شعبان وطاغيتان فما الفرق؟
الشعب الأول هو الشعب العراقي، وطاغيته هو صدام حسين، والشعب الثاني هو الشعب الليبي وطاغيته هو معمر القذافي، والفاصل بين الإسقاطين أو السقوطين للطاغيتين هو السنوات الممتدة من 2003 إلى 2011 سبع إلى ثماني سنوات فقط.
لإسقاطان حصلا بدعم مباشر وفاعل من الأجنبي، من الغرب غير المسلم (كي يكون التوصيف دقيقاً)؛ في سقوط الطاغية الأول (صدام) انطلقت الجيوش من أراضي الدول العربية والإسلامية وبمباركة منها، وبدعم سخي وكريم، وفي زوال الثاني (القذافي) استدعت جامعة الدول العربية الغرب للمساعدة ووضع الحد النهائي لإسقاط هذا المستبد.
بين الطاغيتين هناك فوارق جمة، على رأسها أنهما بعد اتحادهما في المسمى (طاغية، مستبد، سفاح إلى آخره) إلا أن بطش صدام لا يقارن، فلم يُشرد الشعب الليبي في المنافي بين الدول كما حصل لملايين العراقيين، ولم تعرف للقذافي سوابق في المجازر والإبادة كما حصل للأكراد في حلبجة العام 1988، والتي تم فيها تدمير 4000 قرية كردية وقتل من فيها، وكما حصل في قمع الانتفاضة الشعبانية العام 1991 التي تتحدث الأرقام فيها عن أكثر من 300000 شهيد.
الأرقام إلى هذا التاريخ تتحدث عن 30000 من الشهداء الأبرار الذين قتلوا دون كرامتهم وحريتهم ودينهم في ليبيا، وهو رقم كبير عند الله، ومخجل للإنسانية جمعاء، لكنه متواضع أمام إعدامات صدام ومجازره وإباداته وتهجيره لشعبه وحروبه.
لا يوجد اختلاف جوهري يمكن الإشارة إليه بين ما حصل في العراق وما يحصل الآن في ليبيا، ومع ذلك ضج العالم للشعب الليبي (وهو يستحق العون والسند) ولم يتحرك أحد للشعب العراقي. فصدام ضُرب مرة لأنه احتل دولة أخرى وهي الكويت الشقيقة، وضُرب ثانية لأن عنده ما تخشاه الدول من الترسانة العسكرية، ولتدمير العراق واحتلاله ثم إعادته إلى الفقر والحاجة ضمن الشرق الأوسط الجديد.
لم أهتد لماذا يعتبر العرب صدام شهيداً ومجاهداً وصابراً، ولا يعتبرون القذافي مجاهداً ومقاوماً؟
لا أعرف لماذا تصبح غلبة الشعب الليبي على قذافه بمساعدة الأجنبي انتصاراً، بينما سقوط صدام بالتعاون مع الأجنبي نفسه مساعدة للمحتل؟
لا يمكنني استيعاب الدعم الديني العربي لسقوط القذافي بهذه الطريقة، وكأنها الطريقة الأمثل، وممانعته منذ اليوم الأول لسقوط صدام.
يصل الإنسان أحياناً إلى طريق مسدود ومشوش في معرفة الفارق الذي يجعل الموقف العربي العام ممانعاً من جهة الحدث العراقي، ومتماهياً من جهة الحدث الليبي، مضاداً للتدخل الأجنبي في الوضع العراقي ومستسلماً لتدخله في الوضع الليبي، ممداً للمخربين في الوضع العراقي ولو بالصمت وعدم الإدانة، وداعماً بالملايين والمليارات من الدولارات للوضع الليبي.
ختاماًًً... مبارك لكم أيها الليبيون نصركم، فقد فرحت قلوبنا لانتهاء مأساتكم، وندعو الله ألا يهيمن الأجنبي على مقدراتكم، أما أنتم أيها العراقيون فأكلتموها من الإعلام العربي الذي تكالب وزيّف وكذب عليكم.
ولكن مهلاً! فقبل أن نتهم العرب وإعلامهم، ربما يكون الخلل فيكم أنتم يا شعب العراق، ربما لكم طعم يختلف عن طعم بقية الشعوب، أو لون يختلف عن ألوانهم، أو رائحة تختلف عن رائحتهم، فتشوا دواخلكم، فربما تجدون اختلافاً في أمر ما، فتختلف الأحكام تبعاً لاختلافكم.