ملحق الرسالة ينشر مقالاً للشيخ الصفار بعنوان: انفتاح الدعاة والمثقفين الإسلاميين على الآخر
المبادرات الجريئة التي يقوم بها الأستاذ عبد العزيز قاسم في الانفتاح على الآخر الداخلي والخارجي، عبر حواراته ومكاشفاته، أمر يستحق التقدير والإعجاب.فالأستاذ عبد العزيز جزء من المحيط الثقافي الإسلامي، وقريب من أوساط الدعاة الإسلاميين في المملكة؛ يعيش هموم الصحوة الإسلامية، ويتبنى تطلعاتها المشروعة.
لكنه تميّز عن الكثيرين في الوسط الإسلامي بمبادراته للانفتاح على الآخر من الداخل؛ كرموز المذاهب والتوجهات الإسلامية الأخرى، والمثقفين الليبراليين والحداثيين، وكذلك الانفتاح على الآخر من الخارج؛ كحواره الجديد الشيّق مع المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما.
في الوقت الذي يتحفظ فيه أكثر الإسلاميين في المملكة عن مثل هذا التوجه، وتبقى علاقاتهم ضمن وسط تياراتهم وتوجهاتهم.
وإني أستغرب من درجة التحفظ والحذر التي يصّر عليها هؤلاء تجاه الآخر المخالف معهم مذهبياً أو فكرياً، حيث يفترض فيهم كعلماء ومثقفين ودعاة أنهم واثقون من فكرهم واتجاههم، وبالتالي فلا خوف عليهم من أن يتأثروا بالآخر على حساب مبادئهم إذا التقوا معه أو حاوروه أو تعاطوا معه في شأن من الشؤون العامة.
كما يفترض أنهم أصحاب رسالة ورأي وثقافة؛ لا بد أن يتحينوا الفرص لعرض رأيهم على الآخرين، ومناقشة الآخرين في توجهاتهم الخاطئة حسب رأيهم.
فلماذا يعزفون عن الانفتاح على الآخر؟ ويبقون ضمن دائرتهم المغلقة؟
إن التلاقي بين بعضهم بعضا كأصحاب اتجاه واحد، لا يضيف لهم إضافة نوعية ولا يحقق كسباً جديداً. بينما اللقاء مع أصحاب الآراء الأخرى قد يحقق شيئاً من ذلك، كاحتمال التأثير على الآخر لصالح القضايا التي يتبنونها.
كما أن تعاطي الداعية مع تياره وجمهوره فقط لا يتيح له مجال الإطلاع والتعرف على تطورات ساحة الثقافة والفكر، لأنه يتعامل مع التلامذة والأتباع وليس مع الأنداد والأمثال والنخب الفكرية.
وقد حاورت بعض اخواني الإسلاميين في المملكة عن سبب عزوفهم عن اللقاء والحوار مع الآخر الداخلي فضلاً عن الخارجي، فأكدوا قناعتهم بأهمية ذلك وفائدته؛ لكنهم يتهيبون ويتقون تيارهم ومنافسيهم ضمن التيار أن يتهموهم بالخلل في مبدأ الولاء والبراء!!
وعودة إلى ما ورد في حوار الأخ عبد العزيز قاسم مع فوكوياما فإنه يجب أن يلفتنا كإسلاميين إلى تقصيرنا على هذا الصعيد؛ لأن تعدد وتكرار اللقاء مع المفكرين الأمريكيين والغربيين من قبل علماء الإسلام والدعاة والمثقفين الإسلاميين يساعد كثيراً على تبيين مواقفنا والدفاع عن قضايانا، وافتراض التعصب والعناد من كل الآخرين ليس موضوعياً؛ ولا يعفينا عن السعي لعرض وجهات نظرنا أمامهم.
بقى أن أشير إلى نقطة إيجابية عند المفكرين الآخرين غالباً ما نفتقدها في أجوائنا، وهي استقلاليتهم أو لا أقل إظهار هذه الاستقلالية في الآراء والمواقف، حيث لم يتردد فوكوياما في نقد مواقف الإدارة الأمريكية والاعتراف بتقصير المثقفين الأمريكيين إلى آخر موارد النقد الذاتي التي بدت واضحة في كلامه.
بينما يضطر الواحد منا أو ينساق غالباً إلى الدفاع عن كل شيء عندنا دون أن نتوفر على شجاعة الاعتراف بالخطأ والإقرار به.
ونقطة أخرى تتمثل في غياب وتغييب التوجهات والآراء الإسلامية المنفتحة، فما يبدو من حديث فوكوياما أنه لم يقرأ لمفكرين إسلاميين رواد مثل مالك بن نبي، والسيد محمد باقر الصدر، والشيخ محمد الغزالي، والسيد محمد الشيرازي، والسيد محمد حسين فضل الله، والشيخ محمد مهدي شمس الدين؛ وأمثالهم من المفكرين الإسلاميين الذين كشفوا عن عمق إنسانية الإسلام وحضارية مبادئه.