موجهون محبوسون
كلما مرت الأيام ازدادت الفجوة بين المتدين الموجه وبين جيل الشباب الذين يفترض بهم أن يكونوا محل اهتمامه ونظره. جيل الشباب يندفع وراء كل جديد، ومستعد لاعتناق أي فكرة، وقابل لتغيير أساليبه ونظرته للأمور والأشياء من حوله، هو في الغالب قليل التشبث والالتصاق بالأفكار والأساليب والتصورات على نحو يعيقه عن مغادرتها ومناقضتها والتمرد عليها.
أمام هذا الجيل الشبابي المندفع بكل حيويته نحو ما يراه أو يعتقده جديدا ما زال الموجه حبيس ما ألفه وما اعتقده وارتضاه. 1- ما زال الموجه حبيس الأماكن في أغلب عطائه وتوجيهاته، فهو هنا في الجامع فقط وعلى الراغبين في الاستفادة أن يوجههم ويرشدهم. صورة العالم والموجه الدوّار بطبه وأدويته لعلاج أهل الحاجة وشفائهم فقدت في موجه اليوم - غالبا - ولذلك اقتصر علاجنا على فئة محدودة من الشباب، وهي الفئة التي تقصدنا في مساجدنا وأماكن تواجدنا المألوفة لنا، وهذه الفئة غالبا ما تكون في وضعية حسنة وجيدة. نحن حبساء المسجد ولذلك حرمنا اللقاء والتوجيه للعديد من الفئات الشبابية التي لا تصل مساجدنا إلا نادرا، وإذا وصلت اقتصر وجودها على أداء واجب الصلاة لتنصرف إلى الأماكن التي تأنس فيها.
2 - ما زلنا كموجهين نحبس أنفسنا وندور في أفكار لا أقلل من قيمتها فهي قيم وثوابت، لكن الخسارة تكمن في أن هناك أفكارا وتصورات لدى أجيال الشباب تحتاج للمزيد من تسليط الضوء عليها كي ننير دروبهم ونجعلهم في مأمن من أضرارها وسلبياتها.
الحب العفيف (كما يسمونه) بين الجنسين قضية قائمة وضاغطة على جيل الشباب وهي بحاجة إلى توجيه صريح وواضح ومكثف من قبل الموجهين فلماذا نغفلها ونستحي منها أو لا نراها من صلب توجيهاتنا، وكذلك قضية البطالة والعنف واستخدام الأسلحة التي لا تنقطع فجائعها عن جرائدنا ووسائل إعلامنا، مرورا بالتفكك الأسري والطلاق الذي يهدد الأجيال ويعرضهم للمزيد من الانحراف والانفلات.
3 - وما زال الموجه حبيس الأسلوب في أغلب توجيهاته ونصائحه، فهو منذ اللحظة التي يبدأ فيها حديثه وحتى ينتهي منه يتحرك على نفس المنوال الذي سمعه قبل خمسين سنة أو أكثر، كلمات سجع مصفوفة بعناية، وغياب لكل وسائل التوضيح والشرح والتبسيط، ولغة موغلة في الماضي، وأوامر استعلائية تدور في إطار افعل ولا تفعل.
لا حضور للغة الأرقام والإحصاءات، ولا مزاوجة بين العلم الحديث بما توصل إليه من حقائق وبين مادة التوجيه التي هو (الموجه) بصددها.
حين يقرر الموجه الخروج من حبس الأماكن، وحبس الأفكار، وحبس الأساليب سنرى كيف يقبل الشباب عليه في عشق ومحبة، وكيف سيتفاعلون معه بشوق ورغبة، لأنهم سيرونه في أماكنهم وأفكارهم وأساليبهم التي طورتها الحياة وتطوروا معها.