أين موقعنا في حركة الدفاع عن حقوق الإنسان

 

 

حقوق الإنسان هي أقدس قضية تستحق النضال.

 فهي القضية الأم والعنوان الشامل لكل القضايا الإنسانية العادلة.

 والشرائع الإلهية هدفها الأساس إحقاق حقوق الإنسان وتحرير إرادته من أي هيمنة جائرة، ليخضع لربه وحده بملء حريته واختياره.

 وأنبياء الله ورسله كانوا قادة حركة الدفاع عن حقوق الإنسان عبر التاريخ، بدعوتهم الناس إلى رفض الطغيان ومقاومة الظلم والفساد.

 يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُل أُمةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطاغُوتَ، وفي آية أخرى جعل القرآن الكريم رفض الطاغوت مدخلاً للإيمان بالله تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى.

 وقد تبلورت حركة الدفاع عن حقوق الإنسان، وتكاملت برامجها في رسالة الإسلام، حيث أصّل القرآن الكريم لحقوق الإنسان مبادئ ومضامين فكرية فلسفية، أصبحت جزءاً رئيساً من العقيدة الدينية، وحجر أساس في منظومة الفكر الإسلامي. كمفهوم خلافة الإنسان في الكون، وتسخير الطبيعة له، ومبدأ تكريمه، وتقرير حريته واختياره في هذه الحياة.

 كما تضمنت شريعة الإسلام أنظمة وبرامج تفصيلية لتبيين حقوق الإنسان ورعايتها على مختلف الأصعدة والمستويات.

 وأعطت سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة الأئمة الهداة الراشدين من بعده أروع نماذج التطبيق والاحترام لمبادئ حقوق الإنسان.

 لكن سيطرة الاستبداد السياسي على الأمة أفرغ رسالة الإسلام من محتواها الإنساني، وأصبح الإسلام غطاءً لأبشع ممارسات القمع ومصادرة الحريات وانتهاك الحقوق في حقب طويلة من تاريخ الأمة.

 والأسوأ من ذلك ما فرّخه ذلك الاستبداد من ثقافة تبريرية، أنتجها وعاظ السلاطين، وشعراء البلاط، وكتاب الملوك والقصور.

 لقد سادت تلك الثقافة التبريرية بلونيها الديني والأدبي مدعومة بقوة الخلافة وإمكانات السلطة، مع القمع الصارم للرأي الآخر والفكر التنويري.

 وبذلك تعطلت مفاعيل النصوص الدينية الواضحة الداعية إلى العدل والإحسان، واحترام إرادة الشعوب، ورعاية حقوق الإنسان، حيث تم تجاهلها أو تأويلها بما لا يتنافى مع واقع الاستبداد وممارسات الظلم. كما اختلقت في مقابلها نصوص تدعو إلى الخضوع والخنوع والتكيّف مع القهر والذل.

 بالطبع كانت هناك ومضات نور في تاريخ الأمة، وكان هناك فقهاء أحرار، ومفكرون شرفاء، وأدباء ثوار، وتيارات رفض ومعارضة، لكن المسار العام والتوجه الغالب لم يكن متوافقاً مع مبادئ حقوق الإنسان التي ناضل من أجلها الأنبياء، وجاءت بها شريعة الإسلام.

 وبينما كانت أمتنا الإسلامية تسير في نفق الاستبداد المظلم، انطلقت في أوروبا وأمريكا منذ القرن الثامن عشر حركة إنسانية عظيمة، لإحقاق حقوق الإنسان والدفاع عن حريته وكرامته، وحققت تلك الحركة الشعبية انتصارات رائعة، لم تقتصر على محيطها الإقليمي بقيام أنظمة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان، بل تحولت إلى تيار دولي مؤسساتي يتبنى ميثاقاً عالمياً لحقوق الإنسان على مستوى الكرة الأرضية.

 وبدل أن يلتقط دعاة الإسلام في العصر الحديث هذه الفرصة، وينخرطوا ضمن هذه الحركة الإنسانية النبيلة، ليثروها ويعمقوا مضامينها بمبادئ الإسلام وتعاليمه، وليكونوا في طليعة المدافعين عن حقوق الإنسان في مجتمعاتهم المقموعة و على مستوى العالم.

 وليعيدوا لرسالة الإسلام ألقها وصفاءها بعد أن شوهتها عهود التخلف والاستبداد.

