حول مناهج التعليم الديني في المملكة
كمجتمع مسلم نحرص على تعليم أبنائنا مبادئ الإسلام وأحكامه، خاصة وأننا نعيش تحدي الحفاظ على هويتنا الحضارية وقيمنا الدينية، في وجه هذا الطوفان الإعلامي والثقافي المتعدد الاتجاهات. كما أنّ العائلة لم تعد متفرغة كثيراً لتوفير التوجيه والتعليم الديني للأبناء، وبهذا تتيح المناهج الدراسية أفضل الفرص لتلبية حاجة أبنائها إلى التوجيه والتعليم الديني.
لكن النقاش هو في اختيار المادة الدينية التي تقدمها المقررات الدراسية، وفي أسلوب العرض والطرح.
وليس صحيحًا ما تثيره بعض الجهات من اتهام نيات ومقاصد كل المطالبين بإصلاح وتعديل مقررات التربية الدينية، بأنهم أقلّ حرصًا على الدين، أو أنهم يستجيبون لضغوط الخارج ويتفاعلون معها.
إنّ الاتهام سلاح العاجز عن تقديم الرأي الأفضل، وهو وسيلة لإثارة المشاعر والعواطف، وقد يكون محاولة للحفاظ على المكاسب وفرص النفوذ، تحت شعارات الدفاع عن العقيدة والحرص على الدين.
لقد احتكرت الشأن الديني عندنا في المملكة في التعليم وسائر المجالات مدرسة معينة، نحترم آراءها وتوجهاتها، ونقدر سعيها وجهدها في تأكيد وتكريس الحالة الدينية في بلادنا، لكنّ هناك ملاحظتين أساسيتين في مجال التعليم:
الأولى: أخذ متغيرات الحياة والتطور الاجتماعي بعين الاعتبار في اختيار المادة الدينية وأسلوب عرضها. فالجيل الحاضر من أبنائنا يعيش عالمًا وظرفاً يختلف عن العصر الذي عاش فيه الشيخ ابن تيمية أو الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولو كانا معاصرين لركزت دعوتهما أو أطروحتهما على قضايا أخرى تتناسب ومشكلات هذا العصر.
صحيح أنّ ثوابت الدين لا تتغير، لكنها محدودة، وليست محل نقاش إلا في أسلوب العرض، وقد يبالغ البعض بحشر بعض الجزئيات والتفاصيل العقدية في مجال الثوابت وهو منهجية خاطئة، كما أنّ درجة التركيز على أيّ ثابت قد تتغير من عصر لآخر.
فأنبياء الله ورسله أعرف منّا وأحرص على ثوابت الدين، لكن القرآن الكريم يحدثنا عن تنوع في الطرح والتركيز يختلف من نبي لآخر، حسب ظروف أزمنتهم ومجتمعاتهم.
فلا نجد فيما يقصه القرآن الكريم من سيرة نبي الله موسى تركيزاً على مسألة عبادة الأصنام، كما هو الحال في سيرة نبي الله إبراهيم ، بل إنّ مواجهة طغيان فرعون كانت هي محل التركيز.
كما يبرز القرآن الكريم تركيز نبي الله شعيب على الشأن الاقتصادي، ونبي الله لوط على الفساد الأخلاقي.. وهكذا..
والثانية: مراعاة وحدة الأمة الإسلامية بشكل عام، والوحدة الوطنية في المملكة بشكل خاص، فمن الواضح أنّ هناك تنوعاً في المذاهب والاجتهادات الدينية لدى شعب المملكة وشعوب الأمة.
وإذا كانت هذه المدرسة السلفية تمثل الرأي والمذهب الرسمي في المملكة، لكنها لا يصح أن تستخدم الإمكانات وتوظف نفوذها للإساءة إلى أتباع بقية المذاهب من المواطنين.
إنّ المقررات الدراسية الدينية في المملكة ليس فقط تتجاهل آراء بقية المذاهب، بل تكيل لها الطعن والتجريح، وتصفها بالشرك والكفر والإلحاد والبدعة والضلال وما أشبه من النعوت.
وكمثال بسيط، فإنّ شعوب العالم الإسلامي قاطبة وحكوماتهم ومعهم قسم من المواطنين السعوديين يحتفلون بمولد رسول الله في شهر ربيع الأول من كل عام، كمظهر لتعظيم رسول الله وتجديد ذكرى سيرته العطرة، ولهم اجتهادهم وأدلتهم. لكن مقرر التوحيد للصف الثالث ثانوي القسم الشرعي يقول في صفحة 126: «الاحتفال بمناسبة المولد النبوي هو تشبه بالنصارى.. فيحتفل جهلة المسلمين أو العلماء المضلون.. ويحضر جموع من دهماء الناس وعوامهم.. ولا يخلو من الشركيات والمنكرات.. وقد يكون فيها اختلاط الرجال والنساء مما يسبب الفتنة ويجر إلى الوقوع في الفواحش.. وهو بدعة أحدثها البطالون وشهوة نفس اغتنى بها الأكالون».
ومثل هذا الأسلوب من الطرح مخالف لأخلاق الإسلام في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن.
وهو يقحم أبناءنا منذ نعومة أظافرهم وحداثة سنهم في معارك مذهبية، وصراعات كلامية طائفية تصنع الحواجز فيما بينهم.
وقد يحدث ردّ فعل لدى الجيل الناشئ تجاه الدين بشكل عام.
ويدفع العوائل من أتباع بقية المذاهب لتحصين أبنائها من تأثيرات هذا المنهج ويثير مشاعر الاستياء والغضب في أوساط هؤلاء المواطنين، الذين يجبر أبناؤهم على تعلم سبّ مذاهبهم، والطعن في علمائهم ورموزهم.
وذلك مضرّ بالوحدة الوطنية، ومعوّق لرصّ صفوف الأمة أمام التحديات والأخطار.