسس عليها افكاره وتفضح مصالحه الشخصية، وإن كان ما يطرحه يقوم على افكار منحرفة وكاذبة فعليك ان تكشف عن الكذب في حديثه، والاشخاص المنحرفون تسهل إدانتهم اكثر من الافكار المنحرفة، كما ان الجهات المعنية بأمن المجتمع تستطيع ان تدين الاشخاص ولا تستطيع ان تدين الافكار، فلا يعقل ان نحاكم فكر القاعدة بعيدا عن ابن لادن والظواهري، والاشخاص المنتمين لهذا الفكر.. وهذا المبدأ ينطبق على كل شخص يحمل فكرا تخريبيا..
إن إدانة الاشخاص هي الحكمة العملية التي لها تحسب قوة فرض النظام وإحراق الافكار الخبيثة.