عُذِّبت أو ماتت إنها شغّالة
العنوان هو العبارة التي كان يود البعض قولها وإن كان يستحي من ذلك، ففي الأسبوعين المنصرمين كانت الكتابات تنصب حول خبر مؤلم وهو (أن الخادمة الإندونيسية سومياتي سولان التي تعرضت لتعذيب بدني على أيدي مكفولتها بالمدينة المنورة حاليًا، ترقد حاليا في قسم العناية المركزة بمستشفى الملك فهد بالمدينة المنورة بعد أن أجريت لها يوم الأحد الماضي عملية جراحية. وعلمت (المدينة) من مصادرها الخاصة أن العملية الجراحية كانت في الرأس وأنه سيجرى لها عدد من العمليات التجميلية بعد خروجها من العناية المركزة واستقرار حالتها الصحية) جريدة المدينة الأربعاء 24/11/2010.
أوجدت هذه الحالة ردات فعل قد تكون مسيسة وقد تكون ثأرية وقد تكون محقة في إندونيسيا ، تمثلت بمواقف من الحكومة الإندونيسية، وحركة في الشارع الإندونيسي الذي توجه عدد محدود منه للتظاهر أمام السفارة السعودية.
أود الإشارة هنا إلى أن مثل هذا الحدث يحصل في كل مكان في العالم، فالاعتداء على الإنسان الضعيف أصبح عرفا للبشر يتقنه الأقوياء في الجسد أو المال أو حتى المكانة الاجتماعية، ويجيدون ممارسته ببراعة وتفوق.
ما أحزنني في الحدث المتمثل في تعذيب امرأة جائعة جاءت تبحث عن قوت لها ولعيالها في بلد الخير والعطاء والسخاء هو تلك الكتابات والتصريحات التي غادرتها الحكمة ولو إلى حين.
1/ لقد قرأت مقالات لبعض الزملاء وهم يحاولون حساب الحادثة وكأنها واحدة بواحدة، مشيرين إلى أن العديد من الشغالات الإندونيسيات تسببن في قتل العديد من الأطفال في المنازل التي يعملن فيها وبعض هؤلاء مات بسم الفئران.
وأحدهم يقول إن عدد من مات من الأطفال على يد الشغالات الإندونيسيات تعجز عنه موسوعة (غينيس)، ولست أدري على أي منطق يعتمد هؤلاء؟
2/ وقرأت لبعضهم أن هذه الحادثة هي حادثة فردية لا يصح أن تعمم على شعب كامل، وأن ملايين العمال يغادرون البلاد دون أن تمس لهم كرامة.
وكنت أقول في خاطري هل يسير هؤلاء في الأسواق ليروا بأعينهم أن (الورعان) الصغار من أولادنا يهينون عمال النظافة ويضربونهم دون مبرر؟ بل إن بعضهم يتسلى مع زملائه بذلك العمل القذر.
هل يقرأ هؤلاء ما تحويه الصحف اليومية من أخبار عن العمال الأجانب في بلادنا، وعن السلب والنهب الذي يحل بهم من العابثين من أولادنا؟
3/ وأكثر ما أزعجني اللغة التي رأيتها في بعض التصريحات والتي تجعل منا ملائكة لا نخطئ ولا نزل فقد (شددت هيئة حقوق الإنسان والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، على أن الشعب السعودي يرفض القسوة في التعامل مع الخادمات، مبينة أن ما حدث مجرد حالة فردية لا يمكن إطلاق أحكام عامة بناء عليها) شمس 24/11/2010.
لا يا هيئة ولا يا جمعية، إنني أتفق معكم أن الغالبية من الشعب كما ذكرتم لكن نسبة المتجاوزين والقساة على الضعفاء ليست قليلة وليست نادرة.
عودوا لملفاتكم وأرقامكم التي ذكرتموها على صفحات الجرائد في العنف الأسري مع الزوجات ومع البنات ومع الأولاد لتروا أن تعاملنا مع بعضنا فيه من القسوة الكثير.
بدل كل هذا التجاهل والتهاون في الموضوع نحن نحتاج إلى وقفة صادقة فثقافة إهمال الإنسان والتنكر لقيمته وكرامته ومكانته التي رسخت في كل التشريعات والتعاليم الإلهية - التي كرمته وأعلت قدره - ثقافة مريضة تحتاج المزيد من الجهد والصياغة كي نعالج هذا السلوك الموتور بيننا نحن البشر المتدينين (وللأسف الشديد) وبين من يشاركنا البشرية بل ويشاركنا الدين.
ولنكن واضحين في القول: ربما نحن بحاجة إلى زمن مديد، أو إلى ثقافة بديلة، أو إلى قراءة أخرى لعباداتنا وأورادنا بحيث تصبح عباداتنا هي جسر الأمن والصون والمحبة والكرامة للإنسان.