تقديم لكتاب قراءة في الخطاب الحسيني للشيخ عبدالمحسن الزوّاد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين.
إن اخطر انحراف وفساد تواجهه الأمة هو انحراف وفساد قيادتها السياسية؛ لأن ذلك ينعكس على جميع جوانب ومجالات حياة الأمة، حيث تمسك السلطة السياسية بأزمّة الأمور، وحين تكون فاسدة فإنها تفسد كل شيء، في السياسة والاقتصاد والدين والأخلاق والتعليم والصحة والبيئة...
من هنا انطلق الامام الحسين في حركته الإصلاحية باستهداف الطغيان والانحراف السياسي، فقد أعلن الإصلاح هدفاً لنهضته العظيمة كما جاء في أول خطاب له حين خروجه من المدينة قال: (إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي)، وكان نهجه لتحقيق ذلك الهدف هو مواجهة الفساد والانحراف السياسي، برفض المصادرة الأموية لإرادة الأمة، وتسلّط يزيد بن معاوية عن طريق القوة والبطش، حيث ورّثه أبوه الحكم تحت شعار: (إن الخليفة هذا وإن مضى فهذا ومن أبى فهذا ـ أي السيف ـ).
وقد أشار الإمام الحسين بصراحة ووضوح إلى أن مصدر الخلل والفساد في الأمة هو الاستبداد والطغيان السياسي، كما جاء في رسالة منه إلى معاوية نقلتها المصادر التاريخية كالبداية والنهاية لابن كثير، قال فيها: (وما أعلم فتنة أعظم من ولايتك أمر هذه الأمة)[1] .
هذه الحقيقة التي أبانتها ثورة الامام الحسين في وقت باكر من تاريخ الأمة، تتردد اليوم أصداؤها في ساحات مختلفة من بقاع العالم الإسلامي فيما أطلق عليه ثورات الربيع العربي، فقد عانت الشعوب العربية والإسلامية من واقع التخلف والظلم والفساد، ولم تُجد محاولات الإصلاح الجانبية التي بذلت في مختلف المجالات شيئاً في تغيير واقع التخلف والفساد، حتى أدركت الشعوب ضرورة التحرك باتجاه إصلاح موقع القرار السياسي، بإسقاط الطغيان والاستبداد كما حصل في تونس ومصر وليبيا وبلدان أخرى تسير شعوبها على طريق الثورة والتغيير.
بيد أن المهمة الأصعب تكمن في إنجاز عملية البناء والنجاح في إقامة حكم رشيد تستند شرعيته إلى إرادة الشعب، ويحترم حقوق الإنسان ويقرّ التداول السلمي للسلطة.
وهنا يأتي دور النخبة الواعية من العلماء والخطباء والمفكرين والمثقفين، لكي يبثوا في أوساط الأمة الوعي الفكري والثقافة السياسية التي تتجاوز بهذه المجتمعات آثار التخلف والاستبداد، وتساعدها على شق طريقها الجديد، ومواجهة تحدّيات مرحلة الانتقال والتغيير.
إن ساحتنا الدينية تعاني كثيراً من الفراغ والنقص في مجال الخطاب السياسي المؤصل دينياً، والذي يستوحي مفاهيمه من نصوص الكتاب والسنة وسيرة النبي وآله الأطهار.
بل على العكس من ذلك تماماً، هناك خطاب يوجّه إلى الابتعاد عن الشأن السياسي، ويكرّس انحصار الوظيفة الدينية في حدود المعتقدات القلبية والعبادات، والسلوك الفردي، والاهتمام بقضايا الآخرة.
وقد أحسن الأخ الكريم فضيلة الخطيب الشيخ عبدالمحسن الزوّاد الاختيار حينما اهتم بإسقاطات الخطاب الحسيني على واقع الحراك الذي تشهده الساحة العربية في ربيع جماهيرها الثائرة.
إن صفحات هذا الكتاب القيّم تذكر الأمة بتلك المفاهيم والمبادئ الأصيلة التي يجب أن ينطلق منها الوعي السياسي والممارسة السياسية في حياة المجتمع.
فشكراً للشيخ الزوّاد على هذا العطاء المتجدد، والذي يأتي في سياق جهوده المستمرة النافعة في خدمة الدين والمجتمع، عبر الخطابة والتأليف والنشاط الاجتماعي.
أسأل الله تعالى له المزيد من التوفيق والتأييد.
والحمد لله ربّ العالمين.
حسن موسى الصفار
22 رجب 1433هـ
الموافق12 يونيو2012م