نفقات التسلح.. والمجاعة في القرن الإفريقي
تأبى عدالة الله سبحانه أن يوجد مخلوق واحد لا رزق له في هذه الحياة. فحينما يكون هناك قرار إلهي بوجود مخلوق من المخلوقات، فلابد وأن يكون إلى جانبه قرار إلهي بتوفير ما يحتاج إليه هذا المخلوق من قوت: ﴿وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها﴾، الرزق مقسم من قبل الله ولكن على الجميع السعي للوصول إلى هذا الرزق. وقد شاءت مشيئة الله أن يجري بعض أرزاق العباد على يد بني جنسهم من بني البشر في حال بروز الموانع التي تحجزهم عن الوصول إلى أرزاقهم كالكوارث الطبيعية والجفاف والآفات المختلفة أو النزاعات السياسية والأوضاع غير المستقرة السائدة في بعض البلاد، من هنا كان على الموسرين أن يعرفوا أن رزق هؤلاء المحرومين مقسوم على أيديهم (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم).
مازلنا نتابع منذ أسابيع مآسي المجاعة التي تضرب بلدان القرن الافريقي في الصومال وكينيا واثيوبيا، وهذه المجاعة هي الأولى التي تعلن عنها الأمم المتحدة منذ سنة 1984، ذلك لأن الأوضاع الإنسانية هناك بلغت حدًا خطيرًا فهناك أكثر من 11 مليونا من أبناء البشر يتعرضون الآن لمجاعة حقيقية، بينهم ما يقارب من 4 ملايين صومالي. إن هذه المجاعة مأساة عظيمة تحدث في جوارنا الجغرافي وبالقرب منا، وعلينا أن نتذكر حديث رسول الله : (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع)، ولعل مفهوم الجوار المذكور هنا ينطبق على مستوى الجوار الفردي أو على الصعيد المجتمعي أو الدول القريبة والمجاورة لنا، وهذا البلد يشهد يوميًا وفاة نحو 2500 إنسان بسبب الجوع، وهذا ما سيستمر إذا سارت الأمور على معدلاتها الحالية وفقًا لتقارير المنظمات العاملة في مجال الإغاثة الإنسانية.
ولو أردنا مقاربة أسباب تعرض البشر للمجاعات في تلك البلاد، لابد من الإشارة إلى جانبين أحدهما يكمن في تعاضد الكوارث الطبيعية مع النزاعات السياسية والآخر تباطؤ المجتمع الدولي المنشغل بتجارة الموت المتمثل في صفقات التسلح الهائلة. فإلى جانب الآفات والكوارث الطبيعية كالجفاف الذي يضرب القرن الافريقي حاليًا، هناك أيضًا عوامل أخرى متمثلة في النزاعات السياسية الداخلية والحروب، خاصة في الصومال، فهناك أكثر من 2 مليون صومالي مهددون بالموت جوعًا في جنوب البلاد الذي يخضع لسيطرة منظمات متشددة، هذه المنظمات المتشددة لا هي وفرت لهؤلاء الناس الطعام ولم تسمح في الوقت نفسه لمنظمات الإغاثة الإنسانية بممارسة عملها بدعوى أنها منظمات من دول كافرة.
وعلى المستوى الدولي فالجميع يرى كيف ينفق هذا العالم مئات المليارات سنويًا على تجارة السلاح، فيما يغض الطرف عن هذه المجاعة ويكتفي ببضع ملايين من الدولارات أو إرسال مساعدات قليلة لا تكاد تسد رمق هؤلاء الجوعى. تذكر المعاهد المختصة بمتابعة الإنفاق العسكري العالمي أنه في سنة 2010 بلغ الإنفاق العسكري العالمي أكثر من تريليون ونصف تريليون دولار، والولايات المتحدة الأميركية بمفردها كان نصيبها 698 مليار دولار. وكان معدل نفقات دول الشرق الأوسط على التسلح، هذه المنطقة التي تقع المجاعة قريبًا منها، 111 مليار دولار في صفقات السلاح. والسؤال هنا، لماذا تنفق هذه الأموال الهائلة ولمن تشتري حكومات المنطقة هذه الأسلحة؟ وضد من سوف تستخدم؟
للأسف الشديد يبدو أن هذه الأسلحة لا سبيل لاستخدامها إلا ضد شعوب المنطقة أو ضد دول المنطقة بعضها البعض، فالعدو الرئيسي لهم وهو إسرائيل في مأمن من هذه الأسلحة، ذلك لأن المزود الرئيسي لهذه الأسلحة وهي الولايات المتحدة لا يمكن أن تعطي للدول العربية سلاحًا يهدد أمن إسرائيل، فهذه سياسة أميركية معلنة وهي الحفاظ على التفوق العسكري المستمر لإسرائيل.
إن شعوب المنطقة تعيش حاجات حقيقية وتنقصها التنمية، كما تعصف بها الأزمات من كل ناحية، فهناك ملايين الشباب يعيشون البطالة، وعشرات الملايين لا يتوفر لهم السكن والتعليم العالي والعلاج المناسب، ومع ذلك نرى حكومات المنطقة لا تزال مصرة على إنفاق المليارات على الأسلحة! فقد صرفت الدول العربية العام الماضي وحده أكثر من 600 مليار دولار في صفقات السلاح وذلك من أصل 111 مليار دولار مصروفات دول الشرق الأوسط مجتمعة.