عينة من الشباب البريطاني
ها هي بريطانيا التي ينتظر العالم استضافتها لدورة الألعاب الاولمبية بعد عام من الآن تقريبا، وها هي بريطانيا التي سلطت كل فضائيات العالم أضواءها عليها في حفل الزفاف الملكي المشهود، ها هي تقفز إلى الواجهة صادمة كل الشاشات الفضائية بمشاهد الدمار والعنف والتخريب. ما يحصل في بريطانيا هذه الأيام من انفلات مفاجئ للشباب لا شبه بينه وبين ما نسميه بالربيع العربي، فالمطالب والطريقة والظروف والأوضاع كلها مختلفة، والجامع بينها متكلف لا يعبأ به محلل متأمل، لكن ذلك لا يمنع من السؤال والنظر والاعتبار، فأن تستباح بريطانيا على أيدي شبابها وبهذه الطريقة لهو أمر يدعو لمزيد من تسليط الضوء والتأمل ودراسة أجيال الشباب القادمة.
بريطانيا التي تعتبر بلاد الحرية والتقدم والرقي، هل يمكن على حين غرة أن تتحول بعض مناطقها إلى حطام وخوف ورعب على أيدي شباب بعضهم لم يصل إلى السن القانونية للحساب والعقاب؟.
لماذا هذا الهياج المنفلت والقانون يبيح لهم الخروج في مظاهرات سلمية يقولون فيها ما شاؤوا؟
سياسيا يستطيعون تغيير كل شيء، يستطيعون الاعتراض على كل شيء، أصواتهم تؤثر في تغيير حكوماتهم بأكملها بدءا بالرئيس وانتهاء بأصغر مسؤول في الحكومة.
وبلادهم بلاد الانفتاح التي لا تساعد على القول بأن كبت الشباب والتضييق عليهم ولدا هذا الانفجار الهائل، والانفلات غير المسبوق، فالحرية المطلقة التي يفخرون بها يفترض أن لا تكشف هذا الحد من الاحتقان والطاقة السلبية في جيل الشباب الواعد.
من خلال ما قرأت عن الأحداث في بريطانيا رأيت الكثير من الكتاب والمحللين قد ركزوا على بعض الأمور التي يعتقدون أنها وراء هذا الانفجار الذي حصل في الشباب البريطاني.
لقد أشار كثير من المحللين إلى البطالة والفقر، فللحكومة خططها التي يتحدث عنها الإعلام لتحقيق النمو، لكن الواقع على الأرض يقول إن هناك تقليصا حكوميا للإنفاق العام، وزيادة في الضرائب على المواطنين، وارتفاعا وغلاء متواصلا، وهذا ما فاقم محنة الجيل الجديد خصوصا في أحياء لندن وضواحيها.
وإذا أضيف لتلك المحنة هم البطالة فالكارثة مقبلة لا محالة وربما يكون ما رأيناه وسمعناه مجرد مشهد أولي (بروفا) لما يمكن أن يكون عليه الحال، وأكبر شاهد هو أن أعنف الاضطرابات قد حصل في شمال لندن في (توتنهام) التي يقول المحللون إن فيها أعلى معدلات البطالة، وأن أعداد المتخرجين والدارسين الذين لا يجدون عملا فيها في تزايد مهول.
الفراغ والبطالة والشعور بعدم القدرة على تقديم شيء يستحق الحياة فلا عمل ولا وظيفة ولا أمل (وفقد الأمل مصيبة ما فوقها مصيبة) وحين يشعر الإنسان أنه معدم تماما، وأنه مهمل ومنسي قد لا يجد أمامه طريقا للتعبير عن نفسه وعن رفضه لواقعه سوى تلك الأعمال الخاطئة والمؤسفة.
وإذا كانت تصرفات الشباب في هذا المستوى من الخطأ والانفلات والعنف، فإن استخفاف الشرطة والأجهزة الأمنية بالشباب هي الشرارة التي يمكن أن تدفع للمزيد من تفجر الوضع واحتقانه، وهنا تأتي الحكمة دائما في تعامل أجهزة الدول الأمنية بضبط النفس في حالات التوتر والهياج، كي لا تدخل في معادلة الدم يجر الدم، فتنفلت الأمور وتخرب البلاد.
جاري شيوان مساعد رئيس الشرطة كان يقول «خلال الساعات القليلة الماضية واجهت شرطة مانشستر الكبرى مستويات غير عادية من العنف من جانب جماعات لها نوايا إجرامية لارتكاب اضطرابات واسعة النطاق».
وأضاف «لا يوجد لدى هؤلاء الناس شيء للاحتجاج عليه - لا يوجد أي إحساس بالظلم أو أي شرارة أدت إلى هذا. فهذه ببساطة وبشكل واضح أعمال سلوك إجرامي وهي الأسوأ التي رأيتها على هذا النطاق».
فهل هذا يساعد على الحل؟ وهل سيتعامل جيل الشباب الناقم مع هذا الكلام بإيجابية؟