مواقف مختلفة بين العراق وليبيا
كان مقالي في الأسبوع الماضي تحت عنوان «شعبان وطاغيتان فما الفرق؟»، قد أوحى لبعض القراء الكرام ببعض ما لا أريد ولا أقصد.
لقد اعتقد البعض أنني تمنيت لو أن الإعلام العربي ومختلف فعاليات الأمة وقواها المؤثرة صمتت ووافقت على ما حصل في العراق، حين أسقطت قوات التحالف مجرمه الظالم وأراحت الشعب منه، كما هي راضية وقابلة بما فعله الغرب وقوات الناتو بمعمر القذافي.
والحقيقة أنني لم أودّ رسم هذا التصوّر ولا أحب تسويقه في ذهن أحد، وكل ما قصدته هو إدانة الازدواجية في المعايير التي تعاطى على أساسها عالمنا العربي بقواه الرسمية والشعبية.
إن موقفي بدقة هو التمني لو أن تلك الحالة العربية التي لم تقبل بالمحتل في صورته التي دخل بها إلى العراق، تبدأ من جديد بتعبئة العالم العربي والإسلامي بصورة عامة، وتحريض الشعب الليبي بشكل خاص، لرفض حضور المحتل بأي صورة كانت، وتحت أي مسمى أو شخصية يفرض من خلالها سيطرته على القرار الليبي.
لا أعتقد أنني أتحامل على الغرب في موقفه ضد القذافي، لكني أودّ القول إن الغرب لا يقدم خدمات إنسانية بدون ثمن، وإنه يقبض الثمن لو استطاع أضعافاً مضاعفة، فهو ليس بهذه الدرجة من الإنسانية لا أمام قصف القذافي ولا أمام جرائمه البشعة، وإلى الذين يقولون لا يمكن للغرب أن يتفرج على المجازر التي قادها القذافي وأولاده ضد الشعب الليبي، أقول لا يمكن للغرب إلا أن يتفرج لولا مصالحه هو لا غير.
لقد عايشنا موقفه من حرب غزة التي قادتها آلة الحرب الإسرائيلية التي لا ترحم، وهو منحاز لقتل أطفال غزة وتدمير بيوتها بالقنابل والصواريخ المحرّمة، ورأينا صمته وتغافله عن الحصار المفروض على شعب غزة واعتباره مبرراً، ورأينا فرحته والصواريخ الإسرائيلية لا تترك شيئاً على أرض الجنوب اللبناني إلا جعلته كالرميم، ومازلنا نرى ضميره وإنسانيته في سبات أمام المجاعة في إفريقيا، مع أنه لو أنفق نصف ما صرف من الدولارات في حربه ضد القذافي على الصومال لغادرته المجاعة إلى الأبد.
الغرب حين تقرّر مصالحه أن دعم الطاغية هو الحافظ لها لا يتردد في دعمه، ويجد لذلك كل المبررات التي لا يحتاجها عادة لتبرير القبيح من أعماله ومساندته وصمته.
من المهم في هذه المرحلة أن يبدأ السياسيون والمفكرون والإعلاميون ومختلف القوى والجهات الدينية في فضح دوافع الغرب التي دعته للتدخل في ليبيا، وأن يستحضروا ما قيل من مواقف وتصورات في الخلاف الذي حصل في بدايات التدخل بين أميركا من جهة والناتو من جهة، وأن يقارنوا موقفه من ليبيا بتصرفاته وصمته في أماكن ومواقع وجرائم أخرى كي تكون الصورة كاملة، لا تنخدع بحدث ما، ولا تستغرق في زمن ما، ولا تمسح من ذاكرتها مصائبها التي يساهم الغرب في ديمومتها.
أعود لتأكيد أن ما حصل في العراق ليست الصورة المثلى التي تمناها العراقيون في إسقاط صدام، وأعتقد أن ردة الفعل العربية التي حصلت ضد التدخل الأجنبي في العراق كانت مهمة - مع ما فيها - في زاوية من زواياها الإيجابية، وهي أن يقرأ ويسمع ويرى المحتل حجم الرفض لوجوده وحضوره في الوضع العربي والإسلامي. وما حصل في ليبيا لا يختلف عمّا حصل في العراق، فالشعب الليبي لم يكن يرغب أن يسقط طاغيته بطيران الناتو وقصفه. وللحديث صلة.