العصابات وأمننا الاجتماعي
مع الأحداث وتماشياً مع ما يدور على أرض الكنانة (مصر الغالية) ومصطلح «البلطجة» الجديد علينا، وددت الحديث عن شيء من الأمن الاجتماعي الذي بات مفقوداً في بعض المجتمعات.
فبعد أن أعلنت اللجان الأهلية والشعبية في مصر، أن المناطق التي تسيطر عليها أكثر أمناً واستقراراً من السابق، حيث كانت مخافر الشرطة منتشرة ورجالها يتحركون بهيبتهم وزيهم الأمني أصبت بالدهشة.
مفارقة وصدمة كبيرة، كيف يكون الأمن في غياب تلك المخافر والمؤسسات الأمنية أفضل وأحسن؟
ماذا كانت تصنع برجالها وأجهزتها؟
من كانت تردع وتخيف؟
وكيف كانت تسمح بانتشار الجريمة والعنف والبلطجة وهي في أوج قوتها وعنفوانها؟
عصابات سرقة، ومجاميع من الشباب الصغار تمارس سطواً في وضح النهار وتعكسه الصحف اليومية دون خجل واستحياء، وانتشار واسع للأسلحة ولاستخدامها السيئ وشبه اليومي، دراجات نارية تتحرك وترعب الناس ولا من رادع.
حين تتجه للجهات الأمنية تلقي بالمسئولية (ودون حياء) على المجتمع وتربيته لأولاده، وفي بعض الحوادث تطلب من المجني عليه وبأسلوب مضحك محزن (لأن شر البرية ما يضحك) أن يحضر الجاني أو أن يخبر عنه إذا رآه في مكان ما.
أحياناً تضحك في نفسك من دولة قوية ومتماسكة بينما تتعامل مخافرها وجهات الأمن الاجتماعي فيها بتسيب وإهمال وتظهر لك أيها المواطن المسكين أنك من يجب أن تتابع من اعتدى عليك وتجرجره للمحاكم.
ويزيد من شدة ضحكك وبكائك، أن من يُلقى القبض عليه من أصحاب الجرائم والسوابق لا يلبث حتى يعود للحياة الطبيعية من جديد، كيف خرج من السجن؟ كيف حصل على البراءة؟ ما سرق منك لا يعود إليك والسارق يعود لحياته الطبيعية ففي أي شريعة غير شريعة الإهمال والتسيب يحصل ذلك؟
هل يمكن اتهام جهات الأمن بالتسيب وترك المجتمع يعاني من هذه الأمراض لينشغل بها ويعيش همَّ الحفاظ على أمنه وأمن أسره وممتلكاته؟
نعم يمكن ذلك، ويمكن أن يبصم الإنسان عليه بالعشرة، لأن ذلك أهون من اتهامها بالتعاون، وتقاسم المدخول، والاستفادة من قضايا أخرى يوفرها أولئك المجرمون.
اللعب بالأمن الاجتماعي مقلق للمجتمعات وأحياناً ينقل مخيلتها إلى تصورات كبيرة هي في غنى عنها بسبب الاعوجاج والترهل في مخافر الأمن ومراكزه المسئولة عن استقراره الاجتماعي.
أنا أركز هنا على الأمن الاجتماعي مع تعرض الكثير من البلدان إلى زعزعة سياسية، وذلك لأن بلداننا تحشد كل قواها للقلاقل السياسية في الوقت الذي تتغافل فيه عن راحة الناس وعن أمنهم الاجتماعي.
تصرف الدول مبالغ خيالية لمخافر ومراكز الأمن، وتوفر لها إمكانات هائلة، لكن المشكلة الحقيقية هي في اهتمام الكادر الموظف والعامل فيها من جهة، وخطة العمل التي أوكلت إليه بإنجازها على الأرض، وجدية الكبار في متابعة تفاصيل الخطة من خلال السماع لصراخ الناس وحاجتهم للأمن، وليس من خلال التقارير الصادرة من نفس النقاط والمراكز والمخافر المتساهلة في عملها والمتباطئة في جهدها.
إنها لنعمة أن يعيش المجتمع في أمن واطمئنان على نفسه وممتلكاته وأعراضه، وقد كانت من المنن التي منَّ الله سبحانه وتعالى بها على مجتمع قريش ودعاهم لعبادته بقوله ﴿فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف﴾ (قريش: 3-4).