صانع الأمل
أبارك للأمة الإسلامية وللعالم أجمع مولد الأمل، مولد الرسول الأكرم محمد .
ليصلح ولينير وليغير وليتمم مكارم الأخلاق، لكل ذلك ولما هو أكبر وأشمل بعث رسول الله لأمة جاهلة متحجرة متقاتلة خائفة مسترسلة في الملذات والخمور والفجور والعربدة.
كانت قريش مستعدة بكل إمكاناتها لحماية الوضع القائم، فالأصنام خط أحمر، والخمر لا تنازل عنه، والوأد يعتبر الشرف والكرامة عندهم، أمّا الملأ فكانوا يخشون على مصالحهم ومواقعهم فكانوا أشد من الحديد قسوة وعناداً.
الرسول الأكرم الذي قصّ الله عليه بعض القصص لمن سبقه من الأنبياء، كان يعلم ثقل المسئولية، وجسامة المهمة، لكنه شخّص الطريق وقرّر السير فيه دون تردد أو تراجع، ومهما كلفه ذلك من ثمن.
بدأ الرسول بحثه عن السلاح المناسب لصراعه مع الجاهلية والقريشية، لأنه يعي أن التغيير والإصلاح يحتاج لسلاح ماضٍ وقوي، فما وجد غير الأمل.
هكذا وبكل بساطة وحكمة أعمل الرسول سلاح الأمل أمام كل التحديات، فسقط الواحد تلو الآخر ليبقى الأمل سيد الموقف وقائد المسيرة.
يرى أصحابه يحفرون الخندق، فتعترضهم صخرة تستعصي على الكسر، فترتدّ معاولهم دون أي أثر فيها، فيأتي ليضربها بالمعول فيتطاير منها الشرر لصلابتها فيكبر الرسول ويكبر المسلمون، ثم يضربها ثانية فيتطاير الشرر، فيكبر ويكبروا، ثم يضربها ثالثة فيتطاير الشرر، فيكبر ويكبرون، ثم يلتفت لأصحابه قائلاً: «لقد أضاءت لي الأولى قصور الحيرة، ومدائن كسرى، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، وفي الثانية أضاءت لي القصور الحمر من أرض الروم، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، وأضاءت لي الثالثة قصور صنعاء وأمتي ظاهرة عليها فابشروا، واستبشر المسلمون وقالوا الحمد لله موعودٌ صادق».
لم يكن الرسول ليغفل عن آلام التبليغ وأداء الرسالة، لقد مر، ولما أسلم عمار بن ياسر وأمه سمية رضي الله عنهما وانطلقت الأسرة كلها في الطريق إلى الله سبحانه وتعالى، وصل خبر إسلامهم إلى بني مخزوم، فاستشاطوا غضباً، وامتلئوا حنقاً، وواجهوهم بأشد العذاب وأقساه، دون رحمة ولا تفريق بين رجل كبير وامرأة.
فكانوا إذا حميت الظهيرة يأخذونهم إلى بطحاء مكة بحرارتها المرتفعة ويلبسونهم دروع الحديد، إمعاناً في الإيذاء، ويمنعون عنهم الماء ويصهرونهم تحت الشمس المحرقة ويتفننون في عذابهم وإرهاقهم، حتى إذا ما رأوا إعياءهم واقترابهم من الموت أطلقوهم، ليعيدوا عليهم الكرة في اليوم اللاحق.
يحدثنا التاريخ أن الرسول قد مر بهم ذات يوم، فلم يخبرهم أن لا قوة له على إعانتهم، ولم يشعرهم أنه مكبّل اليدين تجاه ما يحلّ بهم، لم يحصل ذلك، وكل ما حصل هو أنه ناولهم سلاحه الذي لا يكسر «صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة» إنه الأمل الذي يصنع الصبر.
وروى الإمام البخاري عن خباب بن الأرت قال: «أتيت النبي وهو متوسدٌ بردةً، وهو في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدّة، فقلت: ألا تدعو الله؟! وفي رواية أخرى عند غير البخاري، «ألا تدعو لنا ألا تستغفر لنا؟!»، فقعد وهو محمرٌ وجهه فقال: لقد كان من قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيُشق باثنتين ما يصرفه ذلك عن دينه، وليُتمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله عز وجل «زاد بنان - أي أحد رواة الحديث - والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون».
عليك ومنا إليك كل السلام والتحية والإكرام يا صانع الأمل.