تقديم الدكتور عبدالجبار الرفاعي لكتاب: الحوار والانفتاح على الآخر
تقديم الدكتور عبدالجبار الرفاعي
لكتاب: الحوار والانفتاح على الآخر
المؤلف: الشيخ حسن الصفار
ثقافة العنف ظاهرة طاغية في الاجتماع العربي الإسلامي، فلا صوت يعلو على صوت دعاة نفي الآخر واستئصاله، وكل يوم يتعزز وجود هؤلاء، وتتسع دائرة تأثيرهم، وتتمدد مساحة نفوذهم، وتتسع باستمرار هيمنتهم على حقول متنوعة، تطاول مؤسسات التربية والتعليم، ووسائل الإعلام، والمنتديات الثقافية، ومرافق الخدمة الاجتماعية، والمحترفات والمشاغل المهتمة بتأهيل وإعداد الناشئة.
ويلتمس دعاة نفي الآخر مختلف الذرائع، من أجل بلوغ أهدافهم، فهم تارة يعودون إلى النص، ويسلخون المتشابهات عن المحكمات، ويقدمون تأويلاً لها، يفرغون فيه كل الإكراهات التاريخية، والمواقف الأيديولوجية المتعسفة، التي تفشت في حياة المسلمين في عصور الانحطاط، وازدهار لاهوت الطائفية، وتارة أخرى ينقبون في التراث، ويغرقون فيما تراكم من أقوال وحواش وشروح، في علم الكلام، والفقه، والتفسير، ليكدسوا مادة وفيرة من الآراء والمقولات، التي تصوغ ميثولوجيا التمرد والثورة، وتنزع إلى تهشيم السلم الأهلي، وزج المجتمعات في احتراب داخلي، يستنزف إمكانات نهوضها، ويبدد طاقاتها، ويفتت مقومات حياتها.
وتحرص جماعات العنف على امتلاك أحدث تقنيات المعلوماتية ووسائل الاتصال، واحتواء النخب المؤهلة علميًّا في تلك التقنيات، ودمجها بخلاياها وتشكيلاتها، بحيث أمسى قطاع واسع من الخبراء يمنحون خبراتهم لهذه الجماعات، ويتطوعون في تقديم أحدث الخدمات الفنية في تكنولوجيا المعلومات لها مجاناً.
وفي المقابل لا تجد الأصوات العقلانية والواقعية، وأفكار التعايش واحترام الآخر، الإمكانات المادية والخبرات الفنية اللازمة، لإشاعتها والتثقيف عليها. وربما تعرضت إلى موجات صاخبة من التخويف والتخوين، وسلب المشروعية عنها، وتعبئة وتجييش الجماهير لمعاداة أصحابها، ومناهضة من يبشر بها. وكأن قدر مجتمعاتنا أن تظل عقولها مغيبة، وأفكارها مضطربة، ومفاهيمها مشوشة، وإرادتها مغلولة. وأية محاولة لإيقاظها، وتحرير إرادتها، يجهضها المهرجون، الذين لا يجيدون سوى استعداء عامة الناس على ذوي الرأي المعتدلين، ويحرصون على إذكاء روح الفتنة والانشقاق.
وكتاب (الحوار والانفتاح على الآخر) يضم مجموعة مساهمات للأخ العلامة الشيخ حسن الصفار، تمثل خلاصة تجارب عملية متنوعة في التفاهم، والحلقات النقاشية، وغرف الحوار، والمنتديات الثقافية، والمؤسسات الاجتماعية، مع أطياف عديدة. وتكمن أهمية هذه التجارب في أنها حاولت أن تقتحم الممنوع، وتتجاوز النزعات التكفيرية لدى بعض الجماعات الأصولية والسلفية، المغلقة والمنكفئة على نفسها، فلم يجد فهم الشيخ الصفار للإسلام ما يحضر عليه الإصغاء إلى أي إنسان ومحاورته، لأن اللّه تعالى أصغى للشيطان وحاوره.
مثلما وجد ذلك الفهم الإنساني للإسلام أن التسامح، واحترام الآخر، والانفتاح على البشرية بأسرها، هي من أجلى خصائص هذا الدين وسماته، تلك السمات التي طمستها ثقافة الكراهية، وما تفضي إليه من تعميم لحالات البغضاء والعدوانية وغيرها من القيم الرديئة، والعاهات الأخلاقية.
ويجئ نشر هذا الكتاب في سلسلة قضايا إسلامية معاصرة، من أجل اكتشاف جوهر الدين، وما يختزنه من عناصر، ترسخ السلم، وتنبذ العنف بكافة أشكاله، وتبني أخلاقيات الحوار والفهم المتبادل، وتتعامل مع الناس «إما أخ في الدين أو نظير في الخلق».
وما توفيقي إلا باللّه عليه توكلت وإليه أنيب.