المسجد والطفل
ينقل لنا التاريخ قصصا رائعة في تعامل الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) مع أولاده وهم مقبلون على المسجد، فها هو ينزل من على منبره ويقطع خطبته حينما يرى الحسن والحسين مقبلين في المسجد, فيقبلهما ثم يعود إلى منبره ويكمل خطبته، وهذا تعامل يعبر في إحدى جهاته عن تلك الروح الرحبة التي أراد الرسول أن يبثها في المسلمين, ليعلمهم كيف يجب أن تكون فرحتهم حين يرون أولادهم في بيوت الله، ويشاهدونهم ويلتقونهم وهم يرتادون المساجد.
وهناك حديث مشهور لأبي بكرة ينقله ابن قدامة في مغنيه جاء فيه: أن رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) كان يصلى ويجيء الحسن بن علي وهو صغير فكلما سجد النبي وثب على ظهره فيرفع النبي (عليه الصلاة والسلام) رأسه رفعاً رفيقاً حتى يضعه على الأرض).
مهم أن يتعلق الصغار بالمسجد ففي ذلك تعويد لهم, حتى إذا ما كبروا يكون المسجد ثابتا في برنامجهم اليومي والحياتي دون تكلف أو ضجر، لكن ما لا تقل أهميته عن ذلك هو أن يرى الصغار في المسجد ما لا يرونه في أي مكان آخر، كي تتركز للمسجد قيمة إضافية في نفوسهم، يحنون إليها ويتوقون لنيلها.
وإذا تعذرت استفادة الطفل من خطبة الإمام وأحاديثه غالبا لأنها اليوم إما سياسية بحتة, أو تخاطب مستوى ثقافيا راقيا، أو تتمحور حول أفكار لا يطرب لها الصغير إن فهمها، فإن ثمة فوائد أخرى يمكن أن توفر للأطفال مكسبا وانشدادا له قيمته في نفوسهم وسلوكياتهم.
الطفل يعلم من خلال والديه ومجتمعه أن المساجد هي أفضل الأماكن وأطهرها عند المسلمين، ويعرف أن أوقات الصلاة هي من أجمل الأوقات وأغلاها على قلب المؤمن، ويدرك ولو بمقدار أن اجتماعهم في المسجد لا يضاهيه اجتماع من حيث ثوابه وأجره عند الله، وهو هنا يقف موقف الملاحظ لسلوك المسلمين معه في أطهر أماكنهم, وأفضل أوقاتهم وابرك اجتماع لهم.
وفي ظل كل ما يعرفه ويعيه، يتأمل الطفل أن يلامس الأثر وأن يشهده بوجدانه، وينظره ماثلا واضحا لا خفاء ولا تلون ولا لبس فيه، كيف يقدّره المسجد وخطيبه وإمامه؟ وكيف يتعامل المصلون معه؟ وكيف يحتفي المكان بمن فيه به؟ كلها أسئلة لجوابها أبلغ الأثر في إقبال الطفل أو إدباره عن المسجد.
طواعية ذهاب الطفل للمسجد، واندفاعه الذاتي هي علامة من علامات الرضا التي لا ترتسم على الأطفال لمجرد أنه مكان عبادي بل هي بحاجة إلى عوامل مساعدة، ومن أهمها تشجيع الطفل على دوام الحضور في المسجد ولو بإهدائه هدايا رمزية ذات معنى روحي أو أخلاقي أو اجتماعي.
يجب أن لا يسبقنا أصحاب المجمعات التجارية والترفيهية بهداياهم التي يقدمونها لأولادنا لجذبهم إلى محالهم ومجمعاتهم، بل علينا أن نستفيد من هذه الطريقة بما يناسب مقام المسجد ومكانته، وهذا مجرد مثل ربما يكون هناك ما هو أفضل وأحسن منه.
الأمر الآخر هو ضرورة التودد للأطفال من قبل المصلين وخصوصا اللجان العاملة في المساجد والمهتمة بشؤونها، فالطفل يعيش طفولته وقد يصدر منه ما يزعج أحيانا، وسعة صدرنا هي أفضل تعامل مع أخطائه التي يجب أن نستقبلها بالبسمة والتوجيه اللين، فالكثير من الأطفال قد يغادرون المسجد دون رجعة إذا ما نفرتهم سلوكياتنا وضيق صدورنا.
لا ننسى أخيرا أن التعاون وتنظيم الصف, وأخلاقيات التعاطي مع الناس, والسؤال عنهم حين فقدهم, هي من الأمور التي اعتاد المسلمون تداولها وتعلمها من المساجد، ولذلك يحتاج أطفالنا إلى من يأخذ بأيديهم من المصلين ويعلمهم ما يعلم المسجد رواده من خلق وسلوك حسن.