الشباب... الاستيعاب أو الدمار
خبران قرأتهما قبل أسبوعين، الأول «انطلق 80 عضو هيئة بالطائف من مراكز الهيئة الداخلية والخارجية ابتداءً من أمس السبت للتمركز أمام مدارس البنات والكليات التابعة لجامعة الطائف في الفترة الصباحية للحد من ظاهرة معاكسات الطالبات التي تزداد خلال فترة الاختبارات من قبل بعض الشباب، وذلك في إطار خطة وضعها فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمحافظة الطائف وتستمر حتى العشرين من الشهر الحالي» صحيفة «المدينة» 7 يونيو/ حزيران 2011.
الثاني «فرض عدد من الشباب، «البدانة» على نساء، بعدما لاحقوهن في ممرات المشاة التي خصصتها أمانة العاصمة المقدسة لهن لممارسة الرياضة عبرها.
وفيما بدأ عدد من النساء الاعتراض على أمر تزايد المعاكسات، اعتبرن أن استمرارها يفوت عليهن الفرصة للتطبب بالرياضة، وخاصة أن بينهن بدينات ومريضات بالسكري». صحيفة «شمس» 3 يونيو 2011.
وتكمل الصحيفة «من جانب آخر أشار المتحدث الرسمي بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكة المكرمة سالم السرواني، إلى وجود دوريات الهيئة في الحدائق والأسواق التجارية أو الميادين العامة بحسب خطة العمل لدى جهاز الهيئة» المصدر السابق.
ثمانون عنصراً هؤلاء من جهاز الهيئة فقط ولاشك في أن العدد سيكمل المئة إذا ضممنا معهم بعض رجال الشرطة المساندين والداعمين، وهو جهد مشكور واستنفار حقيقي، لكننا لن نستطيع أن نفعل ذلك أمام كل مدارس الثانوية وأمام الجامعات والكليات النسائية، ولن يتوافر لنا مثل هذا العدد لو تدحرجت المشكلة لتشمل الأسواق والمطاعم والتجمعات التجارية، ومختلف الأماكن التي تتواجد فيها النساء.
ولو فعلنا ذلك كما هو الحال في ما نشرته صحيفة «شمس» فسنغادر حالتنا الطبيعية، فلا الأمر لا يتناسب مع مجتمع مسلم، وليس مريحاً لحركة الناس وتعاطي أبناء المجتمع في شئونهم وتسيير أمورهم المختلفة التي تتطلب خروج الفتيات وتنقلهن لدراستهن وأعمالهن وشئون حياتهن الأخرى.
ليس هذا هو الحل الجوهري مطلقاً، نعم هو مفيد في ذلك المكان لتلك الساعات التي يتواجد فيها أفراد الهيئة تواجداً طارئاً، لكن ماذا لو انتقل الشباب إلى مكان آخر؟ وماذا لو تفرقوا فذهبت مجموعة للمطاعم وأخرى للمجمعات التجارية وثالثة إلى ما لا يعد ولا يحصى من أماكن تجذبهم للتواجد فيها، هل يكفي أعضاء جهاز الهيئة لأمثال هؤلاء الشباب؟ هل نسير مع كل شاب رجل أمن؟ هل نمنع الشباب من تجمع أكثر من شخصين؟ أو نمنعهم من التواجد في شوارع معينة؟
لقد سبق للمفكر الإسلامي محمد عبده يماني (رحمه الله) أن حذر «من تجاهل استيعاب الشباب حتى لا يصبحوا مجرمي شوارع» صحيفة «الوطن» 21/5/1431هـ.
وأود هنا أن أشير إلى خوفين على الشباب الأول هو ما تتحدث عنه صحافتنا من انفلات أخلاقي يبدو في تمظهرات مختلفة، والثاني هو التطرف والإرهاب اللذان ينتعشان في بيئة الشباب الفارغ الذي لا يحمل هماً ولا قضية، ولا يشعر بهوية تربطه بمجتمعه أو دينه أو إنسانيته.
والحل هو الاستيعاب الحقيقي لطاقة الشباب وكفاءاتهم وإشراكهم في هموم بلدهم، وفتح أبواب المشاركة الواسعة لهم، ولنبدأ من استقبال العاطلين عن العمل ليتحولوا من طاقة ضارة (لا قدر الله) إلى طاقة نشطة ومفيدة، مروراً بالمرونة التي يمكن أن تبديها الجهات الرسمية في السماح لهم بإنشاء جمعيات ولجان ومؤسسات وأحزاب مدنية تحت مظلة الدولة لتستوعب الفاضل وأحياناً المساحة الكبرى من طاقتهم التي يرون فيها وجودهم وحيويتهم، ومن دون الاستيعاب الحقيقي سنكون أمام خرق يتسع باضطراد وتهافت على استدعاء المزيد من الرقاعين المغلوبين باتساع الرقع.