التسويف وإضاعة الفرص
ورد عن الإمام محمد الباقر : (إِيَّاكَ وَالتَّسْوِيفَ فَإِنَّهُ بَحْرٌ يَغْرَقُ فِيهِ الْهَلْكَى)[1] .
من أهم سمات الناجحين في حياتهم، والمستثمرين لأوقاتهم، المبادرة إلى إنجاز المهام، والأعمال التي يريدون القيام بها، بينما يلاحق الفشل حياة المسوّفين والمماطلين في أداء واجباتهم وأعمالهم.
والتسويف هو التأجيل والتأخير المتعمد، الذي يعبّر عنه الإنسان بالقول: (سوف أفعل فيما بعد) أو (سوف أقوم بالعمل لاحقًا).
والتفسير العلمي للتسويف أنه فشل تنظيمي ذاتي حيث يقوم الإنسان طواعية وبشكل غير عقلاني بتأخير المهام الأساسية.
آفات التأجيل
وحين يؤجل الإنسان أيّ عمل فإنه قد لا يؤدّيه فيما بعد، فقد يتلاشى عزمه ويضعف حماسه لأدائه. وقد يفقد القدرة على القيام به بعد أن كان قادرًا، وقد تقلّ قيمة العمل ومردوده حين يتأخر أداؤه.
يقول امرؤ القيس:
دَنَت وَظِلالُ المَوتِ بَيني وَبَينَها وَجادَت بِوَصلٍ حينَ لا يَنفَعُ الوَصلُ
لذلك تحذّر التعاليم الدينية من الوقوع في فخ المماطلة والتسويف.
ورد عن أمير المؤمنين علي أنه كتب إلى بعض أصحابه: (فَتَدارَكْ ما بَقِيَ مِن عُمُرِكَ، ولا تَقُلْ: غَدا وبَعدَ غَدٍ، فإنّما هَلَكَ مَن كانَ قَبلَكَ بِإقامَتِهِم على الأمانِيِّ والتَّسوِيفِ، حتّى أتاهُم أمرُ اللّه ِ بَغتةً وهُم غافِلونَ)[2] .
وجاء عن الإمام محمد الباقر: (إِيَّاكَ وَالتَّسْوِيفَ فَإِنَّهُ بَحْرٌ يَغْرَقُ فِيهِ الْهَلْكَى)[3] .
الأسباب والدوافع
ويشير الباحثون الاداريون إلى أنّ التسويف من أهمّ أسباب هدر الوقت، وإضاعة الفرص والوقوع في الفشل.
وفي دراسة علمية لكثير من الفاشلين (قرابة المئة) في مجالات متنوعة مثل الفشل الدراسي والمهني والاجتماعي والعائلي، تبيّن أنّ للتسويف دورًا كبيرًا في تحقيق هذا الفشل.
تشير بعض الدراسات إلى أنّ التسويف يؤثر بشكل مزمن على حوالي 15% إلى 20% من البالغين، ويزداد هذا العدد بشكل كبير في الطلاب، حيث تعتبر نسبة الطلاب الذين يُسوّفون 80%.
وقد يمارس الإنسان التسويف في بعض الأعمال، بسبب القلق، والخوف من الفشل، وانتقاد الغير.
وقد يكون بسبب الطموح إلى المثالية، وحسب رأي المختصين فإنّ المماطلين هم عمومًا من المثاليين، الذين يطمحون إلى تحقيق الأفضل، ويخافون من الانتقاد.
قال الكاتب الصيني "تاي تنج" الذي نشر في القرن الثالث عشر كتابه عن (تاريخ الكتابة الصينية": "لو كنت لأنتظر الكمال، لما فرغت من كتابي إلى الأبد)[4] .
وقد يصبح التسويف عادة تصاحب الإنسان في مختلف مجالات سلوكه.
التشاغل عن المهام
وممّا يكرّس حالة التسويف، الانهماك في أنشطة أخرى، ليست ذات أولوية، كترتيب الملابس، أو تنظيف المنزل، أو مطالعة التلفاز، أو تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، أو الاستمرار في الجلسات والأحاديث الجانبية. فكثير من الناس يسوّفون في أداء مهامهم، وينشغلون بالأنشطة الصغيرة التي توفر متعة آنية.
لذلك يركّز الباحثون التربويون على ضرورة إزالة مصادر الإلهاء، والابتعاد والتخلّص من الأشياء التي تشتت الانتباه، ومقاومة الإحساس بالرغبة في القيام بأيّ شيء، عدا المهمة المطلوبة.
ورد عن الإمام علي : (مَنِ اشتَغَلَ بِغَيرِ المُهِمِّ ضَيَّعَ الأهَمَّ)[5] .
اغتنام الفرص
إنّ النصوص الدينية تنبّهنا إلى ضرورة الاستفادة من الفرص المتاحة، واغتنامها لتحقيق الإنجازات، قبل أن تضيع تلك الفرص.
جاء في وصية رسول الله لأبي ذرٍّ الغفاري: (يا أَبا ذَرٍّ: اِغتَنِم خَمسًا قَبلَ خَمسٍ: شَبابَكَ قَبلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبلَ سُقمِكَ، وغِناكَ قَبلَ فَقرِكَ، وَفَراغَكَ قَبلَ شُغلِكَ، وَحَياتَكَ قَبلَ مَوتِكَ. يا أَبا ذَرٍّ: إِيّاكَ والتَّسويفَ بِأَمَلِكَ، فإنَّكَ بِيَومِكَ وَلَستَ بِما بَعدَهُ)[6] .
وتؤكد التعاليم الدينية على سرعة المبادرة للقيام بعمل الخيّر، حين تنقدح فكرته في نفس الإنسان، وقبل أن تتلاشى أو تنحسر تلك النيّة.
ورد عن النبي : «مَنْ فُتِحَ لَهُ بَابٌ مِنَ الْخَيْرِ فَلْيَنْتَهِزْهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَتَى يُغْلَقُ عَنْهُ»[7] .
وورد عن أمير المؤمنين علي : (التُّؤَدَةُ مَمدوحَةٌ في كُلِّ شَيءٍ إلّا في فُرَصِ الخَيرِ)[8] .
وعنه : «لا تُؤَخِّر إنالَةَ الْمُحتَاجِ الَى غَدٍ، فَانَّكَ لا تَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَكَ وَلَهُ فِي غَدٍ»[9] .
وعنه : (انْتَهِزُوا فُرَصَ الْخَيْرِ فَإِنَّهَا تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ)[10] .
وعن الإمام جعفر الصادق : (إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِخَيْرٍ أَوْ صِلَةٍ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ شَيْطَانَيْنِ فَلْيُبَادِرْ لَا يَكُفَّانِهِ عَنْ ذَلِكَ)[11] .
المبادرة الأهم
وتشتدّ أهمية المبادرة وترك التسويف في القيام بالواجبات الدينية وأداء حقوق الآخرين.
والشيء الأهم المبادرة إلى ترك الصفات السيئة، والعمل الخطأ، دون مماطلة أو تأجيل، وهو ما تطلق عليه النصوص الدينية وجوب المبادرة إلى التوبة.
يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿١٧﴾ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾. [سورة النساء، الآيتان: 17-18]
ورد عن رسول الله : (إياك والتسويف بِالتَّوْبَةِ)[12] .
وورد عن الإمام علي : (إِنْ قَارَفْتَ سَيِّئَةً فَعَجِّلْ مَحوَها بِالتَّوبَةِ)[13] .