قيادة المرأة... هنا النقاش وكفى
لايزال النقاش مستمرّاً بشأن قيادة المرأة للسيارة في السعودية، ولاتزال منال وأخواتها في موقع من يفرض الجدل ويعيد حضوره ويمنع تغيير وجهته.
المحاولات التي جرت لحرف النقاش وتوجيه بوصلته من هنا وهناك كثيرة جدّاً، وهي متواصلة بلا انقطاع، وقد بدأت بعد طول حديث وكتابة حاولت أن ترهب منالاً وأخواتها ممن يشاركنها القناعة والهم، وما كانت منال إلا المسطرة (النموذج) لكل القيل والقال، فقد قيل عنها ما لا يصح أن يقال في مسلم أو إنسان مارس حريته في قيادة السيارة وإن كان في رأي الآخرين مخطئاً، لأن المخطئ له دولة، ولها قوانينها وعقوباتها، أما أن تتناول الأقلام امرأة لتكون عبرة لمن اعتبر، فالأمر غير مقبول في بُعديه الإنساني والأخلاقي.
المتابع لصحافتنا السعودية وللكتابات المختلفة رجالية ونسائية يرى العديد من المقالات التي أحبطت هذا التوجه وحاولت الانتصار لمنال في أكثر من موقع وزاوية.
وهل الانتقاد لمنال حرف لمسار الموضوع ونصرتها عدل؟ كلا كما يقول البعض، فالانتقاد لقيادة منال لا يعد خطأً، فهذا حق طبيعي لكل فرد يخالف قيادة المرأة، لكن من يمس شخص المرأة ويتحدث عنها تشهيراً وينال من كرامتها وسمعتها فهو لا يمارس حقّاً طبيعيّاً بل يمارس إرهاباً فكريّاً وسلوكيّاً لا يمت إلى الحرية بصلة، بل هو للتعدي على الآخرين أقرب.
أعود لتوجيهات الحدث وتحوير النقاش عنه وتوجيه بوصلته باتجاهات مختلفة.
المحاولة الأولى كانت في الحديث عن الخادمات اللاتي يعملن في المنازل، فلماذا يتخوف على المرأة من السائق الأجنبي وتستدعى القصص والأحداث السيئة التي صدرت من هؤلاء السائقين، وتستحضر المبالغ التي تدفع لهم من اقتصاد البلاد، وتنسى مساوئ خادمات المنازل وفسادهن والمبالغ الطائلة التي يحولنها إلى بلدانهن، إن من الأفضل أن نصحح توجهنا من حملة «سأقود سيارتي بنفسي» إلى «سأقود منزلي بنفسي».
المحاولة الثانية تحركت باتجاه آخر، وهو ضرورة أن تقوم الدولة بالتخطيط لتوفير المواصلات العامة على غرار الدول المتقدمة التي تغطي مواصلاتها العامة 80 إلى 90 في المئة من حاجة سكانها للتنقل، فلنضغط ولنحرك حملتنا بهذا الاتجاه وحينها سيفقد موضوع قيادة المرأة للسيارة مبررات طرحه وتحريكه.
لقد قرأت العديد من المقالات التي نظرت وناقشت واقترحت خططاً للمواصلات العامة، كل ذلك في سياق الربط بين قيادة المرأة للسيارة باعتبارها حاجة، والمواصلات العامة باعتبارها رافعة لتلك الحاجة.
المحاولة الثالثة كانت في التوجه للاتفاقيات الدولية التي وقعتها السعودية كاتفاقية (القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) والتي تعرف اختصاراً (بالسيداو) CEDAW، وحاول بعض الكتاب دعوة السعودية إلى الالتزام ببنودها بعد أن وقعتها، والتي تجيز للمرأة قيادة السيارة.
ويحفظ لهذا التوجه (المضاد للاتفاقية) ذكاؤه وفطنته، ومعرفته من أين تؤكل الكتف، فسوء تلك الاتفاقية ومضارها لا ينكره مسلم يخاف على دينه وبلده وقيمه، والذكاء كان في تظهير الاتفاقية كأنها الدافع والداعي إلى قيادة المرأة للسيارة، وفي ذلك ما لا يخفى على الناظر المتأمل.
الملاحظ أن أخوات منال في الهم حاولن إحضار الموضوع ميدانيّاً كما هو بعيداً عن ربطه بالخادمة وبالمواصلات وبالسيداو، ففي الأسبوع الماضي قادت الممثلة (وجنات رهبيني) سيارتها في شوارع جدة، كما ألقي القبض الخميس الماضي على 6 نساء كن يقدن سياراتهن شمال الرياض بحجة التعلم، والصراع محتدم بين النظريات والمحاولات التي تسعى إلى تغيير الوجهة في حوار قيادة المرأة للسيارة وبين الأحداث اليومية لمنال وأخواتها.