 بدل كل ذلك وقف أكثرهم موقف الشك والحذر، لانطلاق هذه الحركة من مجتمعات أخرى، ولوجود نقاط اختلاف في بعض التفاصيل المتعلقة بحقوق الإنسان، وتم إقناع هؤلاء الدعاة بأن حركة الدفاع عن حقوق الإنسان تشكل خطراً على الإسلام والمسلمين!!

 وبذلك أمّن الاستبداد مواقعه في بلاد المسلمين، وحمى نفسه من خطر اجتياح تلك الحركة لقلاعه حتى حين.

 وأفاق بعض الإسلاميين أخيراً على أنفسهم ليدركوا عمق الخطأ الذي وقعوا فيه، وأوقعوا فيه شعوبهم بتجاهلهم لقضية حقوق الإنسان وعدم أخذها مأخذ الجد.

 فقد تكرس واقع الظلم والاستبداد في معظم بلاد المسلمين، وتقننت ممارسات انتهاك الحقوق ومصادرة الحريات، وتغوّلت مؤسسات القمع والرقابة التي تحصي على الناس أنفاسهم، وتحاسبهم على آرائهم وأفكارهم. وكان الإسلاميون في طليعة الضحايا، ومن أبرز المتضررين والخاسرين. حتى ضاقت ببعضهم الأوطان، وأصبح الغرب ملجأ لهم يأمنون فيه على أنفسهم، ويتمتعون بحرياتهم، ويمارسون نشاطهم الإسلامي في حماية الأنظمة والقوانين الملتزمة برعاية حقوق الإنسان.

 لقد ظهرت أخيراً بعض اللجان والمنظمات الإسلامية للدفاع عن حقوق الإنسان كردّ فعل للضغوط الواقعة عليهم، وللاستفادة من هذا العنوان سياسياً وإعلامياً، لكن المطلوب من الإسلاميين تجاه حقوق الإنسان ما هو أعمق من ذلك.

 إن المطلوب أولاً: تأصيل حقوق الإنسان في الفكر والثقافة الدينية المعاصرة، ومعالجة بعض المسائل المطروحة في الفكر والفقه الإسلامي، والتي يبدو منها التعارض والتصادم مع بعض مبادئ حقوق الإنسان التي أقرتها المواثيق العالمية.

 إنه ليس مطلوباً منا أن نتنازل عن شيء من ثوابت ديننا، ولكن علينا أن نتأكد من نسبة أي فكرة أو مسألة للدين، فقد تكون مجرد رأي أو اجتهاد يمثل فهم صاحبه أو ناتج عن بيئة معينة، ويمكننا إعادة النظر فيه.

 كما أن علينا أن ندقق في عملية الفرز بين الثابت والمتغير، فإن مستجدات الظروف والأوضاع قد تخلق عناوين جديدة لبعض الموضوعات، يكون لها تأثير على تحديد الحكم الشرعي تجاهها.

 وثانياً: ينبغي الانفتاح على تطورات الفكر البشري، وتقدم الحركة الحقوقية الإنسانية عالمياً، لإيجاد تواصل معرفي وتفاعل ثقافي، نستفيد عبره من تجارب الآخرين، ونفيدهم بالاطلاع على ما في تراثنا وثقافتنا الإسلامية من مفاهيم وتشريعات وموارد تخدم تطلعات الإنسان لحماية حقوقه وتعزيز كرامته.

 وثالثاً: لابد من تكثيف حركة الدفاع عن حقوق الإنسان داخل مجتمعاتنا وأوطاننا، بأن تصبح من أولويات اهتماماتنا، وأن نرصد لها القسط الأكبر من جهودنا وإمكانيات نشاطنا.

 فإن سائر المجالات التي نهتم بها من برامج دينية وخدمات اجتماعية وأنشطة علمية، ليست أولى بالاهتمام من قضايا حقوق الإنسان، بل إن إقرار حقوق الإنسان في أي مجتمع يفتح الآفاق ويفسح المجال، لمختلف الفاعليات والأنشطة على جميع الأصعدة، ويزيل العراقيل أمام مسيرة النمو والتنمية.

صحيفة الأيام البحرينية عدد رقم (5842) الصادر يوم الأربعاء 28 محرم 1426هـ الموافق 9 مارس 2005م

*نشر المقال في موقع العربية نت، بتاريخ 8 صفر 1426هـ الموافق 18 مارس 2005م